كنت قرأت عرضاً لكتاب بعنوان "أسلحة خداع شامل: استخدام الدعاية في حرب بوش على العراق" وطلبته من الناشر فتلقيته يوم كان الرئيس بوش يعترف أمام صحافيين أميركيين بأن لا علاقة لنظام صدام حسين بإرهاب 11 أيلول سبتمبر قبل سنتين. الكتاب من تأليف شيلدون رامبتون وجون ستوبر، وغلافه ازدان برسم كاريكاتوري يظهر فيه جورج بوش وكأنه مخرج فيلم سينمائي أو تلفزيوني. وفي الصورة الأولى يقول أسامة بن لادن لصدام حسين: "سأنتظر يا كافر حتى يُهزم الأميركيون، ثم أقلب نظامك الفاسد". وفي الصورة الثانية يرد صدام حسين: "عظيم، لن أرسلك وأتباعك فوراً الى الجنة". وفي الصورة الثالثة جورج بوش وبيده مكبر للصوت يقول: "أوقفوا، أوقفوا، يا شباب، يجب أن تحاولوا شيئاً أفضل لأن المتفرجين لن يصدقوا هذا الحوار... ثم يكمل من جديد، من جديد، وتذكرا أنكما حليفان". الكتاب موثق في شكل دقيق جداً، وكل كلام فيه يسجل صاحبه، وأين نشر، وكيف يمكن الوصول الى الوثائق الخاصة به. وسأكتفي في مثل هذه العجالة الصحافية بنقل الكلام من دون التفاصيل الأخرى لضيق المكان عنها، مع انني أرجو القارئ الراغب أو القادر أن يشتري الكتاب إما من الناشر روبنسون في لندن، أو من "الغارديان" حيث قرأت عرضه الأصلي، أو من مكتبة الساقي. أكملت قراءة الكتاب وعدت الى زيارة وزير الخارجية الأميركي كولن باول حلبجة في 16 من هذا الشهر، واخترت رواية "واشنطن بوست" لسبب سيتضح في الفقرات التالية، فقرأت أن باول أكد أن قتل نظام صدام حسين حوالى خمسة آلاف كردي بالسلاح الكيماوي في حلبجة سنة 1988 يبرر الحرب عليه، وانه ردد "دفاعاً عاطفياً" عن الحرب، وقال: "إذا أردتم مثلاً على وجود أسلحة الدمار الشامل واستخدامها، تعالوا الى حلبجة اليوم وانظروا بأنفسكم...". وأنقل، باختصار، ومرة أخرى من دون المراجع التي ترد كل كلمة الى أصلها، عن الكتاب: الحرب بين العراق وإيران استمرت من 1980 الى 1988، وبلغت الخسائر في الأرواح حوالى المليون مع دمار هائل. ورأى المسؤولون الأميركيون العراق حاجزاً ضد التطرف الشيعي يحمي الحلفاء مثل الكويت والمملكة العربية السعودية والأردن، ويوقف "نظرية الدومينو" كما حدث في جنوب شرقي آسيا... وفوّضت ادارتا رونالد ريغان وجورج بوش الأب بيع حاجات كثيرة للعراق تصلح للاستعمال العسكري والمدني، بما فيها مواد كيماوية سامة وفيروسات بيولوجية فتاكة، من نوع أنثراكس والطاعون. واستمر التأييد الأميركي حتى بعد أن تلقى وزير الخارجية جورج شولتز عرضاً استخباراتياً قدمه جوناثان هاو، المحلل في الوزارة، يقول ان الجنود العراقيين يستخدمون "يومياً تقريباً" أسلحة كيماوية ضد الإيرانيين. الواقع ان وزارة الخارجية الأميركية أبدت قلقها من الوضع، وفي 5 آذار مارس 1984 أصدرت بياناً يقول: "ان الولاياتالمتحدة تدين بقوة استخدام أسلحة ممنوعة حيث كان". غير أن ذلك كان مجرد كلام و"واشنطن بوست" نفسها قالت في حينه ان مسؤولين في الإدارة كانوا أقل انتقاداً للعراق في أحاديثهم الخاصة، وبرروا استخدام العراق أسلحة كيماوية بشراسة العدو الإيراني، ولم تنته السنة حتى كانت الولاياتالمتحدة تتبادل العلاقات الديبلوماسية مع العراق للمرة الأولى منذ سنة 1967. وقالت "واشنطن بوست" ان العراق سيلعب "دوراً اقليمياً أكثر فائدة". أما أسلحة الدمار الشامل المستخدمة ففلسفت الجريدة موضوعها بالقول: "ان من الغريب عندما تُدرس جميع وسائل العنف التي يستخدمها الناس ضد بعضهم بعضاً أن يتركز القلق على وسيلة بعينها". وفي سنة 1988 ترددت أنباء عن استخدام النظام العراقي سلاحاً كيماوياً ضد مواطنيه أنفسهم في حلبجة. وقدم عدد من أعضاء مجلس الشيوخ، بينهم كليربورن بيل وآل غور وجيسي هيلمز "مشروع قانون تحريم إبادة الجنس"، ونال المشروع موافقة اجماعية في مجلس الشيوخ، إلا ان البيت الأبيض شن حملة عليه في مجلس النواب بمساعدة حلفائه، واستطاع قتله. ومن المفيد أن نسجل اليوم دوراً لعبه أعضاء في حكومة بوش الابن في قتل مشروع القانون، والسفير السابق بيتر غالبريث الذي خدم في مجلس الشيوخ كخبير في شؤون العراق يتذكر أن "وزير الخارجية كولن باول كان ممن قادوا في حينه حملة إدارة رونالد ريغان لإهمال، أو تجاهل، ضرب صدام حسين الأكراد بسلاح كيماوي. أما ديك تشيني الذي كان عضواً جمهورياً بارزاً في مجلس النواب، وهو الآن نائب الرئيس وقائد الصقور في إدارة بوش، فكان يستطيع دعم مشروع القانون، إلا أنه لم يفعل. وفي خريف 1989، وقبل تسعة أشهر من غزو صدام حسين الكويت، رفض الرئيس بوش الأب اعتراضات من مسؤولين في ثلاث ادارات حكومية، ووقع أمراً إدارياً سرياً للغاية يوثق العلاقات مع بغداد ويمهد الطريق لمدها ببليون دولار من المساعدات الجديدة". لو كان الأمر بيدي لجعلت كل ناخب أميركي يقرأ الكتاب "أسلحة خداع شامل"، ولترجمته الى العربية ووزعته مجاناً في كل بلد عربي، خصوصاً العراق، ولعل جامعة الدول العربية تفعل. طويت الكتاب وتذكرت وصية الزعيم الكردي الملا مصطفى البارزاني لأولاده وهو على سرير الموت في مستشفى جامعة جورجتاون: لا تثقوا بالأميركيين.