أدلى الناخبون الفرنسيون بأصواتهم أمس، في الدورة الأولى من الانتخابات الاشتراعية، في اختتام حملة باهتة لم تثر الكثير من الحماسة لدى الرأي العام على رغم أهمية نتائجها على صعيد القوى السياسية المتنافسة. واقتصرت نسبة الإقبال على صناديق الاقتراع عند منتصف النهار على 21.6 في المئة من الناخبين وهي نسبة أدنى من تلك التي سجلت في الوقت نفسه في انتخابات عام 2007. وتأتي الانتخابات بعد نحو شهر من من فوز الاشتراكي فرنسوا هولاند في انتخابات الرئاسة التي اتسمت بمقدار مرتفع من التعبئة والاستقطاب. وعلى رغم أن تراجع نسب الإقبال بات صفة ملازمة للانتخابات الاشتراعية منذ أن قرر الرئيس الراحل فرنسوا ميتران تنظيمها عقب انتخابات الرئاسة، فإن هذه الانتخابات تنطوي على رهانات مهمة خصوصاً هذه السنة كونها شهدت انتقال الرئاسة للمرة الأولى منذ عام 1981 من اليمين إلى اليسار. ويراهن الحزب الاشتراكي الحاكم على هذه الانتخابات التي يتنافس فيها 6603 مرشحين بينهم 40 في المئة من النساء على الفوز بغالبية 298 مقعداً من مقاعد الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) البالغة 577 مقعداً بما يسهل عليه إصدار القوانين واتخاذ القرارات المتناسبة مع الوعود الانتخابية التي أدلى بها الرئيس هولاند. والسؤال المطروح على الحزب الاشتراكي هو ما إذا كان سيضطر إلى التحالف مع القوى اليسارية الأخرى أي أنصار البيئة الخضر وجبهة اليسار (اليسار) المتطرف واليسار الراديكالي لتشكيل غالبية برلمانية تجعل منه الحزب المسيطر على المؤسسات الدستورية كافة في البلاد منذ الانتقال التاريخي للغالبية في مجلس الشيوخ الفرنسي إلى اليسار في الخريف الماضي. أما حزب «الاتحاد من أجل الحركة الشعبية» اليميني فإنه يطمح إلى عدم تحول هذه الانتخابات إلى عقاب جديد له بعد الهزيمة الرئاسية والتعويل على إمكانية الاحتفاظ بالغالبية البرلمانية التي يحظى بها في البرلمان الحالي ما يؤدي إلى حقبة تعايش جديدة تبدو مستبعدة من قبل المراقبين. كما يأمل الاتحاد في تجنب هزيمة قاسية في الانتخابات الاشتراعية ستؤجج الصراع بين كبار مسؤوليه الذي برز فور هزيمة الرئيس السابق نيكولا ساركوزي في مواجهة هولاند. اليمين المتطرف وتراهن زعيمة «الجبهة الوطنية الفرنسية» (اليمين المتطرف) مارين لوبن على تكرار الاختراق الذي حققته في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية حيث حلت في المرتبة الثالثة بعد هولاند وساركوزي، واختراق البرلمان الذي غاب عنه اليمين المتطرف منذ 26 عاماً، والتمكن من تشكيل كتلة نيابية تنافس حزب الاتحاد اليميني على زعامة المعارضة. ويبدو نجاح هذه الرهانات المختلفة متوقفاً إلى حد كبير، على نسبة الإقبال على التصويت وعلى التنافس الثلاثي أو حتى الرباعي في دوائر انتخابية معينة في الدورة الانتخابية الثانية التي ستجرى يوم الأحد المقبل. وبموجب الدستور الفرنسي فإن نسبة الإقبال على الاقتراع تحدد نسبة الأصوات المطلوب من المرشح إحرازها للبقاء في السباق حتى الدورة الثانية وتبلغ عادة 12.5 في المئة لكنها قد ترتفع إلى 22 في المئة في حال بلغت نسبة الامتناع عن التصويت 43 في المئة. كما تنطوي هذه الانتخابات على رهانات فردية بالنسبة للكثير من المرشحين ومنهم رئيس الحكومة جان مارك إرولت والوزراء ال24 المرشحين في هذه الانتخابات بعد أن تقرر أن الوزير الذي يهزم عليه أن يتخلى عن مقعده الحكومي وكذلك بالنسبة للمرشحة السابقة لانتخابات الرئاسة سيغولين رويال التي تعد نفسها لتولي رئاسة الجمعية الوطنية في حال فوز حزبها بالغالبية وهي تخوض الانتخابات في منطقة لا روشيل. وفي معسكر اليمين، يولي رئيس الحكومة السابق فرنسوا فيون والأمين العام لحزب الاتحاد من أجل حركة شعبية، أهمية كبيرة لهذه الانتخابات التي يخوضها الأول مرشحاً في باريس والثاني في منطقة لي زيفلين إذ إن هزيمة أحدهما ستعزز موقع الآخر في إطار تصارعهما على رئاسة الحزب. وجذبت الحملة الانتخابية في منطقة بومون هينين اهتمام الرأي العام حيث قرر زعيم جبهة اليسار جان لوك ميلانشون خوض الانتخابات في مواجهة لوبن ومرشح اشتراكي هو فيليب كيميل ما أدى إلى حملة شرسة واتهامات وإهانات متبادلة بين زعيمة اليمين المتطرف وزعيم اليسار المتطرف، علماً أن هزيمة لوبن في هذه المنطقة ستضطرها إلى تقليص طموحاتها السياسية بالنسبة إلى الفترة المقبلة. وأدلى هولاند بصوته صباحاً في منطقة تول حيث استقبل بالتصفيق لدى وصوله إلى مركز الاقتراع وعمل كعادته على مصافحة العاملين في المقر والمواطنين الذين صادف وجودهم بداخله ولم ترافقه هذه المرة صديقته فاليري ترييرفيلير التي ذكر أنها لازمت باريس. كما أدلى ساركوزي برفقة زوجته كارلا بروني بصوته صباحاً في الدائرة الباريسية ال16. وميزة الاقتراع هذه السنة وجود 11 دائرة تمثل الفرنسيين في الخارج المدعوين للمرة الأولى إلى المشاركة في اقتراع وطني عبر الإنترنت إلى جانب التصويت في صناديق الاقتراع أو التصويت بالمراسلة.