تظاهر بين ثلاثة وخمسة آلاف شخص في باريس أمس احتجاجاً على مشروع قانون حظر الحجاب في المدارس والدوائر العامة. وخيب هزال المشاركة توقعات الكثيرين، بمن فيهم الشرطة الفرنسية. وفي موازاة تظاهرة باريس نُظمت تظاهرات في عدد من المدن الفرنسية الكبرى وأمام السفارات الفرنسية في عدد من المدن والعواصم، ولا سيما لندن واسطنبول وانقرةوعمانوبيروتوغزة ونابلس. وانضمت مجموعة قادمة من بلجيكا الى التظاهرة الباريسية التي كان يتوقع ان يراوح عدد المشاركين فيها بين 10 آلاف و20 الف شخص بحسب الشرطة، والتي نظمت بدعوة من "حزب مسلمي فرنسا"، المجموعة الراديكالية التي تتخذ مقراً لها في ستراسبورغ شرق. ورفع بعض المتظاهرين اعلاماً فرنسية فيما بثت مكبرات للصوت منصوبة على شاحنة صغيرة النشيد الوطني الفرنسي، تعبيراً عن تمسك المتظاهرين بالجمهورية. وردد المتظاهرون شعارات موجهة الى الرئيس جاك شيراك، هاتفين "شيراك، الحجاب ليس تعدياً على الجمهورية". وتجدر الإشارة الى ان عدم التجاوب مع الدعوة الى التظاهر لا يعبر عن واقع المعارضة لمشروع قانون حظر الحجاب، كونها تشمل الأوساط الدينية المختلفة بدءاً بالمسلمين مروراً بالكاثوليك وصولاً الى اليهود، كما تشمل منظمات حقوق الإنسان والقوى اليسارية ومنها تحديداً اليسار المتطرف. لكن المنظمات الاسلامية المعارضة للقانون الذي سيطرح على البرلمان للمناقشة مطلع الشهر المقبل منقسمة حول التظاهرة. فالمجلس الفرنسي للدين الاسلامي الذي يمثل حوالى خمسة ملايين مسلم في فرنسا يعارض التظاهرة، في حين انضم اليها اتحاد المنظمات الاسلامية في فرنسا في اللحظة الاخيرة. ودانت الاوساط السياسية الفرنسية الطابع "السياسي" للتظاهرة. وشهدت حوالى عشر مدن فرنسية أخرى تظاهرات مماثلة، منها مدينة ليل حيث أفادت الشرطة ان عدد المتظاهرين بلغ حوالى 1700 شخص، ستون في المئة منهم من الرجال. وبلغ عدد المتظاهرين في مرسيليا حوالى 1800 شخص بدعوة من "لجنة تنسيق مسلمي مرسيليا"، المقربة من "اتحاد المنظمات المسلمة الفرنسية". وكان الاتحاد، خالف الموقف الذي اعتمده "المجلس الفرنسي لمسلمي فرنسا"، على رغم كونه من أعضائه ودعا الى المشاركة بالتظاهر بهدوء وبعيداً عن أي استفزاز. وصرح وزير الداخلية الفرنسي نيكولا ساركوزي، الذي لم يكن شخصياً من المتحمسين للجوء الى القانون لمنع الحجاب، ان الأمور لا تتقدم من خلال التظاهرات. وقال ان ما من أحد ينبغي أن يشعر أنه مستهدف أو انه ضحية أو معتدى عليه، وان لا بد من التعود على ثقافة الحوار وعدم العمل على تعزيز التوترات. وفي لندن، تجمع اكثر من ثلاثة آلاف متظاهر وسط لندن وانطلقوا في مسيرة الى السفارة الفرنسية بدعوة من "حزب التحرير"، وهو مجموعة اسلامية راديكالية هامشية في بريطانيا. ورفعت متظاهرات محجبات او يرتدين عباءات لافتات كتب عليها "منع الحجاب يكشف تعصب العلمانية". وفي القاهرة، تظاهر مئات المحجبات