مواسم الدراما المصرية الأخيرة حملت تطوُّراً ملحوظاً في جانبين مهمين تمثَّلا في الخروج من الأستديوات المغلقة والتصوير في الأماكن الحقيقية أولاً، ثم في بدايات تبدُّل النظرة التقليدية إلى هذه الدراما بوصفها سينما من الدرجتين الثانية والثالثة، وتالياً إنتاجها باهتمام أقل وفنيات أدنى. من تابع الدراما التلفزيونية المصرية خلال العقد الفائت يتذكر سقوطها في تقاليد تفصيل المسلسل على قائمة هذا النجم أو تلك النجمة، وانحسار المعالجات الحيوية لقضايا المجتمع المصري الأكثر أهمية، من دون أن ننسى بالتأكيد سطوة الأساليب الفنية المرتجلة إلى الحد الذي جعل مهمة الإخراج مهمة «ثانوية» تتوارى خلف نجومية النجوم من ممثلي وممثلات السينما الذين جاؤوا إلى التلفزيون مضطرين بسبب أزمة السينما ولكن أيضاً بسبب الحضور الكثيف للشاشة الصغيرة في حياة الناس وبيوتهم. الدراما التلفزيونية تعيش اليوم بدايات نهوض جميل راح يعبّر عن نفسه في تصويب النظرة إلى الدراما أولاً، ثم في البحث عن موضوعات اجتماعية وسياسية ذات صلة عميقة بحياة الناس. وفي البال أعداد متزايدة من الأعمال المصرية التي نجحت في ملامسة الواقع المصري، وحققها مبدعوها بفنيات أرقى تجاوزت ما اعتدناه سابقاً من أعمال. الدراما المصرية قدمها روَّادها الأوائل بإمكانات مادية وتقنية متواضعة، لكنها تمكنت من استقطاب اهتمام المشاهدين ووعيهم في زمن البث الأرضي وشاشة اللونين الأبيض والأسود. تلك كانت أعمال فايز حجاب وإبراهيم الصحن ونور الدمرداش وغيرهم من رواد الدراما التلفزيونية، وكلُّهم أعطوا الإخراج مكانة مركزية في تحقيق المسلسل ناهيك، بالطبع، عن تركيزهم على النص واختيار النصوص الأجمل والأهم. هي عودة محمودة نعتقد أنها ستنقل الدراما المصرية شوطاً واسعاً إلى أمام، خصوصاً أن الساحة الفنية المصرية تزخر بكل مفردات الدراما من كتاب وفنانين بل ومن رأس مال وقنوات فضائية يمكنها أن تدخل ساحة الإنتاج التلفزيوني، وأن تقدم فيه وجهات نظر واقتراحات فكرية وجمالية جديدة ومختلفة. الدراما المصرية في حلَّتها الجديدة تعيد أيضاً الحيوية للدراما العربية عموماً، كيف لا وهي الدراما العربية الأعرق وصاحبة التاريخ الأطول والأكثر غزارة على الصعيد الإنتاجي منذ بداياتها في ستينات القرن العشرين.