تلقي شريحة واسعة من الفتيات في كركوك، التي تقع على بعد 250 كلم شمالي بغداد، بأسباب جهلهن علوم الحاسوب أو عزوفهن عن ارتياد مقاهي الانترنت، على الوضع الأمني المتردي، والوضع الاقتصادي المنهار لغالبية العائلات العراقية. فيما وجدت أخريات في ظاهرة الاختطاف التي تتعرض لها الفتيات، سبباً قوياً في عزوفهن عن ارتياد الأمكنة العامة في مدينة بلغ عدد المختطفات فيها 37 فتاة! ولكن بعضهن لم يغفل قرارات النظام السابق. وهن يحملنه مسؤولية تأخرهن عن تحصيل علوم الكومبيوتر، التي باتت بالنسبة الى كثير من دول الجوار، امراً بديهياً. وتشير هدية ناجي التي تعمل في مجال التدريس، الى انه "لم تتح لنا فرصة تحصيل علوم الحاسوب او الانترنت في عهد النظام العراقي السابق، بسبب ظروف الحصار التي مر بها العراق اضافة الى ان النظام السابق كان يحظر اموراً كثيرة بينها الانترنت والمحمول والاطباق اللاقطة". وتعتقد رشا نديم، طالبة في المرحلة المتوسطة، ان الاسباب التي دعتها وأخريات الى تهميش رغباتهن، كثيرة. وتشدد على ان "الوضع الامني الذي انعكس في ظاهرة اختطاف الفتيات في كركوك أصبح أكثر الظواهر رعباً بالنسبة إلينا كطالبات". وتضيف: "اصبح خروجنا من الدار مرهوناً بخروج الأم او الأب او الأخ، ان سمحوا بذلك، فكيف بمسألة تحصيل علوم مثل الحاسوب او الانترنت". وترى كوجك قادر، 26 سنة، في الوضع الاقتصادي سبباً اقوى لظاهرة جهل الفتيات في كركوك، بعلوم الحاسوب أو الانترنت. وتعتقد ان "غالبية العائلات العراقية في المدينة تعاني من حالتها المادية الصعبة، ومنها من تمنح الفتاة مبلغ الف دينار 60 سنتاً كمصروف لمدة يومين. بالتأكيد ان هذا المبلغ لا يوفر امكان تحصيل علوم الحاسوب او الانترنت، خصوصاً اذا علمنا ان كلفة الدورة الواحدة لتعليم الانترنت تبلغ 100 الف دينار للشخص الواحد"! وبحسب محمد البرزنجي، الذي يدير مقهى "بابا كركر" للانترنت، فإن "الذكور من الشباب هم الأكثر اندفاعاً نحو دخول هذه الدورات، بفضل قدرتهم على التعامل مع الوضع الامني السائد". ويضيف: "افتتحنا دورات لتعليم الانترنت وكانت الغالبية فيها من الذكور". وفي المقابل، تمكنت سميرة رجب البياتي، من ايصال الانترنت الى حاسوبها في محل اقامتها الكائن في حي تسعين. وتقول: "لا سبيل امامي غير هذه الطريقة على رغم ان الصغار يأخذون اغلب وقتي، ما يعني اني اتصفح المواقع مدة ساعتين من اصل ست". وتؤكد: "بفضل الانترنت اصبحت اتواصل مع جاراتي وقريباتي. اضطر بعض الفتيات للعودة مع العائلة الى كركوك، بعد ان مكثن فترة في السليمانية واربيل بعد موجة الترحيل القسري في عهد النظام البائد. وتمكن بعضهن من الحصول على كومبيوتر محمول لاب توب قبل اربعة اعوام. وأصبح الانترنت بالنسبة إليهن ادماناً. وتقول جلنار: "انفق نحو ثلاثة آلاف دينار يومياً 180 سنتاً في مقهى الانترنت". والحال انها تحتاج الى ضعف هذا المبلغ لإرضاء رغبتها في تصفح المواقع، وخصوصاً الدردشة مع الأصدقاء الجدد عبر العالم. وتقول: "اصبح لي اصدقاء في غير بلد. انهم يراسلونني يومياً... ويسألونني عن اوضاع العراق كثيراً... ومنهم من لا يزال يرى في صدام حسين بطلاً قومياً"! وتعلق رشا على مدى خوفها من الاختطاف بالقول: "من منا لا تخشاه.. الا ان المقهى قرب دارنا وصاحبه عمي".