مسيرة طويلة قطعها الفنان السوري المتميز خالد تاجا، بين السينما والتلفزيون، مثّل خلالها عشرات الأدوار المختلفة، وأمام عدد كبير من الممثلين والمخرجين... مسيرة أوصلته الى النجومية، من دون أن تجعله يتوقف عن التطلع لعطاء أكبر، وتميز أشد. والذين يؤرخون للسينما السورية الجادة، والتي ارتبطت بتأسيس "المؤسسة العامة للسينما" يذكرون بالتأكيد أن خالد تاجا قد لعب دور البطولة في أول انتاج لهذه المؤسسة، فيلم "سائق الشاحنة"، والذي استعانت المؤسسة بمخرج يوغوسلافي لتحقيقه. ومع أن مسيرة خالد تاجا الفنية قد بدأت ببطولة سينمائية، إلا أن تألقه الحقيقي قد تحقق عبر الشاشة الصغيرة، ومن خلال مسلسلات عديدة مثّلها تاجا مع عدد من أبرز مخرجي الدراما التلفزيونية في سورية، خصوصاً خلال العقد الفائت ولاقت نجاحات جماهيرية كبيرة جعلته أحد أكثر الممثلين السوريين شعبية لدى المشاهدين، وربطت اسمه بنجاح العمل الذي يشارك فيه. ملامح خالد تاجا، تجمع بين الوسامة والصرامة في وقت واحد، يعززها صوته المتميز بارتعاشة خاصة، تجعل أداء صاحبه قابلاً للتماهي مع حالات انسانية عديدة - بل ومتناقضة - وأيضاً لشخصيات مختلفة، تتراوح بين حدّين اجتماعيين وانسانيين متباعدين، فهو الممثل الناجح لشخصية الرجل الأرستقراطي في الوقت ذاته، الذي يقدر أن ينجح بالكفاءة ذاتها في أدوار الرجل البسيط... الفقير والمنتمي الى فئات اجتماعية دنيا. والأمر ذاته يمكن قوله على حدّي الدراما النقيضين: التراجيديا والكوميديا، وقد رأيناه في كليهما يمتاز بموهبة كبيرة قادرة على اقناع المشاهد بحميمية الأداء وعفويته في الوقت ذاته. في كثير من أدواره التلفزيونية، يمكن ملاحظة براعة هذا الممثل الكبير في التوفيق بدقة بين المتطلبات الخاصة للدور الذي يؤديه، والتي تفرضها طبيعة الشخصية، اجتماعياً ونفسياً، وبين ملامحه الخاصة كممثل يرتبط في أذهان المشاهدين بمواصفات خاصة، فهو في هذه وتلك يقدر أن يمنح الشخصية التي يؤديها مصداقية عالية الدرجة في الوقت الذي يحافظ خلاله على خصوصية أدائه المستمدة أساساً من خصوصية ملامحه وتعبيراته. ثمة أدوار لعبها الفنان خالد تاجا في التراجيديا والكوميديا على حدٍ سواء، ظلت في أذهان الناس بالنظر الى قوة أدائه وقدرته على الوصول الى قلوب المشاهدين وعقولهم. من هذه الأدوار الكثيرة دوره المتميز في مسلسل المخرج سليم صبري "الشقيقات"، والذي لعب فيه خالد تاجا دور الشقيق الذي يضحي من أجل تعليم شقيق يصبح طبيباً مشهوراً ويتنكر له، ولعل المشاهد لا ينسى ذلك المشهد المعبّر لعتاب الشقيقين، والذي رأينا خالد تاجا خلاله ممثلاً كبيراً طغى بأدائه المعبر على بقية العاملين معه في المسلسل. الشيء ذاته - وان من موقع مناقض - يمكن قوله على دوره المهم والجميل في "يوميات مدير عام"، حيث شاهدناه يؤدي - في صورة كوميدية - دور المدير الانتهازي، ويتكيف