على رغم كثافة ما تقدمه الشاشة الصغيرة من برامج الغناء، يلحظ المشاهد أنها باستثناء حالات نادرة وخاصة، تعزف عن تقديم غناء الطرب، أو لنكن أكثر دقة غناء جيل «الزمن الجميل». أجيال مرموقة من فنانين كبار صنعوا مجد الأغنية العربية، نجدها غائبة عن شاشتنا الصغيرة: أين محمد عبدالوهاب وفريد الأطرش وأم كلثوم ووديع الصافي وعبدالحليم حافظ وفهد بلان ونصري شمس الدين؟ بل أين صباح وفيروز؟ أهو تغييب تفرضه «خفة» التلفزيون كما يزعمون؟ أم إن الأمر يتعلق بارتباط الغناء في التلفزيون بفن الفيديو كليب، فيما أولئك العمالقة عاشوا وأنتجوا فنهم في زمن آخر سابق عليه؟ تبدو الأسباب السابقة معقولة وواردة، لكنها تظلُّ مع ذلك قاصرة عن تقديم إجابة مقنعة لتغييب كوكبة هي الأهم في تاريخ الغناء العربي. والمسألة هنا لا يجوز أن تكون مشروطة بالشكل الفني أو الإطار الذي قدموا غناءهم من خلاله، فالفكرة الأهم أن يكونوا حاضرين في شاشاتنا أما شكل تقديمهم فتلك مهمَة لا نظن أن الفن التلفزيوني عاجز عنها. هناك مثلاً الأفلام السينمائية القديمة وفيها أغنيات لا تحصى ولو بالأبيض والأسود، ثم هناك الحفلات الغنائية والمسرحيات كما في حال الكبيرين فيروز ووديع الصافي، ثم هناك الأهم ونعني ما يمكن أن يبدعه مخرجو الفيديو كليب من «إطارات» فنية ممكنة لأغنيات الزمن السابق، إطارات يمكنها أن تمزج الحداثة بأصالة ذلك الغناء وروحه التي تحرم منها أجيال جديدة التي بات معظمها لا يعرف من فن الغناء إلا ما يشاهده يومياً بكثافة من أغنيات الأيام الراهنة. غياب أو تغييب مطربي الزمن الجميل يجعل ما نشاهده ونسمعه من الفضائيات العربية أقرب إلى غناء بلا دسم يدور في حلقة ضيقة نعتقد بأن العنصر الرئيس فيها ليس الصوت أو اللحن والكلمات، بل «المشهد» الذي هو غالباً على مسافة بعيدة من الغناء، خصوصاً عن الغناء الطربي بمواصفاته وخصوصيته التي اجتذبت ولا تزال عشاق الغناء وحفرت في ذاكرتهم أسماء أولئك الكبار، بل وجعلتهم يعودون لأغنياتهم ولو من خلال وسائط ليس بينها التلفزيون الغائب في صورة شبه كلية.