استضافني مشكوراً، مركز دار السلام في العاصمة الأميركية واشنطن لإلقاء محاضرة حول العراقيين بعنوان العراق... بين مخاطر الماضي وتحديات الحاضر وآفاق المستقبل، حضرها جمع من العراقيين الواعين والمتنورين والحريصين والمتحمسين. شعرت ان الندوة تحولت الى ورشة عمل بكل معنى الكلمة. ربما لأن النقاط التي أثرتها في محاضرتي كانت، بالنسبة الى الحضور، بالغة الحساسية والأهمية، أو لأن حرص الحضور وتحمسهم لبلورة قناعات مشتركة إزاء وطنهم وشعبهم من أجل الإسراع في الانتقال الى مرحلة بناء العراق الجديد بعد عقود القمع والإرهاب والاستبداد والديكتاتور، دفعاهم الى المشاركة في المداخلات. في المحور الأول، قلت ان العراق الذي ابتلي بنظام استبدادي شمولي استثنائي، ابتلي كذلك بالاحتلال الذي كان، للأسف، الطريقة الاستثنائية لتغيير الأوضاع طريقة استثنائية لتغيير نظام استثنائي. ولذلك فإن العراق وشعبه ورثا من الماضي، بسبب سياسات النظام البائد التدميرية، مخاطر حقيقية أهمها: أولاً، بلد مدمر على كل المستويات، مدنياً، اقتصادياً، اجتماعياً، فالنظام السابق بدد المال العام، وصرف واردات العراق على عمليات التدمير المنظمة لكل شيء، كما صرفها على بناء ترسانة أسلحة الدمار الشامل التي كان العراقيون أول وأعظم ضحاياها، وعلى بناء الأجهزة القمعية، وشن الحروب العبثية. ثانياً، احتقانات عرقية وطائفية، بسبب التمييز الطائفي والعرقي الذي كان يمارسه ويكرسه النظام البائد، الى السياسات التعريب والتهجير والاستيلاء على الممتلكات وتوزيعها وبيعها الى آخرين. ثالثاً، مخلفات أخطاء قاتلة ارتكبها النظام. فبسبب حربه العنصرية ضد الكرد، في شمال العراق، تنازل لشاه إيران عن سيادة العراق على أجزاء مهمة من شط العرب في إطار اتفاقية الجزائر، عام 1975. وخلفت حربه العدوانية ضد الجارة إيران، واحتلاله للجارة الكويت، ومماطلته في تطبيق القرارات الدولية ذات الصلة بشروط وقفها، على العراق وشعبه مصاعب تتعلق بالحدود والتعويضات، الى القرارات الدولية المثقلة بالمخاطر. وفي المحور الثاني، قلت ان من أبرز تحديات الحاضر، وهي نتيجة طبيعية كذلك لسياسات النظام التدميرية، هي: الاحتلال وتداعياته على كتابة الدستور للعراق الجديد، والاقتتال، وهو من أخطر ما يواجهه الشعب العراقي من تحد داخلي، والإرهاب، بسبب الانفلات الأمني، وغياب المراقبة على طول الحدود العراقية مع جيرانه، والتسلل الى العراق الذي اعتبرته العصابات والقوى السياسية والدينية ساحة حرب مفتوحة مع الأميركان، تحدي المخدرات التي بدأت تتسلل الى العراق في شكل رهيب، تحدي بناء هيكلية الدولة الجديدة، ومنها صوغ الدستور ونوعية النظام الإداري والسياسي والفيديرالية وأسسها ونوعها وموقع الدين والمؤسسات الدينية من بناء الدولة الجديدة وغير ذلك من القضايا التي يناقشها العراقيون اليوم للمرة الأولى في حياتهم، وتحتاج الى الحكمة والتأني وسعة الصدر والتواضع ووضع المصلحة العليا فوق أي اعتبار آخر. ومن أجل الإسراع في انتزاع سيادة العراق من المحتل وإعادة بناء الدولة العراقية الجديدة، وكذلك إعادة بناء العراق المدمر، اقترحت ما يلي: صناعة مجموعات الرأي العام في داخل العراق من قبل العراقيين الذين عاشوا تجارب الحرية والديموقراطية والتعددية واحترام الآخر والتنمية، لنقل هذه التجارب الإنسانية الى أكبر عدد ممكن من العراقيين في داخل العراق، صناعة مجموعات ضغط في الخارج، في الولاياتالمتحدة الأميركية أولاً، من قبل العراقيين، للتأثير في سير الحوادث داخل العراق من جانب، وللدفع إلى تبني السياسات الصحيحة التي يراها العراقيون وهم أعرف بالعراق وظروفه وحاجاته وخصوصياته من الأميركيين وغيرهم. وأشارت إحدى المداخلات الى فكرة مهمة هي أن للعراقيين اليوم في الخارج فرصة توضيح حقيقة على غاية من الأهمية، ربما غابت عن كثيرين، فتضحيات الشعب العراقي العظيمة هي التي أسقطت النظام البائد بالفعل العسكري الأميركي، إذ لولا التضحيات هذه لما فكر الأميركيون في إسقاط النظام الديكتاتوري. وعلقت مداخلة على مخاطر المخدرات، اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً وأمنياً، بشواهد وإحصائيات علمية دقيقة، وأشارت الى لزوم التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة وهي في المهد قبل أن تستفحل. وقال ثالث ان من المهم ان نتحدث أولاً عن إثبات العراقيين لقدرتهم على إدارة أنفسهم وبلدهم قبل أن نطالب برحيل الاحتلال، فأي إنجاز وإثبات وجود يسجلهما العراقيون يقصران من عمر الاحتلال زمناً. نزار حيدر [email protected]