قرب السفارة الفرنسية، كما شهدت مدينة الاسكندرية تجمعاً مماثلاً أمام القنصلية الفرنسية. ورفعت المتظاهرات لافتات تؤكد ان "الحجاب فريضة اسلامية". وفرقت قوات الأمن المتظاهرات اللواتي لم يتمكن من الوصول الى مبنى السفارة. وتظاهر اكثر من الف امراة وفتاة في غزة فيما تظاهر حوالى 400 في نابلس في الضفة الغربية. وتجمعت المتظاهرات امام مقر المجلس التشريعي في مدينة غزة تلبية لدعوة جمعية الشابات المسلمات وعدد من المؤسسات النسائية الاسلامية في المدنية وهن يرفعن لافتات تندد بالقرار الفرنسي. وتجمعت نحو مئة اردنية، بينهن النائبة الاسلامية حياة المسيمي، اعتصاماً امام سفارة فرنسا في عمان، ورفعن لافتات كتب عليها بالانكليزية "الحجاب يحترم حقوق المراة وحريتها" و"لماذا الآن يا فرنسا؟". ونظمت تظاهرات امام البعثتين الدبلوماسيتين الفرنسيتين في انقرة واسطنبول. وتجمعت نحو 20 امرأة بدعوة من عشر "منظمات مدنية نسائية" امام سفارة فرنسا لوضع اكليل زهور جنائزي وادانة ما سمينه سياسة الكيل بمكيالين التي ينتهجها الغرب، كما افادت وكالة انباء الاناضول. وفي بيروت، نفذت مئات النساء اللبنانيات أمس تظاهرة في اتجاه السفارة الفرنسية في المتحف. ورفعت المتظاهرات اللواتي كن محجبات جميعاً، لافتات بالعربية والفرنسية تسأل عن حقوق الانسان ومنها "أين الحرية الدينية وحقوق الانسان" و"حرية، اخاء، مساواة - نظرة أم تطبيق؟" و"اليوم وغداً، منع الحجاب تضييع للهوية". ووجهت المتظاهرات المنتميات الى منظمات وتجمات وروابط اسلامية، رسالة الى الرئيس الفرنسي جاك شيراك تدعوه الى "الرجوع عن القرار وارساء العدالة والمساواة". واعتبرت ان "مبادئ العلمانية التي ترفع شعار "الحرية والاخاء والمساواة" تكفي لأن تكون سبباً مباشراً لعدول الدولة الفرنسية عن حظر حرية ممارسة المعتقد على فئة من مواطنيها وتطبيق ما تؤمن به على أرض الواقع". "حزب الله" وقال نائب الامين العام ل"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم "ان كل المؤامرات التي تحاك من اجل نزع الحجاب تهدف الى نزع الايمان، وهذه الضجة في فرنسا ضد الحجاب غير مبررة على الاطلاق وهذه العلمانية التي تدّعي بأنها تعطي حرية الانسان تضر بالفتاة المسلمة عندما تحرمها من حقها في حريتها في ان تلبس ما تشاء وبخاصة الحجاب". ورأى ان "فرنسا ستسقط في حرية الرأي اذا لم تستدرك وتتراجع واذا لم تقبل بالواقع في ان المحجبات يخترن الحجاب بملء ارادتهن"، معتبراً ان "فرنسا ليست في حاجة الى معارك اضافية ويكفيها صراعها مع السيطرة الاميركية على العالم ومن ضمنها اوروبا. وهي بذلت جهداً كبيراً من اجل ان توجد علاقات طيبة مع العالم الاسلامي والعربي في منافسة اميركا ومن معها فلا يصح ان تخسر هذه المكاسب كلها من اجل معارك داخلية يقودها متوترين لا يتحملون رؤية الفضيلة وتعبير الآخر عن رأيه وعن همومه وقناعاته التي يحملها".