تعيش زينب خضر ابنة المصري الأصل الكندي الجنسية أحمد خضر مع ابنتها صفية وشقيقتها مريم حياة لا تحسد عليها، منذ أن قتل والدهما في منطقة القبائل على الحدود الباكستانية الأفغانية قبل أشهر، إثر محاولة إحكام السلطات الباكستانية قبضتها على المنطقة التي يتمركز فيها مئات عدة من عناصر تنظيم "القاعدة" وعناصر أخرى متعاطفة معه. وتعجز زينب عن اعطاء تفسير لسر اتهام والدها قبل مقتله بأنه اليد اليمنى لأسامة بن لادن أو مموله، كما يحلو لبعض وسائل الإعلام وصفه، إلا أنها ترد باستهزاء: "وهل بن لادن في حاجة الى أموال والدي؟". قصة زينب في باكستان وأفغانستان هي اختصار لحياة النساء ومعاناتهن في مجتمع "العرب الأفغان"، حيث الصعوبة في ايجاد المأوى والمخاطر التي تترتب عن ذلك كثيرة، منذ بدأت الحرب على الارهاب تتعقب كل من له صلة بتنظيم "القاعدة" وبن لادن. لا تنكر زينب أن اسامة بن لادن حضر حفل زفافها في كابول قبل عامين ويومين من وقوع أحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر 2001، لكن ذلك كان بحكم الصداقة والمعرفة التي تربط والدها بالكثير من العرب الذين شاركوا في الجهاد الأفغاني. ومع ان زينب لم تحظ يوم فرحها بهدية من المطلوب الرقم واحد في العالم، إلا أنها قالت انها كفتاة كانت تعرف عن بن لادن من خلال أسرتها وفي المناسبات المتعددة التي كانت تجمعهم سواء كانت للاحتفال بالأعياد أو لنشاطات خيرية وما شابه ذلك. تشعر زينب بالأسى عندما يقال ان أسرتها احدى أسر تنظيم "القاعدة"، وخصوصاً عندما يربط بين مقتل والدها في بلدة وانا في منطقة القبائل، واعتقال شقيقها عمر ونقله الى غوانتانامو في أعقاب مواجهة مع القوات الأميركية في مدينة خوست الأفغانية عام 2002، وكذلك اعتقال شقيقها عبدالرحمن في منطقة القبائل حيث كان الى جانب والده عند مقتله. تقول زينب ان الكثير من العرب الأفغان وجدوا في منطقة القبائل الملجأ الآمن بعد سقوط افغانستان تحت السيطرة الاميركية، ثم أن الكثير من القبائل الأفغانية، وخشية تعرضها لضغوط، نصحت بنقلهم الى الجانب الآخر من الحدود مع افغانستان ليكونوا ضيوفاً على القبيلة نفسها مع وعد بالحماية والسكن تحت أي ظرف من الظروف. وتوضح زينب، التي تعيش معتمدة على ما يقدمه لها المتعاطفون في باكستان من دعم، ان العرب فضلوا البقاء في هذه المنطقة تحديداً بسبب الدعم والحماية التي يقدمها السكان المحليون عن قناعة وإيمان ووفقاً لتقاليد يطبقونها وأعراف يحترمونها، على رغم ان العرب يقرّون بأن صعوبة الحياة لا تقارن بما عانوه في السنوات الماضية، حيث كانت المجمعات السكنية مميزة. وتنفي مريم التي كانت على معرفة وطيدة ببنات بن لادن وذراعه اليمنى الدكتور أيمن الظواهري ان يكون العرب يدفعون الأموال للسكان مقابل تقديم الحماية لهم، وتشير الى أن العرب كثيراً ما يساهمون في تحسين المنازل التي يستخدمونها ثم يتركونها كما هي لأصحابها، اضافة الى انهم يقومون بتقديم الخدمات الطبية الضرورية متى اتيح لهم ذلك. ويقيم العرب في هذه المناطق في ما يعرف ب"الحوش" وسط عائلات يعرف عن رب أسرها بأنها مرتبطة ب"القاعدة" أو متعاطفة مع اهدافها، وكثيراً ما دفعت هذه الأسر ثمناً لذلك من حياة أفرادها أو ممتلكاتهم. ويقول مسؤول أمني باكستاني رفيع مكلف ملف العناصر التي لجأت الى منطقة القبائل، ان مجموع ما تبقى منهم في هذه المنطقة لا يتجاوز المئتي عنصر، معظمهم من الطاجيك والشيشان في حين فضلت العناصر العربية أخيراً التسلل والاختفاء داخل افغانستان أو باكستان. ويقول المسؤول الذي تحدث الى "الحياة" ان العناصر العربية الناشطة في "القاعدة" اقتصر دورها في الآونة الأخيرة على التخطيط والتمويل فيما يترك التنفيذ لعناصر من جنسيات أخرى. وقال خبير أفغاني ان القيود الأمنية التي فرضت على عناصر تنظيم "القاعدة" دفعتهم في الأشهر الأخيرة الى الاعتماد على عناصر أو وكلاء يتولون تنفيذ المهمات المطلوبة في مقابل مبالغ مالية. ويضرب مثلاً على ذلك خالد شيخ محمد وآخرين تم اعتقالهم في باكستان بعدما أقروا بأنهم حصلوا على مبالغ طائلة في مقابل خدمات قدموها. حياة الأسر التي تعيش في منطقة القبائل مشوبة بالحذر والمشاكل، إذ يضطر بعضها الى العيش بعيداً عن الأب أو الزوج لأسابيع. اذ يختار الرجل العيش في الكهوف والمناطق الجبلية الوعرة، الأمر الذي يترك النساء يشعرن بالضيق والخوف، خصوصاً أن الفتيات منهن اعتدن الزواج بمجرد بلوغهن سن الثانية عشرة أو الثالثة عشرة. ويعبر عن هذا الضيق ما قالته فاطمة، احدى بنات اسامة بن لادن لصديقة لها كتعبير عن صعوبة الحياة التي يعشنها، انها شخصياً تفضل الاقتران بشاب "لا يوجد لديه مشاكل حتى أعيش حياة طبيعية"، فكان رد الصديقة ان "الزواج منها كفيل بجلب المشاكل للعريس كونها ابنة الشيخ اسامة". وعلى رغم ذلك كانت الفتيات من أقران فاطمة يعبرن عن ضيقهن لوجود بنات في سن الزواج يفوق عدد الرجال الذين يعيشون في الدائرة نفسها والمقربين من الآباء والأشقاء.