يصف الرئيس الامريكي جورج دبليو. بوش وأعضاء إدارته منتقدي غزو العراق بأنهم مؤرخون يهدمون حقائق التاريخ. ولكن معنى هذه العبارة بالتحديد ليس واضحا.وبالتالي ربما يكون من قبيل الحكمة تحليل العلاقات التاريخية بين الولاياتالمتحدةوالعراق للتحقق من مدى صحة هذا الوصف. وتتناقض العلاقات بين الولاياتالمتحدةوالعراق من منتصف الستينيات حتى الثمانينيات مع وجهة نظر سائدة مفادها أن الولاياتالمتحدة حاربت طويلا وبكد ضد حزب البعث العراقي وزعيمه صدام حسين الذي تولى رئاسته في نهاية المطاف. ويشير جون بيلجر وهو مخرج سينمائي وصحفي حاصل على جوائز إلى أن حزب البعث العراقي الذي سيطر بالكامل على مقدرات الامور في البلاد عام 1968 كانت تساعده وكالة المخابرات المركزية الامريكية سي. آي. ايه خلال الستينات. وكتب بيلجر في مقال نشر في كانون الاول /ديسمبر/ عام 2002 قائلا إن ضابط المخابرات المركزية المسئول عن العملية وصف الانقلاب الذي قام به حزب البعث بأنه (الانقلاب المفضل لدي). وقطع العراق العلاقات الدبلوماسية الرسمية مع الولاياتالمتحدة بعد الحرب العربية الاسرائيلية عام 1967. غير أن واشنطن بدأت التفكير في استعادة العلاقات مع بغداد في عام 1982. وأطاحت الثورة الاسلامية في إيران بنظام الشاه الموالي للولايات المتحدة وكانت تهدد بنقل أفكارها عبر حدود إيران إلى دول أخرى نفطية.وعندما حوصر العراق أثناء الحرب الايرانيةالعراقية قررت واشنطن أن مصالحها تقتضى أن تساند قوات صدام حسين ضد ايران. وفي كانون الاول /ديسمبر/ عام 1983 كلف الرئيس الامريكي آنذاك رونالد ريجان وزير الدفاع الحالي دونالد رامسفيلد الذي كان مجرد مواطن عادي ليكون مبعوثه الخاص في الشرق الاوسط.وأوفد ريجان رامسفيلد ومعه رسالة خاصة للاجتماع بالرئيس صدام لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وكان صدام قد تولى الحكم في العراق في عام 1979 ثم تخلص من أربعمائة غريم محتمل له في صفوف حزب البعث. وصافح رامسفيلد صدام في بغداد عام 1983 وسجل طاقم من التلفزيون الرسمي العراقي هذه اللحظة. وأقر رامسفيلد في استجواب قدمه السناتور روبرت بيرد خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ في أيلول/سبتمبر/ 2002 عن أنشطة القوات المسلحة بالاجتماع مع صدام وطارق عزيز الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع العراقي آنذاك. وجاء في مقال بمجلة نيوزويك الامريكية في عدد لها صدر في ذلك الشهر أن الاجتماع بين رامسفيلد وصدام كانت له نتائج هامة. فقد دعمت الولاياتالمتحدة الجيوش العراقية طوال السنوات الخمس التالية وحتى استسلام إيران بالمعلومات العسكرية والمساعدات الاقتصادية وإمدادات الذخيرة السرية. ويضيف بيلجر قائلا إن الولاياتالمتحدةوبريطانيا أمدتا صدام حسين خلال الثمانينات بكل ما كان يريده من أسلحة بشكل سري وغير مشروع في كثير من الاحيان. وكانت هذه العلاقة يشار إليها في واشنطن بتهكم بأنها العلاقة الغرامية. وتضمنت قائمة مشتريات صدام طلبات بالحصول على عينات من كائنات مجهرية تعرف باسم المواد الاولية لتصنيع الاسلحة البيولوجية. وكشفت لجنة البنوك في مجلس الشيوخ الامريكي عام 1994 أن العراق في الفترة ما بين 1985 و1989 تلقى 72 شحنة أمريكية على الاقل من مواد معالجة بيولوجيا وجراثيم وكيماويات. وتوصلت اللجنة التي كان يرأسها عضوا مجلس الشيوخ آنذاك دونالد ريجل وألفونسو داماتو أن الولاياتالمتحدة زودت العراق بمزارع بكتيرية لفيروسات الجمرة الخبيثة وحمى غرب النيل فضلا عن سموم غذائية. وجاء في شهادات المسئولين أمام مجلس الشيوخ أن الجراثيم التي صدرت للعراق بناء على ترخيص من الحكومة الامريكية تتطابق مع نوعية الكائنات المجهرية التي دمرها مفتشو الاممالمتحدة عن الاسلحة بعد حرب الخليج الاولى. كما أشار مشروع البحث والمعلومات في الشرق الاوسط إلى أن شركات من بريطانيا وألمانيا وفرنسا والولاياتالمتحدة علاوة على مؤسسات شرق أوسطية كانت تتنافس خلال الثمانينات على إبرام عقود أسلحة متنوعة مع العراق. وقال السناتور ريجل لشبكة بافالو