النجاح الذي حققه برنامج "سوبر ستار" أغرى أكثر من قناة تلفزيونية فضائية بتقديم برامج مشابهة، ليس دائماً في هدف البحث عن الأصوات الجديدة المتميزة، ولكن أيضاً - وخصوصاً - بحثاً عن أعمال من نوع جديد، بعضها لاكتشاف الوجوه وبعضها ما ينتمي الى تلفزيون الواقع ويتضمن تقديم ملامح من الحياة اليومية للمتسابقين، وهي مسألة ظلت - على رغم بعض المبالغات - مقبولة في سياق برنامج منوعات أساسه العلاقة مع جمهور المشاهدين. هذه المبالغة قفزت أخيراً الى حدود عبثية، حينما شاهدنا على الشاشة البرنامج الجديد "ستار أكاديمي"، الذي لم يكتف أصحابه بتقديم ملامح من حياة المتسابقين، بل هم ذهبوا الى محاولة تقديم حياتهم بالكامل على الشاشة الصغيرة، وإلا ما معنى أن يقدم البرنامج لمشاهديه لقطة ثابتة للمشاركين خلال نومهم. لقطة تستمر طويلاً، ويسودها صمت. والحال اننا حينما شاهدنا هذه الحلقة من "ستار أكاديمي" حرنا في تفسير غاية أصحاب البرنامج: هل يريدون من المشاهد أن يخرج بانطباع عن استثنائية هؤلاء المتسابقين من خلال رصد حالاتهم خلال النوم؟ أم ان الغاية هي إظهار مدى اهتمام المحطة بمتسابقيها، الى درجة أنها لا تتركهم حتى خلال النوم؟ ثم ما الفائدة التي يمكن أن يجنيها المشاهد من رؤية هذا المتسابق أو ذاك نائماً؟ مثل هذه الأسئلة تبدو بديهية، بل ساذجة ولكننا نجد أنفسنا مضطرين الى طرحها هنا بعد أن وصلت الحال التلفزيونية العربية الى هذا الحدّ. لقد عايشنا أجيالاً متعددة من عمالقة الموسيقى والغناء العرب، ولم يعنينا في لحظة أن نعرف ما هي الوجبة التي كان يفضلها الراحل محمد عبدالوهاب على الغداء أو العشاء، ولا أن يخبرنا أحد عن علاقة كوكب الشرق أم كلثوم بالمطبخ وما إذا كانت تجيد فنون الطبخ أم لا. كانت تعنينا من أمور عمالقة الموسيقى والغناء العرب شؤون فنهم وما يتصل به، ونتذكر أن مئة مليون عربي تابعوا باهتمام في منتصف الستينات من القرن الماضي أخبار اللقاء الفني - الحدث بين أم كلثوم وعبدالوهاب وكانت المجلات الفنية - وعلى رأسها "الكواكب" - تهتم بمتابعة لحن عبدالوهاب لأغنية "انت عمري"، والتي جاءت بعد ذلك تحفة فنية تستحق انتظار الملايين ومتابعتهم. أعتقد ان الخلل الأساس في هذه الحال كلها يكمن في غياب مفهوم إعلامي صحيح، وهو خلل يستدعي خللاً آخر، إذ بدلاً من تقديم برامج ترفيهية ممتعة، يكرّسون ساعات طويلة لثرثرات شخصية هامشية ولا قيمة لها. والذي يتابع هذه البرامج يلاحظ أنها - في غالبيتها - تشترك في صفة واحدة هي انبهار المذيع أو المذيعة بالمطرب أو المطربة التي تتحدث للبرنامج، ويتعمدان تقديمه بصفته حالاً انسانية استثنائية ونادرة، وهي استثنائية وندرة تنطبقان على كل من تستضيفهم هذه البرامج، على رغم ان معدّي هذه البرامج ومقدميها لا يتورعون في أوقات أخرى عن الحديث بإسهاب وحماسة عن حال التردي التي يعيشها الفن العربي، أي عن الاقرار الصريح بعدم وجود مبرر لانبهارهم بهؤلاء الضيوف، ناهيك بأن هذه البرامج من خلال حواراتها مع ضيوفها تكشف - في أكثر الأحيان - ضحافة ثقافتهم الفنية، حتى في أمور ما يتخصصون فيه. بعض الإعلاميين العرب يخلط على ما يبدو بين كلمة منوعات، وبين "الخلطة" التي يمكن أن تحتوي على كل شيء، وأي شيء، وهم انطلاقاً من ذلك يذهبون الى تقديم حوارات على هامش الفن، بل على هامش حياة الفنانين، وضمن اسلوب تصعيد الاهتمام الشعبي بالفنانين الى حدود قصوى، يبدو خلالها الفنانون في مقام أعلى من المجتمع برمته يكاد يكون مقارباً لحال القداسة، في الوقت الذي تكرّس فضائيات نقيضة جل وقتها واهتمامها لغاية معاكسة هي إثبات أن الفن حرام، وبين النقيضين، الجاهل في الأولى، والمتزمت في الثانية، يقع الفن الحقيقي النظيف والممتع والمفيد في حال ضياع لا يلقى اهتمام أحد. حينما انتهت المرحلة الأولى من "سوبر ستار" قلنا في جريدة "الحياة" ان البرنامج كان ديموقراطية العرب اليتيمة، واليوم ماذا يمكن أن نقول عن "ستار أكاديمي"؟