"بن محفوظ": مبادرة لتأسيس مدن غذائية ذكية بالمناطق الحدودية بين السعودية واليمن    الأخضر السعودي الثامن آسيوياً بتصنيف الفيفا    «كاسبرسكي» تتوقع نمواً سنوياً متوسطاً بنسبة 23% في السعودية بفضل خبرتها المحلية على مدى 17 عاماً    "الاتحاد" يصل إلى صلالة .. تحضيراً لمواجهة النصر العماني    بمشاركة أكثر من 1300 متسابق .. "هيا نمشي معاً 2024" على كورنيش الراكة بالخبر    ضبط (4) مواطنين اتخذوا منزلًا في الخرج وكرًا لترويج الحشيش والإمفيتامين    825 ألف جنيه استرليني من وولفرهامبتون إلى الشباب    تنفيذ حكم القتل تعزيراً في عدد من الجناة بمنطقة الجوف    أنشيلوتي: أظهرنا شخصية ريال مدريد أمام باتشوكا في نهائي كأس القارات    الهلال الأحمر السعودي بالمنطقة الشرقية يكرم المتطوعين المتميزين في عام 2024م    الإدارة العامة للتعليم بمنطقة جازان تحتفي باليوم العالمي للغة العربية 2024    الشرع: سورية منهكة ولا تمثل تهديداً لأحد    طارق السعيد يكتب.. السعودية أرض الحلم واستضافة كأس العالم    العالمي يزيد الراجحي يسعى لتحقيق لقب بطولة السعودية تويوتا في رالي جدة للمرة الرابعة    رئيس مجلس الشورى يلتقي رئيس مجلس الشيوخ الباكستاني    فيصل بن مشعل يستقبل العميد العبداللطيف بمناسبة تكليفه مديرا لمرور القصيم    بلدية الشماسية تنفذ تجربة "الاسفلت البارد" في طرق المحافظة    استشهاد أسير فلسطيني داخل سجون الاحتلال نتيجة التعذيب    آل سيف تدفئ شتاء أدبي جازان ب«رسائل متأخرة»    «الداخلية» تحتفي بيوم الشرطة العربية    محافظ الطائف يلتقي رئيس وأعضاء جمعية ساعد للبحث والإنقاذ    أمير القصيم يرعى ورشة عمل إطلاق التقرير الطوعي لأهداف التنمية المستدامة في بريدة    السيسي: الاعتداءات تهدد وحدة وسيادة سورية    وزير العدل يوجه بتدشين مقر دوائر دعاوى الأخطاء المهنية الصحية بالمحكمة العامة بالرياض    استشارية نمو وسلوك: الدليل الإرشادي "الحياة مهارة" يعزز السلامة والصلابة النفسية للأطفال    الذهب يتعافى من أدنى مستوى في شهر بعد قلق تباطؤ خفض الفائدة في 2025    «التجارة» تضبط 6 أطنان مواد غذائية منتهية الصلاحية بمستودع في جدة    «زِد» الملقبة "شوبيفاي العالم العربي" تكشف عن رؤية 'التجارة المتكاملة" المبتكرة لتمكين قطاع التجزئة في حدث إطلاق منتجاتها السنوي 'ريبل 2024'    محافظ بدر الجنوب يستقبل مدير عام فرع الأمر بالمعروف    مركز صحي نشيان بقطاع النماص الصحي يُنفّذ "التوعية بداء السكري"    «الإحصاء»: 97.4 % من سكان المملكة قيموا حالتهم الصحية بشكل جيد وأعلى    المياه الوطنية توضح لعملائها مزايا وآلية توثيق عدادات المياه    صحة الحديث وحدها لا تكفي!    "عِلم" تختم مشاركتها في مؤتمر "سلاسل الإمداد والخدمات اللوجستية"    وصول طلائع الدفعة الثانية من ضيوف الملك للمدينة    أمير القصيم يرعى الملتقى الأول للعناية بالمكتبات الخاصة    هل يعيد ملتقى ImpaQ تعريف مفهوم المؤثرين كقوة دافعة للتغيير ؟    نور الرياض يستقطب أكثر من ثلاثة ملايين زائر    أنشطة ترفيهية    شتاء طنطورة.. أجواء تنبض بالحياة    الأهلي يستعيد كيسيه أمام الشباب    وزير الدفاع يستقبل نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع الأسترالي    التويجري: طورنا منظومتنا التشريعية في ضوء مبادئنا وأولياتنا الوطنية    عريان.. من تغطّى بإيران    مطعم يطبخ البرغر بنفس الزيت منذ 100عام    5 أطعمة تمنع تراكم الحديد في الدماغ    آمال جديدة لعلاج مرض الروماتيزم بمؤتمر طبي    في روشن الصدارة اتحادية.. نخبة آسيا الصدارة هلالية.. ومقترح تحكيمي    الإقليم بعد سوريا.. سمك لبن تمر هندي!    