المهم أولاً ان يأتي الحاكم في العراق الجديد للسلطة عن طريق صندوق الاقتراع، في انتخابات حرة ونزيهة، على قاعدة صوت واحد لمواطن واحد: فلا يتسور جدران القصر الجمهوري في خلسة من الليل والناس نيام، أو يقتحم أبوابه على ظهر دبابة القوات المسلحة، وبالتآمر والتعاون مع عدد من الساقطين والجهلة وعناصر عصابات السرقات المسلحة، أو يتآمر مع رفاقه، فيسطو على السلطة، رغماً عن ارادة الناس. ثانياً: ان يترك السلطة، لحظة انتهاء مدة حكومته، أو عندما يقرر الشعب عزله عن موقعه لأي سبب كان. فيعود الى بيته مواطناً صالحاً، مبتسماً منشرح الصدر، غير غاضب أو منتقم، على اعتبار ان السلطة مسؤولية يفوضها الشعب لمن شاء، فإذا نجح الوكيل في أداء المسؤولية بأمانة وإخلاص وجدارة، فأهلاً وسهلاً، وإلا فيستبدله الأصيل، الشعب، بأفضل منه، من دون جبر أو إكراه. اذ لا صوت يعلو فوق صوت الشعب. ثالثاً: ألا يفتخر على غيره بزيه، أو حزبه، أو عشيرته، وأهله، أو التزامه الديني، أو آبائه وأجداده، أو تاريخه وتضحياته، وإنما يفتخر عليهم بما ينجزه من أهداف تخدم الشعب، وتحقق تطلعاته، في الأمن والاستقرار والحرية والكرامة والتنمية. رابعاً: ألا يدعو الناس الى خير قبل ان يسبقهم اليه، ولا ينهاهم عن منكر قبل ان ينتهي عنه قبلهم. تتطابق أقواله مع أفعاله، وأحاديثه مع أعماله، وشعاراته ونظرياته مع واقعه. اذا وعد وفى، واذا أخطأ اعتذر، واذا قصر اعترف، واذا فشل طلب الصفح. اما اذا ركبه الشيطان، فسرق أو خان أو غش، سارع لتقديم استقالته للناس، وتحمل المسؤولية كاملة من دون لف أو دوران. وأعلن فوراً عن كامل استعداده للمثول أمام محكمة الشعب والتاريخ والضمير. خامساً: ألا يصنع له جداراً حديدياً من رجال الأمن والحماية والجلاوزة، يفصله عن الناس، فلا يصل اليه صاحب حاجة، أو شكوى، أو حامل عريضة، أو طالب انصاف. لا يخاطب الناس من فوق أسطح البنايات والمنازل والأبراج العاجية. بسيط، متواضع، خلوق، بشوش، مبتسم، يعيش أفراح الناس واتراحهم. سادساً: ان يشاور أهل الخبرة والمعرفة والرأي السديد. فلا يستبد برأيه فيَهلك ويُهلك. ولا تأخذه العزة بالإثم اذا عرف مواقع الخطأ، أو أشار اليها الناس. لا يشاور، أو يقرب، أو يعتمد على الافاكين والنصابين والوصوليين والذين يضخمون الإنجازات، ويهونون الأخطاء ويهولون الاخطار، أو الذين يحبون ويكرهون على أساس المزاج الخاص، وليس على أساس المصلحة العليا والعامة. ... سابعاً: ان يحرص على تطبيق الدستور، وتنفيذ القانون، ويسهر على أمن الناس وراحتهم، فلا يعتقل مواطن من دون حكم قضائي، أو يسجن بسبب رأيه. ثامناً: ألا يتسرع في تحقيق الانجازات بهدف تسجيلها باسمه، وإنما يعتبر نفسه حلقة في سلسلة متواصلة تبدأ وتنتهي بالمواطن، الذي يجب ان تسجل كل الإنجازات باسمه. فهو صاحب المصلحة الأول والاخير في تحقيق الانجازات. ولذلك يلزم الحاكم ان يتأنى في مشاريعه لتأتي صحيحة التخطيط والتنفيذ والأداء. تاسعاً: ألا يقمع المواطن اذا اعترض عليه، أو يلاحقه أو يسجنه أو يطارده أو يغتاله اذا اتهمه أو فضحه. فلا يستكبر أو يتجبر أو يسعى لتوظيف التصفيق لقمع المعارض. عاشراً: ألا يسخر أموال الدولة وإمكانات الحكومة لصناعة دعاية التطبيل والتمجيد والتهريج والهتاف والتصفيق لشخصه، أو حتى لمنجزاته، بل يعتبر نفسه خادماً للناس، مقصراً في حقهم مهما حقق من إنجازات، وواصل الليل بالنهار، عملاً وجهداً ونشاطاً. حادي عشر: ان يتعامل مع الموقع كمسؤولية، وليس كمنصب تشريفي، وأن يتذكر دائماً بأنه مدين للناس بهذا الموقع. فلولا ثقتهم وأصواتهم لما جلس على كرسي الحكومة. لذلك عليه ان يتذكر دائماً ان الشعب هو ولي نعمته، وأن للناس كامل الحق في مراقبته ومحاسبته. وهو للأقلية التي لم تنتخبه كما انه للأكثرية التي انتخبته، لأنه في موقع المسؤولية. ثاني عشر: ان يعمل بواجباته قبل ان يطالب الرعية بواجباتها، وان يتذكر حقوق الناس قبل ان يتكلم عن حقوقه. فالحاكم أولى بواجباته وحقوق الناس. أما الشعب فإنه أولى بحقوقه وواجبات الحاكم. ... ثالث عشر: أذكره بقول الإمام علي ع "إياك والدماء وسفكها بغير محلها، فإنه ليس شيء أدنى لنقمة، ولا أعظم لتبعة، ولا أحرى بزوال نعمة، وانقطاع مدة، من سفك الدماء بغير حقها، والله سبحانه مبتدئ بالحكم بين العباد، فيما تسافكوا من الدماء يوم القيامة، فلا تقوين سلطانك بسفك دم حرام، فإن ذلك مما يضعفه ويوهنه، بل يزيله وينقله، ولا عذر لك عند الله ولا عندي في قتل العمد، لأن فيه قود البدن". رابع عشر: أقترح على حاكم العراق الجديد ان يعلق صورة الطاغية الذليل صدام حسين، لحظة اعتقاله، فوق رأسه في مكتبه الخاص. فإنها والله أعظم عبرة لكل عاقل يريد ان يعتبر. فهو النموذج الحي للانتقام الإلهي العظيم، وأن لا ينسى ان يكتب فوق الصورة، الحكمة الرائعة التي تقول: لو دامت لغيرك، ما وصلت اليك. ليتذكر المصير المحتوم الذي ينتظر الطغاة والجبابرة والمستبدين والظلمة، فيرتدع عن الظلم، ولا يكرر تجاربهم الفاشلة. نزار حيدر [email protected]