الأغنية الشبابية والأغنية الطقطوقة والأغنية السريعة، تعددت الأسماء في المجال الفني وأصبح عدد المطربين مثل «الهم على القلب»، وأصبح بإمكان كل من هب ودب أن يكون مطربا يقف على المسرح ويغني للسميعة مهما كانت آذانهم الموسيقية وغير الموسيقية. منذ قليل من الأيام كنت أستمع إلى الراديو واتصلت إحدى المستمعات وكانت قد أسمت نفسها عاشقة بشار الشطي وما أدراك ما بشار الشطي، هو أحد نتاجات برنامج ستار أكاديمي، وحين سألها المذيع لماذا أسميت نفسك بذلك الاسم؟ قالت أحبه وأموت فيه، هذا حبيبي، وهذا أحسن فنان في العالم، وحين نحاول أن ننصف بشار الشطي نجده «لا صوت ولا غيره»، ولا يتقن من فنون الغناء شيئا بشهادة الجميع؛ فأي انحطاط هذا الذي بلغته الأذن العربية في سماع الموسيقى والطرب، التي كانت تشتهر في يوم من الأيام بدقة ما تسمع وبالأذن الراقية التي تفضل الطرب الأصيل. في المنافسة بين هرمين عملاقين في مجال الغناء، وهما محمد عبدالوهاب وأم كلثوم، هذان الهرمان العملاقان اللذان كانا يتنافسان في مجال الغناء بذلك العهد، وكان يرفض كل منهما أن يتعاون مع الآخر فنيا إلى أن جمعهما جمال عبدالناصر وحاول معهما مرارا وتكرارا أن يقدما عملا لهما، وجاءت النتيجة بعمل رائع، حيث أصر محمد عبدالوهاب على أن يترك بصمته على ذلك العمل، حين قرر أن تأتي بداية الأغنية بمقطوعة موسيقية طويلة الأمد؛ الأمر الذي أغضب أم كلثوم، حيث كانت ترفض الوقوف على المسرح كل تلك المدة، وقد تم حل المشكلة بجلب كرسي تجلس عليه أم كلثوم ريثما تنتهي الموسيقى وتواصل هي الغناء، وعندها جاء عمل من أروع أعمال أم كلثوم وهو أغنية «رجعوني عينيك لأيامي اللي راحت» عندما يقرر المبدع أن يترك بصمته على عمل ما فإن إبداعه كفيل بذلك مهما كانت النتائج. فأين مطربو اليوم من مطربي الأمس؟ أين صوت فيروز التي عندما تغني تشعر بأن العصافير والسنونوات والجداول تغني معها؟ أين عبدالحليم حافظ الذي تشعر بأنه لا يغني من فمه ولا من حنجرته، وإنما من قلبه؟ أين فريد الأطرش الذي كان وترا سادسا للعود، وحين يغني تشعر بأن إحساس العالم كله يتجمع بصوته الرخيم؟ وأين الطرب العراقي الذي لطالما كان سفيرا لبلده، حيث أحب الكثيرون ذلك الوطن من خلال مطربيه؟ هل تلاشى ذلك الجيل وظهر لدينا جيل هابط بالغناء وجيل هابط بالأذن الموسيقية؟ ولكي لا نظلم الجميع، فقد يكون هناك مطربون لهم أصوات وأداء متميز من جيل الشباب الحالي، إلا أنه ما زال بعض الهابطين يأخذون مكان المجتهدين ويظلمونهم، وإلى متى سيبقى ذلك الانحدار إلى اللانهاية؛ فالمشكلة ليست بالمطربين أنفسهم قدر ما تكون بالسامعين أنفسهم. ما زال هناك من يغني بوس الواوا ويشوه كل القيم للغناء الأصيل، ستبقى المشكلة فينا وليست بالمطربين. نزار. الرياض