انخفاض في وفيات الإنفلونزا الموسمية.. والمنومون ب«العناية» 84 حالة    اكتفاء ذاتي وفائض    وزير الخارجية من دافوس: علينا تجنّب أي حرب جديدة في المنطقة    الهلال يتصدر.. و«الدون» ينتصر    سكان جنوب المدينة ل «عكاظ»: «المطبّات» تقلقنا    محافظ الخرج يزور مهرجان المحافظة الأول للتمور والقهوة السعودية    10 % من قيمة عين الوقف للمبلّغين عن «المجهولة والمعطلة»    الرياض تستعد لمؤتمر«ليب»    وفاة الأمير عبدالعزيز بن مشعل بن عبدالعزيز آل سعود    الرئاسة الفلسطينية تدين تصاعد اعتداءات المستوطنين بالضفة الغربية    إنستغرام ترفع الحد الأقصى لمقاطع الفيديو    قطة تتقدم باستقالة صاحبتها" أون لاين"    أبواب السلام    خادم الحرمين وولي العهد يُعزيان الرئيس التركي في ضحايا حريق «منتجع بولو»    سيماكان: طرد لاعب الخليج «صعّب المباراة»    دوري" نخبة آسيا" مطلب لجماهير النصر    في الجولة 18 بدوري" يلو".. الباطن في مواجهة العين.. وأحد يصطدم بالحزم    سباق درب العُلا 2025 المنتظر يعود نهاية الأسبوع    وفد "الشورى" يستعرض دور المجلس في التنمية الوطنية    تعديل قراري متطلبات المسافات الآمنة حول محطات الغاز.. مجلس الوزراء: الموافقة على السياسة الوطنية للقضاء على العمل الجبري بالمملكة    ولي العهد يرأس جلسة مجلس الوزراء    المكاتب الفنية في محاكم الاستئناف.. ركيزة أساسية لتفعيل القضاء المؤسسي    علي خضران القرني سيرة حياة حافلة بالعطاء    إيجابية الإلكتروني    شيطان الشعر    حماية البيئة مسؤولية مشتركة    تأسيس مجلس أعمال سعودي فلسطيني    كيف تتخلص من التفكير الزائد    عقار يحقق نتائج واعدة بعلاج الإنفلونزا    المملكة تُطالب بقيام دولة فِلسطينية    الرئيس ترمب.. و«إرث السلام»!    "رسمياً" .. البرازيلي "كايو" هلالي    الدبلوماسي الهولندي مارسيل يتحدث مع العريفي عن دور المستشرقين    بيتٍ قديمٍ وباب مبلي وذايب    يا كثر زينك لو انك ما تزينتي    تأملات عن بابل الجديدة    حفل Joy Awards لا يقدمه إلا الكبار    محاذير المواجهة ضد قسد    خطة أمن الحج والعمرة.. رسالة عالمية مفادها السعودية العظمى    سوق العيون في المدينة.. ساحة عرض الأسر المنتجة    بيع المواشي الحية بالأوزان    ضبط تسع شركات استقدام مخالفة    متلازمة بهجت.. اضطراب المناعة الذاتية    دهن سير الشهرة بزيت الزيتون    جامعة الأمير سطام تُتوج بكأس الجامعات لكرة القدم "ب"    في جولة "أسبوع الأساطير".. الرياض يكرّم لاعبه السابق "الطائفي"    مفوض الإفتاء في جازان: المخدرات هي السرطان الذي يهدد صلابة نسيجنا الاجتماعي    سعود بن نايف يكرم سفراء التفوق    فهد بن محمد يرأس اجتماع «محلي الخرج»    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على عبدالعزيز بن مشعل    حرس الحدود بمكة ينقذ مقيمين تعطلت واسطتهما البحرية    37 برنامجًا ومبادرة لتمكين الصم وضعاف السمع بالشرقية    إنجازات مجتمعية ومبادرات نوعية خلال عام 2024 بالمنطقة الشرقية    ضبط 3.5 أطنان من الخضروات والفواكه ضمن حملة بنطاق بلدية العزيزية بجدة    نائب أمير تبوك يتسلم التقرير السنوي لفرع وزارة الموارد البشرية    انطلاق المرحلة الأولى من برنامج "سفراء المحمية"    برئاسة نائب أمير مكة.. لجنة الحج تستعرض مشاريع المشاعر المقدسة    محافظ جدة يطلع على برامج إدارة المساجد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فخامة رئيس مصر القادم
نشر في مسارات يوم 29 - 07 - 2011

لو أن بيدي أن أوجه كلمة إرشادية تلهم لجنة المائة المنوط بها وضع الدستور الجديد لمصر ما بعد الثورة، لقلت لهم جملتان فقط لا غير:
مشكلة مصر المزمنة حكامها.. وحل المشكلة يكمن في إخراج مصر من جعبة الحاكم..