ببساطة معبّرة مع متطلبات الدور، وما يقتضيه نقد الشخصية من كاريكاتورية، جعلت تلك الشخصية تقع في صورة أكبر في موقع الرفض من المشاهدين، وهو ما هدف اليه العمل أساساً، وما حققه تاجا بمقدرته التمثيلية الكبيرة. وفي التلفزيون أيضاً ثمة أدوار أخرى صعد خلالها أداء خالد تاجا الى ذرى درامية تجاوزت في بعض الأحيان العمل ذاته، كما شاهدناه في مسلسل "أخوة التراب" في جزئه الأول والذي كتبه حسن م يوسف وأخرجه نجدت اسماعيل أنزور، حيث شاهدنا خالد تاجا يحيلنا الى مناخ حقيقي يُقارب الى حدٍ بعيد مناخ السفربرلك وحيرة الأب الذي ذهب ابنه الى حرب ظالمة لا ناقة له فيها و لا جمل. لعله واحد من أجمل الأدوار التي لعبها تاجا في التلفزيون والتي استمدت نجاحها أساساً من تعبيرية أدائه ومن فهمه العميق للشخصية وسياقها التاريخي والاجتماعي، ولن ينسى المشاهد لحظة وصول الدرك العثماني للبحث عن ولده اسماعيل، وهي اللحظة التي يكتشف خلالها خالد تاجا الأب أن ولده لا يزال حياً، فيهتف منفعلاً في أداء يصل الذروة في جماليته وتعبيريته الفائقة عن الحالة. ولا ننسى إذ نتذكر هذه الأدوار الأداء المميز أيضاً في مسلسل المخرج هيثم حقي المهم "هجرة القلوب الى القلوب"، ودور الباشا في "الثريا" مع المخرج ذاته، وهو الدور الذي أداه خالد تاجا بتفوق جذب انتباه واعجاب المشاهدين، خصوصاً وأن الدور جاء تركيبياً، يحمل من جهة قسوة الباشا التركي واحتقاره للفلاحين العرب، وأيضاً جموحه نحو الرغبة في اللهو والبحث عن الملذات، وكذلك اضطراره للإنحناء أمام الضرورات القاهرة. انه واحد من أدواره الأكثر تميزاً على الشاشة الكبيرة ومن خلاله اكتشفنا قدراتٍ اضافية لهذا الفنان الذي أعتقد أن طبيعة العمل التلفزيوني المحلي، وما تتصف به من سرعة، لم تمنحه حتى الآن الأدوار الأهم التي يمكنه أداؤها. في هذه السنة، قدم خالد تاجا مشاركة لافتة في مسلسل "الفصول الأربعة" مع المخرج الشاب حاتم علي، وهو عمل تقوم حلقاته على تقديم قصص متعددة لعائلة واحدة، يلعب خلالها خالد تاجا دور "كريم"، في قالب كوميدي خفيف يطبع العمل كله، ويشاركه نخبة من أبرز الممثلين السوريين، بسام كوسا، جمال سليمان، سليم صبري، سلمى المصري، نبيلة النابلسي وغيرهم. وفي هذا العمل يلعب تاجا أدواره في أداء يقوم بالدرجة الأولى على البساطة، وعلى الكثير من العفوية المدروسة التي تمنح الأداء عذوبة خاصة، وتقرّبه من المشاهد. خالد تاجا، جاء من فيلم "سائق الشاحنة" قبل ما يقارب خمساً وثلاثين عاماً طويلة، كان خلالها يقترب من النجومية مرة، وتبتعد عنه مرة أخرى، بسبب من ندرة الإنتاج السينمائي والتلفزيوني، ولكنه مع فورة الإنتاج الدرامي التلفزيوني السوري في العقد الأخير وانتشار المحطات الفضائية العربية أصبح ممثلاً نجماً على المستوى العربي كله، حيث يحظى بإعجاب المشاهدين الذين يتابعونه ويحبون أداءه الخاص.