تكاد فداحة الهزيمة التي واجهها اليمين الحاكم في فرنسا تفوق في اهميتها الانتصار التاريخي الذي حققه اليسار الذي سيطر للمرة الأولى في عهد الجمهورية الخامسة على غالبية مقاعد مجلس الشيوخ الفرنسي. وأظهرت النتائج النهائية لهذه الانتخابات فوز الحزب الاشتراكي وحلفائه اليساريين ب 177 مقعداً في مقابل 144 مقعداً لحزب الاتحاد من اجل الحركة الشعبية الحاكم وحلفائه اليمينيين، فيما فاز مرشحو الوسط ب 26 مقعداً. وبدا طبيعياً ان تثير النتيجة ابتهاجاً في صفوف اليسار الذي بات الطرف الأقوى في مجلس شكّل على مدى العقود الماضية معقلاً يمينياً لا يتزعزع، ما جعل رئيس الكتلة الاشتراكية في مجلس الشيوخ جان بيار بيل يعلن ان ال25 من ايلول (سبتمبر) الحالي (موعد الانتخابات) سيسجله التاريخ. فهذا الاختراق غير المسبوق يمثل بالنسبة الى الاشتراكيين واليسار عموماً مؤشراً ايجابياً يحملهم على التفاؤل بالانتخابات الرئاسية المقررة في الربيع المقبل، في حين انه يمثل لكمة مؤلمة بالنسبة الى اليمين الحاكم وتحديداً الرئيس نيكولا ساكوزي الذي يطمح في الفوز بولاية رئاسية ثانية. وبدا هذا واضحاً من خلال البيان الذي صدر عن قصر الأليزيه وورد فيه ان الرئاسة اخذت علماً بنتائج الانتخابات ومن خلال بيان رئيس الحكومة فرانسوا فيون الذي قال ان «المعركة في بدايتها وانتخابات مجلس الشيوخ تكشف مدى الحيوية التي نحتاجها». اما باقي مسؤولي حزب الاتحاد من اجل الحركة الشعبية فاختاروا تبرير هزيمة حزبهم بالانقسامات الداخلية وهو ما لا يكفي للتخفيف من حدة المأزق الذي يواجهونه ولا لإخفاء الأسباب الكثيرة التي ادت الى هذه الهزيمة. فانتخابات مجلس الشيوخ جاءت في اعقاب انتخابات إقليمية ومناطقية اسفرت عن تقدم لليسار على حساب اليمين، ما حمل الكثير من المعلقين على القول إن اليمين خسر كل الانتخابات التي خاضها منذ تولي ساركوزي الرئاسة. وعلى رغم المواقف والخطط والوعود المتتالية التي قطعها ساركوزي وحكومته، فإن كل استحقاق انتخابي يظهر رفضاً متصاعداً للتوجهات الرسمية المتبعة منذ عام 2007. لكن ما ميّز انتخابات مجلس الشيوخ عما سبقها هو ان هذا المجلس يجسد لجهة وظيفته الدستورية مواقف وتطلعات فرنسا والمناطق الريفية التي كانت دائماً اقرب الى اليمين منها الى اليسار وقررت ان تقلب هذا الاتجاه الآن. ومن خلال اعطاء الغالبية في مجلس الشيوخ لليسار، ارادت هذه الشريحة التي شكلت عمقاً انتخابياً اساسياً لساركوزي في الانتخابات الرئاسية التي اوصلته الى الحكم، ان تعبر عن رفضها الواضح له. فما حققه ساركوزي في ليبيا وراهن عليه لإعادة ترسيخ موقعه الرئاسي يلقى ارتياحاً عاماً لدى مجمل الفرنسيين، لكنه لا يلبي حاجتهم عموماً وحاجة الريفيين منهم تحديداً الى زيادة مداخيلهم ورفع قدرتهم الشرائية وإبعاد شبح البطالة المتصاعدة عنهم وهو ما كان وعدهم به في اطار حملته الانتخابية السابقة. والحصيلة الاقتصادية والاجتماعية التي حققها ساركوزي هي من النوع الذي يصعب الدفاع عنه، خصوصاً في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية التي لم تعد تشكل تبريراً مقنعاً بالنسبة الى المواطن الفرنسي الذي يسمع يومياً عن فضائح على صلة بصفقات وعمولات تقدر بالملايين تقاضاها افراد على صلة بالطبقة السياسية التي تطالبهم باستمرار بتضحيات جديدة. والفرنسيون قالوا «لا» جديدة لساركوزي وأسلوبه، وأمام الأخير مهلة 7 اشهر فقط لإعادة لملمة اوضاعه وخوض انتخابات الرئاسة المقبلة التي يتوقع اكثر المتفائلين من اعوانه انها ستكون بالغة الصعوبة وإن كسبها.