هذا التشخيص لأزمة مصر ومشكلتها ليس من عندياتي، ولكنه تشخيص العبقري جمال حمدان في رائعته الكبرى " شخصية مصر"، وهو في حدود عشر كلمات شخَّص المشكلة، وأعطانا الحل السحري لها.
هذا الحل يمكن صياغته بعبارات أخرى، ويمكن وضعه نصوصاً دستورية تحكم علاقة الحاكم بالمحكومين، وتضع مصر
في موقع سيدة الحاكم لا خادمته المطيعة.
إخراج مصر من جعبة الحاكم يبدأ بأن يعود الحاكم إلى صوف البشر، لا أن يبقى في مصاف الآلهة، أن يكون واحداً منا نختاره على أعيننا بالانتخاب الحر المباشر، وليس هبة من السماء أرسلتها العناية الإلهية لمهمة إنقاذنا.
إخراج مصر من جعبة الحاكم، يبدأ من التوافق على أن يتولى أمرها من لا يغير ثوابت الجغرافيا وحقائق التاريخ، من لا يأخذها من موقع هي مؤهلة له، ودور هي مرشحة للقيام به، إلى موضع مهين لها ولتاريخها وحجمها وقيمتها.
أن يتم التوافق المجتمعي على إقرار مبدأ تداول السلطة، والاتفاق على أسلوب وأدوات وطريقة انتقال السلطة سلمياً، واحترام الحقوق المدنية والسياسية للجميع، وتحكيم صندوق الانتخابات، وأن توضع الحدود الفاصلة بين السلطات جميعاً، بحيث لا تجور سلطة فوق أخرى، أن تتكامل سلطات الدولة كلها، وأن تقوم كل منها بمهمتها دون الافتئات على مهمات وصلاحيات سلطة أخرى.
إخراج مصر من جعبة الحاكم هي مهمة أهل الدستور من فقهاء وقانونيين ومثقفين يعكفون على وضع دستور جديد لا يجعل من الحاكم رباً للعباد والبلاد، الآمر الناهي، صاحب الحل والعقد، المتصرف في شئون البلاد كما يحلو له بلا رقيب ولا حسيب، ويجعل منه حاكماً يدير شئون البلاد عبر مؤسسات حاكمة، ومجتمع واع، ومشاركة شعبية لا تحدها حدود غير حدود الدستور والقانون.
إخراج مصر من جعبة الحاكم يتطلب أول ما يتطلب أن تتحول الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الدستورية من مجرد واجهات أو ديكور لزوم الضحك على الذقون، يؤدي فيها الجميع أدوار الكومبارس ليبقى الحاكم هو البطل الفرد الذي يملي إرادته فلا راد لها، ويقرر فلا معقب على ما يصدر من قرارات، باعتبارها كلها قرارات تاريخية لا يجوز مجرد التعليق عليها.
وأول شروط نجاح مهمة إخراج مصر من جعبة الحاكم تبدأ من أن يضمن الدستور الجديد وجود رئيس سابق، أدى مهمته بنزاهة وتفانٍ وخرج من السلطة، ولم يفكر يوماً في أنه مؤبد فيها، مخلد فوق كراسيها.
