دفعت أزمة الانتاج السينمائي المصري أعداداً متزايدة من صناع الأفلام الى التلفزيون في ما يشبه هجرة اضطرارية، ما لبثت أن قدمت للمهاجرين اغراء ثميناً، إذ حققت لهم مشاهدة جماهيرية كثيفة ويومية ولمدة شهر كامل وأكثر أحياناً، وهي هجرة قام بها اختصاصيون متنوعون من الكتاب الى المخرجين من دون أن ننسى بالطبع نجوم السينما، لأن الممثلين من غير النجوم كانوا حاضرين دوماً على الشاشة الصغيرة. نقول نجوم السينما ونعني الصف الأول منهم، الذين راحوا خلال السنوات الأخيرة يقدمون مسلسلات تعرض في شهر رمضان، يلعبون فيها أدوار بطولة مطلقة، تمتد مساحتها الزمنية على مساحة العمل بأكمله فيضمن واحدهم استمرار الحضور واستمرار المشاهدة. هجرة السينمائيين الاضطرارية الى الدراما التلفزيونية، كان يمكن أن تكون عادية ومفهومة، بل ومفيدة أيضاً، خصوصاً لجهة رفع سوية ما تقدمه الشاشة الصغيرة من أعمال من خلال ضخ خبرات فنية عالية المستوى غير ان النتيجة جاءت على العكس من ذلك تماماً، الى درجة بتنا معها نعتقد ان المهاجرين الجدد الذين لم يفلحوا في حل أزمة السينما، نجحوا في زيادة أزمة الدراما التلفزيونية، بل وفي خلق اشكالات تلفزيونية لم تكن موجودة من قبل، وصارت اليوم حقائق واضحة للعيان. من هذه الأمراض، بل من أخطرها على الاطلاق خلق دراما النجم التي تقوم على تفصيل حكاية تلفزيونية على قامة ممثل نجم، بما يعنيه ذلك من رسم الأحداث الدرامية التي تناسب نجومية هذا الممثل النجم بدلاً من القاعدة الطبيعية والمفهومة التي تقضي بكتابة النص التلفزيوني ثم البحث لاحقاً عن الممثل المناسب لهذا الدور أو ذاك من أدواره. والحال ان "التقليد" الجديد، بات يغري - في ظل استمرار أزمة السينما - بمزيد من الوافدين الجدد الى ساحة التلفزيون، وبالعقلية والمفاهيم ذاتها، حتى وجدنا أنفسنا أيام رمضان الفائت أمام مجموعة كبيرة من المسلسلات التي يلعب أدوار البطولة فيها نجوم أو نجمات من السينما من أمثال نور الشريف، يحيى الفخراني، نبيلة عبيد، ليلى علوي، يسرا وغيرهم. والذي تابع أعمال هؤلاء النجوم يكتشف أنها جميعاً - باستثناء عمل نور الشريف رجل الأقدار - من ذلك النوع الذي يمكن القول من دون مجازفة انه قد تم تفصيله خصيصاً لهذا النجم أو تلك النجمة، ما تسبب في وقوع تلك الأعمال في نوع من السطحية والضحالة التي لم تعد تنفع معها أي نجومية. نقول ذلك عن كل تلك الأعمال الرمضانية المصرية وإن برزت بشكل فاقع حقيقة ما نقول من سطحية ومن ضحالة في مسلسل "العمة نور" الذي لعبت بطولته المطلقة النجمة نبيلة عبيد، وحظي برفض شبه إجماعي، خصوصاً من النقاد الفنيين في مصر على رغم كونه الاطلالة التلفزيونية الأولى لنبيلة عبير منذ أكثر من عشرين عاماً كاملة، فأين يكمن الخلل؟ اداء مفتعل ثمة ملاحظات كثيرة انصبت على النص، أو على جوانب معينة في هذا النص، قد نؤيد بعضها وقد نتحفظ عن البعض الآخر، إلا أن ما نريد قوله هنا يتجاوز هذا وذاك ليصل الى بؤرة فن نبيلة عبيد ونعني بالضبط أداءها دورها في المسلسل، فمن تابع "العمة نور" سيتوقف مندهشاً أمام الأداء التمثيلي المفتعل، الضحل وغير المقنع لهذه الممثلة الكبيرة التي عرفناها متألقة في عدد كبير من الأفلام السينمائية المصرية الناجحة والمهمة والتي طرحت قضايا واشكالات اجتماعية وسياسية وانسانية على قدر كبير من الخطورة. المشكلة كما نعتقد تكمن بالضبط في سيادة مفهوم خاطئ في أوساط كثيرين من صناع السينما ونجومها، مفهوم يعتقد أصحابه ان الدراما التلفزيونية ان هي إلا سينما من الدرجة الثانية أو حتى الثالثة، وهي طبقاً لذلك لا تحتاج الى جهد كبير، ولا تتطلب تركيزاً واهتماماً كذلك الذي تتطلبه السينما. لعل شيئاً من هذا المفهوم، هو الذي يفسّر ما رأيناه على الشاشة الصغيرة من اداء غير مقنع لممثلة كبيرة تمتلك موهبة وخبرات تمثيلية كبيرة، ولكنها في "العمة نور" تبدو بأداء كوميدي لدور تمثيلي غير كوميدي على الاطلاق. أعتقد ان المعادلة مقلوبة، فالحل لا يكمن في استدراج نجوم السينما الى الشاشة الصغيرة، بقدر ما يكمن في البحث عن وسائل تطوير الدراما التلفزيونية ذاتها، وعلى قاعدة احترام الدور لا احترام نجومية النجوم. لماذا لا يلعب هؤلاء النجوم الأدوار التي تناسبهم وتتلاءم مع امكاناتهم بغض النظر عن حجمها ومساحتها؟ وهل تتوقف نجومية الممثل على حجم الدور؟ في مسلسل "ذكريات الزمن القادم" لعب عبدالهادي الصباغ دوراً ثانوياً بقياس المساحة الزمنية، ولكنه بأدائه المفعم بالتعبيرية، كان نجماً كبيراً بكل معنى الكلمة.