مركبة ال (72) عامًا بجناح حرس الحدود في (واحة الأمن) .. أول دورية برية ساحلية    ضغوط الحياة.. عدو خفي أم فرصة للتحوّل؟    هل تنجح سوريا في مواجهة التحديات الهائلة    مفوض الإفتاء بمنطقة جازان "الحفاظ على مقدرات الوطن والمرافق العامة من أهم عوامل تعزيز اللحمة الوطنية"    رئيس الوزراء العراقي يغادر العُلا    جمعية رتل بنجران تطلق التصفيات الاولية لجائزة الملك سلمان بن عبدالعزيز    الأمير تركي الفيصل يفتتح مبنى كلية الطب بجامعة الفيصل بتكلفة 160 مليون ريال    محافظ محايل يلتقي مدير المرور الجديد    أمير تبوك يستقبل مدير فرع وزارة الرياضة بالمنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أعماله الشعرية صدرت في جزءين . الشاعر السوري نزيه أبو عفش يقترح حقلاً جديداً لقصيدة النثر
نشر في الحياة يوم 12 - 09 - 2003

تتيح قراءة "الأعمال الشعرية الكاملة" للشاعر نزيه أبو عفش، التي صدرت أخيراً عن "دار المدى" في مجلدين، الاطلاع عن كثب على منجز هذا الشاعر السوري المتفرد. فهو منذ ديوانه الأول "الوجه الذي لا يغيب" 1968، وحتى ديوانه الأخير "أهل التابوت" 2002، يشكّل حضوراً استثنائياً في المشهد الشعري العربي. وتشتمل "الأعمال الشعرية" على 13 مجموعة شعرية، هي مجمل ما كتبه الشاعر خلال أكثر من ثلاثة عقود.
ولعل أبرز ما يميز تجربة صاحب "بين هلاكين"، انها لا تتوقف طويلاً في منطقة شعرية واحدة، بل تحتدم بتحولات شعرية متلاحقة ومتوترة، بنبرة عالية، تتأرجج بين غنائية رومنطيقية، هي السمة الأساسية لبداياته الشعرية، وبين احتفاء صاخب بتفاصيل الحياة اليومية، وانتهاء بمناخ جنائزي، وسم تجاربه الأخيرة.
في دواوينه الثلاثة الأولى: "الوجه الذي لا يغيب"، و"عن الخوف والتماثيل"، و"وشاح من العشب لأمهات القتلى"، يقع القارئ من دون عناء، على نبرة رومنطيقية ريفية، تبدو كأنها ترجيع لتجارب شعرية أخرى، كانت حاضرة في المشهد الشعري السوري آنذاك، كتجارب موريس قبق، وعبدالباسط الصوفي، وعبدالسلام عيون السود. فهذا الشاعر المولود في قرية "مرمريتا" 1946، وسط سورية، كان لا بد من أن يجد نفسه في ذلك الفضاء الريفي، ويتلمس عناصره الشعرية من مفردات الطبيعة. لكن نزيه أبو عفش، أظهر مبكراً تمرده على المشهدية الغنائية، باتجاه كيمياء شعرية أكثر صخباً، وأقل براءة، في مواجهة العالم الخارجي، خصوصاً بعد انتقاله الى دمشق واستقراره في العاصمة، وإن ظلت ظلال الرومنطيقية مبثوثة في نسيج قصائده اللاحقة.
وربما تمّ التحوّل المهم في تجربته، مع صدور ديوانه "أيها الزمان الضيق... أيتها الأرض الواسعة" 1978، ذلك أنه أعلن قطيعته النهائية مع قصيدة التفعيلة، ليدخل فضاء قصيدة النثر. وسيكون هذا الديوان هو المعجم الأكثر تأثيراً في تجارب شعراء الثمانينات، إن لم نقل كان تحولاً في الشعرية السورية ككل، إذ اقترح فيه حقلاً جديداً لقصيدة النثر، بعيداً من مناخات شعراء مجلة "شعر". فعناصر القصيدة هنا، هي ما هو عابر ومهمل وخاطف، إضافة الى مزج الذاتي بالعام، الأمر الذي سيضع قصيدته في سياق شعري مفتوح على الاحتمالات، بيقينية أقل، وإحساس ذاتي متوتر، بقيمة الأشياء البسيطة المهملة، وهذا التحول نحو شفوية الحياة، سنجد ما يبرره في المقدمة التي كتبها الشاعر لديوانه، إذ يقول: "لماذا نكتب الشعر؟ في عالم مدجج بالأسلحة والطغيان والمقابر والأوبئة... ماذا يستطيع الشعر أن يفعل؟ ماذا تستطيع براءة الإنسان؟ للشعر أن يذهب الى الحياة".