نيوز الاخبارية في أيلول/سبتمبر/ عام 2002 يبدو إنهما (ريجان وبوش الاب) كانا يعطيان (صدام) أي شيء يحتاجه. وحتى في ظل هذه الظروف، فإن سبب إرسال مثل هذه النوعية من المواد إلى أي شخص يعتبر من قبيل أفلام الخيال العلمي. وسأل بيرد رامسفيلد هل ساعدت الولاياتالمتحدة صدام في الحصول على مكونات الاسلحة البيولوجية أثناء الحرب الايرانيةالعراقية؟. وأجاب رامسفيلد ليس على حد علمي بالتأكيد. وعندما أصر بيرد عن طريق قراءة مقال نشرته مجلة نيوزويك يشير إلى الصادرات الامريكية قال رامسفيلد لم يرد إلى مسامعي من قبل أي شيء مما قرأته وليس لدي علم به بأي شكل من الاشكال وأنا أشك في صحته. ويعتبر غاز الخردل واحدا من أخطر أسلحة الدمار الشامل العراقية. واستشهد الرئيس الامريكي جورج دبليو. بوش مرارا باستخدام العراق للخردل في ساحات المعارك خلال الحرب الايرانيةالعراقية ما بين 1980 و1988 كمبرر لشن الحرب في عامي 2002 و2003. غير أن الاسلحة الكيماوية لم تكن تعني الولاياتالمتحدة كثيرا أثناء فترة حكم ريجان. وتزامنت زيارة رامسفيلد لبغداد عام 1983 مع مواجهة العراق لهجوم موجة بشرية إيرانية. ورد صدام على هذا الهجوم بنشر أسلحته الكيماوية وبصفة أساسية غاز الخردل وهو مادة كيماوية قادرة على القتل. وذكرت صحيفة نيويورك تايمز في آب/أغسطس/ عام 2002 أن صدام حصل عبر برنامج استخباراتي أمريكي سري على صور أقمار صناعية لمواقع القوات الايرانية وخطط المعارك التكتيكية وخطط الضربات الجوية وتقديرات الخسائر التي أحدثها القصف العراقي في صفوف العدو. وأشارت الصحيفة نقلا عن عملاء استخباراتيين إلى أن الولاياتالمتحدة كانت على علم بأن الاستراتيجية القتالية للعراق ضد إيران تتضمن نشر الاسلحة الكيماوية. وقال الكولونيل والتر بي.لانج وهو ضابط استخباراتي كبير متقاعد كان ضالعا في البرنامج في ذلك الوقت إن استخدام العراقيين للغاز في ساحة المعركة لم يكن مصدر قلق استراتيجي عميق. وقال وزير الخارجية الامريكي الحالي كولن باول الذي كان في عهد ريجان مستشارا للامن القومي الامريكي من خلال متحدث رسمي لصحيفة تايمز إن وصف البرنامج السري كان خطأ كبيرا ، دون أن يناقش هذه المسألة. واتهم بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير صدام مرارا قبل هجوم 2003 على العراق باستخدام الاسلحة الكيماوية ضد أبناء شعبه. وكانا يشير إلى المذبحة التي وقعت في قرية حلبجة الكردية في شمال العراق عام 1988. ولقي حوالي خمسة آلاف مدني كردي مصرعه متأثرين بالغاز الذي أطلقته القوات العراقية. وتشير التقارير إلى أن مروحيات أمريكية غير عسكرية كان صدام قد اشتراها استخدمت في شن الهجوم الكيماوي القاتل. وألقى ريجان بمسئولية المذبحة على إيران في بادئ الامر. ويقول بيلجر إن المسئولين في واشنطن والحكومة البريطانية حاولوا التستر على الاعمال الوحشية التي ارتكبت في حلبجة لدرجة أن الامريكيين اختلقوا قصة تشير إلى مسئولية إيران. وفي الوقت الذي يتصدى بوش وبلير للاتهامات بشأن استخدام مزاعم مشكوك في صحتها لتبرير غزو العراق في عام 2003، فإن الرجوع للفترة السابقة لحرب الخليج الاولى تثبت أن التاريخ في سبيله إلى أن يعيد نفسه. وفي عام 1990 كان جورج بوش الاب والد الرئيس الامريكي الحالي هو من قدم المزاعم الخاطئة للشعب الامريكي بشأن الحاجة إلى خوض الحرب ضد جزار بغداد. وفي أيلول/سبتمبر/ 1990 قبل اندلاع حرب الخليج بأربعة أشهر أشارت وزارة الدفاع الامريكية (البنتاجون) إلى احتشاد ما بين 000ر250 و000ر400 جندي عراقي وأكثر من 500ر1 دبابة على الحدود العراقية ويشير أنتوني أرنوف مؤلف كتاب العراق تحت الحصار إلى أن صحيفة سانت بيترزبيرج تايمز التي تصدر في فلوريدا قررت التحقيق في هذه المسألة. وحصلت تايمز على صور التقطها قمر صناعي سوفيتي تجاري للمنطقة ولم تعثر فيها على حشود عسكرية عراقية. ويقول جين هيلر وهو المراسل الذي فجر القضية لقد كانت كذبة خطيرة للغاية. وكانت هذه (الحشود) تمثل المبرر الرئيسي الذي استخدمه بوش (الاب) لارسال قوات إلى هناك ولكنها لم يكن لها وجود.