إخراج مصر من جعبة الحاكم يعني أول ما يعني أن يتولى أمرها رئيس له ثروة معروفة المصادر، ومقيمة ومثبتة في إقرار الذمة المالية لحظة ينتخبه الشعب وقبل أن يخطو خطوته الأولى إلى الباب الخارجي للقصر الرئاسي، وأن يضمن الدستور الجديد مراجعتها لحظة خروجه من السلطة، فإذا زادت فالزيادة لنا، وإن نقصت فالنقصان عليه.
مصر تتطلع إلى رئيس لا تتضخم ثروته فتصبح هي ثروة البلاد، تريد رئيساً يعمل عند الشعب، يدفع له الشعب راتبه من قروشه القليلة، لا أن يكون الشعب عبيد إحساناته، مصر تريد حاكما خادماً للشعب لا سيداً عليه.
مصر تريد رئيساً يسهر على رعاية مصالحها، ومصالح المواطنين جميعاً بلا تفريق ولا تمييز، تريد حاكماً يوفر المناخ الملائم لنمو الأعمال، لا حاكماً يكون شريكاً لكل رجال الأعمال.
مصر تريد رئيساً يضرب بيد من حديد على الخارجين على القانون، لا أن يكون هو وتابعوه أول العابثين بالقانون.
فخامة الرئيس الذي تريده مصر الجديدة وظيفته حماية مصالح الناس، لا أن يكون هو والذين معه أول المضاربين على مصالح الناس.
الرئيس الذي نريده هو رأس الدولة، لا أن يكون هو الدولة.
الرئيس الذي نريده هو الرئيس الذي يسهر على تحقيق الأمن والاستقرار وحماية المواطن والحفاظ على كرامته، وحرياته وحقوقه، لا أن يسهر المواطنون على استقرار وحماية واستمرار نظامه.
مصر تريد رئيساً هو ممثل السلطة، يمارسها باسم المجتمع، لا أن يكون هو السلطة نفسها، تندمج فيه، يفعل بها ما يشاء.
مصر تعبت كثيراً من الحكام الذين يشيخون فوق مقاعدهم، أولئك الذين يسدون الطرق إلى التغيير، ولا يعملون إلا لبقائهم مدى الحياة فوق كل الرؤوس.
أكثر ما تريده مصر في فخامة الرئيس الجديد أن يكون قابلاً للمناقشة، قابلاً للأخذ والرد، الأخذ مما يقول، والرد على ما يقول، قابلاً للمحاكمة إذا أخطأ، مصر شبعت من الحكام الذين هم فوق النقد، وفوق المساءلة، وفوق الجميع.
الرئيس الذي تريده مصر اليوم هو حاكم المدد المحددة والمحدودة، لا المدد المؤبدة التي بلا نهاية، شبعنا من الرئاسات الأبدية، وسئمنا من التواجد في المسئولية حتى آخر نفس يتردد، وآخر نبض يتجدد.
مصر تريد حاكماً تعرف كيف ومتى يمشي من الحكم، قبل أن تعرف متى وكيف يأتي إليه.
مصر تريد رئيساً تكون هي القيِّمة عليه، لا أن يكون هو القيِّم عليها، المتصرف في أمرها، كأنها شأن يخصه وحده، ولا يخص عشرات الملايين من المواطنين.
مصر تريد حاكماً على شاكلة رجب طيب أردوغان، ومهاتير محمد، ودي سيلفا من أصحاب المشاريع الوطنية الكبرى التي تنقلها من عالم التخلف إلى عالم تستحق أن تكون فيه بجدارة وعن استحقاق.
مصر تريد أن يكون الرئيس القادم مؤهلاً و قادراً على تحقيق طموحاتها، وهي لا تريد بكل تأكيد رئيساً يكون على شاكلة أكثر المرشحين المحتملين اليوم، خاصة الذين يأتون من رحم النظام السابق، يتسابقون اليوم من أجل تحقيق طموحاتهم الخاصة.
** كاتب وصحفى مصري
المصدر: محيط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.