وعلى رغم أن الأسئلة التي يطرحها الشاعر في طريقه الى قصيدته الحياتية، تبدو محملة بالفجيعة والخراب، إلا أنها تمهد من جهة أخرى الى تمجيد ما هو محسوس ويومي وأليف، لتصبح الاحتفالية ببهجة الأشياء الصغيرة بمثابة دعوة لتنظيف المدخنة من الرماد.
كأن نزيه أبو عفش في مجمل مشروعه الشعري، يريد أن يحتفي بما هو غائب ولا مرئي، لأنه في المآل الأخير هو جوهر القصيدة. ومن هنا، ربما نستطيع تفسير كم الخرائب والكوابيس التي تلقي بثقلها على بنيان القصيدة في جناز طويل، ويأس لا مناص منه، ليتحول العالم برمته الى تابوت، تنبت فوقه الأعشاب ودموع الثكالى.
يقول في "بين هلاكين":
"مشرفين على آخر اليأس
نمضي الى مقتل كائن في المساء
مخبأة في الحقائب أسرارنا ومقاصلنا
مشرفين على سنةٍ من بلاد مبعثرة
وزمان هزيل".
هذه النبرة الفجائعية ستأخذ بعداً أكبر تتمركز حوله موضوعاته الشعرية، ليدخل الشاعر في نفق مظلم، ويأس عظيم، فهو راءٍ، لا يجد في الوصف غرضاً شعرياً، إلا بقدر ما يسهم في تأجيج جمرة اليأس. واعتباراً من ديوانه "هكذا أتيت... هكذا أمضي" 1989، تصبح مفردة الموت هي الثيمة الغالبة على عناصر قصيدته، من دون أن يحيد عنها إطلاقاً، الى درجة تدعو الى التساؤل عن معنى هذا التشاؤم الفجائعي، وهو ما يفسره بقوله: "صناعة الأحلام في العتمة بكلمات لها مذاق سري، هي الشعر، أنقاض حياة وطيش وذكريات". ويضيف في وصف آلامه: "إن قصيدة بسيطة واحدة، تلتهم ورقتين صغيرتين من الدفتر، ربما تكون قبل ذلك، قد التهمت سنتين كاملتين من الحياة".
واللافت في دواوينه الأخيرة، مثل "ما يشبه كلاماً أخيراً"، و"بين هلاكين"، و"أهل التابوت" علو النبرة الغنائية مجدداً، واستعادة الإيقاع، وكأنه تراجع عن قناعاته الشعرية التي حاول تأصيلها في قصيدة النثر، واتجه الى كتابة قصيدة إيقاعية، اعتبرها البعض نوعاً من المصالحة مع المنبر وجمهور المهرجانات الشعرية الذي لا يستيقظ إلا على الهتاف. لكن نزيه أبو عفش يوضح مفهومه الجديد للقصيدة بقوله: "إن أوهام التطرف الحداثوي، حوّلت القصيدة الى متاهة مقفلة، وأفسدت علاقتها المقدسة بالحياة. فالشعر هو البسيط الحار الأصيل، القادر على تأجيج شرارة الحنين الى قيم الجمال الإنساني التي توشك أن تندثر، بعد أن أصبحت الحداثوية أداة للإرهاب الجمالي".
ويضيف: "ان الكثير مما يقترف باسم الحداثة وما بعد الحداثة، هو استغراق في خيانة اليومي، إذ تتحول الحداثة الى مصيدة عمياء مهيأة للفتك بكل ما هو حي وجميل ومخلص وأصيل".
نزيه أبو عفش، شاعر ضجر، كابوسي، فجائعي، فهو عندما لا يجد ما يكتبه شعراً، يقوم برسم لوحة، أو يقيم معرضاً لبورتريهاته النائمة في أيقوناتها الداكنة. فهو ليس لديه ما يفعله، سوى أن يكون شاعراً حزيناً، بقناعة أكيدة، أن لا أمل يرتجى في إصلاح عطب الحياة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.