عزز الانتصار الذي حققه اليسار الفرنسي في انتخابات مجلس الشيوخ الفرنسي الجزئية الأخيرة حظوظه في العودة إلى مقاليد السلطة العام المقبل أي بعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية. فقد أصبحت أحزاب اليسار تملك مائة وسبعة وسبعين مقعدا من بين مقاعد المجلس البالغ عددها 348. بمعنى آخر أصبح اليسار يملك الأغلبية المطلقة في هذا المجلس الذي يعد رئيسه الشخصية الثانية بعد رئيس الدولة في هرم السلطة. وتكمن أهمية هذا الانتصار في كونه الأول من نوعه منذ الحرب العالمية الثانية. ويسعى الحزب اليميني الحاكم اليوم إلى التقليل من أهمية هذا الانتصار مذكرا مثلا بأن دستور البلاد يعطي مجلس النواب الكلمة الأخيرة للبت في مشاريع القوانين التي تعرض على المجلسين وأنه لن يمنع اليمين الحاكم من استخدام طرق يجيزها القانون لتنفيذ الإجراءات والمبادرات التي يرغب في القيام بها. ومع ذلك فإن كثيرا من المحللين السياسيين يعتبرون أن الانتصار الذي حققه اليسار قبل أيام بامتلاكه الأغلبية المطلقة في مجلس الشيوخ من شأنه تسهيل انتصارات جديدة محتملة تتعلق باستحقاقات انتخابية هامة على رأسها الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة. بل إن اليسار أصبح قادرا منذ أيام فقط على استخدام مجلس الشيوخ كمنبر سياسي يشرح من خلاله للفرنسيين مشاريعه وبرامجه واستراتيجيته للعودة إلى الحكم. ومن خلال مجلس الشيوخ ووزن اليسار الجديد فيه، يصبح من الصعب على رئيس الدولة تمرير عدد من المشاريع التي كان يرغب في تمريرها. وبإمكان اليسار الآن إطلاق لجان للتحقيق في عدد من القضايا والفضائح السياسية والمالية التي تورطت فيها شخصيات تابعة لأحزاب اليمين وبخاصة حزب «الاتحاد من أجل حركة شعبية». وصحيح أن اليسار الفرنسي الذي انهزم في كل الانتخابات الرئاسية منذ عام 1995 كسب تقريبا غالبية الاستحقاقات الانتخابات المحلية والإقليمية منذ عام ألفين وسبعة. ولكن ظلت تنقصه السيطرة على مجلس الشيوخ لتتويج هذه الانتصارات. وبدا شبه مؤكد من خلال نتائج الانتخابات الجزئية الأخيرة التي كرست انتصار اليسار على اليمين في مجلس الشيوخ الفرنسي أن هناك فعلا أزمة ثقة حادة بين ناخبي اليمين من جهة والحزب الحاكم من جهة أخرى بدليل أن عددا من المرشحين اليمينيين المتمردين على الحزب قد تمكنوا من تحقيق اختراق. وقد فتح ذلك الباب على مصراعيه لتساؤلات لم تكن تطرح من قبل بشكل علني حول مدى نجاعة مساندة ترشح نيكولا ساركوزي رئيس الدولة الحالي لرئاسة الجمهورية العام المقبل. وهناك لدى قياديي الأحزاب اليسارية قناعة مفادها أن أزمة الثقة الحادة التي يمر بها الحزب الحاكم اليوم قبل سبعة أشهر على الانتخابات الرئاسية ستتواصل وأن ذلك كفيل بتعزيز حظوظ هذه الأحزاب في الفوز في أعقاب الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة على نحو غير مسبوق أي من خلال إمكانية سيطرة اليسار سيطرة كلية على السلطتين التنفيذية والتشريعية في البلاد.