اعلنت اسرائيل نيتها اطلاق 370 أسيراً فقط من مجموع ثمانية آلاف سجين فلسطيني وعربي يقبعون في السجون ومعسكرات الاعتقال الاسرائيلية، فيما أفادت تسريبات صحافية ان إسرائيل عدلت عن نيتها إعادة نشر قواتها في سائر مدن الضفة الغربية في الأسابيع الأربعة المقبلة، وانها تشترط ذلك بامتثال السلطة الفلسطينية لاملاءاتها. وينذر التعنت الاسرائيلي حيال ملف الأسرى بقطع خيوط الأمل التي حاول البعض نسجها بحدوث انفراج في العلاقات الفلسطينية الاسرائيلية، وبتقويض الاتفاق الأمني الفلسطيني الاسرائيلي الخاص بإعادة انتشار جيش الاحتلال في الضفة الغربية وإجهاض الهدنة التي أعلنتها فصائل المعارضة الفلسطينية قبل أسبوع. حسم رئيس الحكومة الاسرائيلية آرييل شارون أمره في قضية الأسرى الفلسطينيين حين أبلغ وزراء حكومته أمس قبوله ب"المعايير" التي وضعها رئيس جهاز الأمن العام شاباك آفي ديختر للأسرى الذين سيتم اطلاقهم، ليس قبل أن يمنن الفلسطينيين بأن الافراج عن الأسرى يندرج في اطار رغبته في ترسيخ سلطة نظيره الفلسطيني محمود عباس أبو مازن "على رغم المعضلة التي نواجهها اذ ليس من السهل اطلاق أوغاد مكانهم وراء القضبان فقط". وقررت الحكومة تشكيل لجنة وزارية خاصة تكون صاحبة القرار الفصل في شأن الأسرى الذين يطلقون. وقال ديختر للوزراء الذين شاركوا في ما اعتبر مسرحية أُعدت جيداً عن معارضتهم موقف شارون "المعتدل" و"المتهاون"، ان نحو 370 أسيراً فقط يستوفون المعايير منهم 215 أسيراً إدارياً أي الذين لم توجه اليهم لوائح اتهام، و7 أسرى قدامى ونحو 150 سجيناً دينوا بارتكاب مخالفات جنائية. وقدم ديختر لائحة بأسماء من يحظر اطلاقهم "ممن قتلوا أو جرحوا اسرائيليين أو ارسلوا انتحاريين الى تخوم اسرائيل"، فضلاً عن استثناء ناشطي "حماس" و"الجهاد الاسلامي" و"الجبهة الشعبية" كافة من لائحة الذين سيطلقون. اطلاق المعتقلين على دفعات ولا تتوقف الشروط عند هذه المعايير بل تم التأكيد على اطلاق "المعفى عنهم" على دفعات وطبقاً للتقدم الذي ستحرزه السلطة الفلسطينية في بسط سيطرتها الأمنية ومنع هجمات مسلحة ضد اسرائيل. ورأى نائب وزير الدفاع زئيف بويم ان اطلاق الأسرى بادرة حسن نية تقوم بها الدولة العبرية باعتبار ان ملف الأسرى لم يدرج في "خريطة الطريق". وأضاف لاذاعة الجيش انه ينبغي على اسرائيل ان تستفيد سياسياً من الافراج عن الأسرى، ما يحتم وجوب أن يكون اطلاقهم تدريجياً ورهناً بقيام السلطة الفلسطينية بالوفاء بالتزاماتها، وفي مقدمها تفكيك البنى التحتية لحركتي "حماس" و"الجهاد" واعتقال ناشطيهما وزجهم في السجون. وستخضع عملية الافراج لاشتراط آخر وضعه المستشار القضائي للحكومة الياكيم روبنشتاين يتمثل بنشر اسماء المنوي اطلاقهم قبل 48 ساعة من التنفيذ "لتمكين العائلات الاسرائيلية الثكلى من تقديم اعتراض أو التماس للحكومة العليا إذا ما رأت سبباً لعدم اطلاق أحدهم أو بعضهم". ورفض نائب رئيس الحكومة، زعيم حزب الوسط شينوي تومي لبيد الادعاء بأن من شأن رفض اسرائيل الافراج عن أي من الأسرى من الناشطين في "حماس" و"الجهاد" ان يقوض الهدنة، موضحا ان اسرائيل ليست طرفاً فيها وأنها لن تجري أي اتصالات مع هاتين الحركتين "انما ينبغي على رئيس الوزراء الفلسطيني تفكيكهما واعتقال عناصرهما". واشار ايضاً الى أن قرار الافراج عن بعض المعتقلين جاء لتدعيم مكانة أبو مازن. من جهته، اعتبر رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية اهارون زئيفي فركش قضية الأسرى مركزية في نظر الفلسطينيين، متوقعاً أن تطغى على جدول اعمالهم في الاشهر الثلاثة المقبلة، مضيفاً ان السلطة الفلسطينية "لم تثبت بعد قدراتها على تحقيق وقف تام للارهاب" ما يستدعي بنظره ارجاء تسليمها المسؤولية الأمنية عن مدن أخرى في الضفة الغربية، اضافة الى بيت لحم. وزاد في حديث للاذاعة العبرية العامة ان السلطة، على رغم ادراكها أهمية "محاربة الارهاب"، الا انها لا تقوم بممارسة القوة في هذه المعركة وتكتفي باللجوء الى وسائل الاقناع واعتقال ناشطين ثم الافراج عنهم. وأضاف مستدركاً ان اسرائيل تلاحظ للمرة الأولى ان ثمة أملاً حقيقياً بوقف عسكرة الانتفاضة: "هناك تطورات ايجابية نأمل في ان تستمر لنتمكن من القول ان المرحلة الأولى من التطبيق ناجحة". وقال ان الفترة القريبة ستشهد مفاوضات مع الفلسطينيين في شأن الجدار الأمني الفاصل وتقديم تسهيلات للمدنيين. وختم بالتوقع بأن تنضم "الشعبية" اليوم او غداً الى اعلان الهدنة. وكانت الصحف العبرية توقعت عدم الافراج سوى عن مئات من المعتقلين والاسرى "غير الملطخة اياديهم بالدماء او ممن يشكلون خطراً على امن اسرائيل". ونقلت صحيفة "يديعوت احرونوت عن مسؤول اسرائيلي كبير قوله انه "لو كان ابو مازن على علم بعدد الاسرى الذين سيتم اطلاقهم لاستغنى عن لقاء شارون الاربعاء". من جهته، كتب المعلق السياسي في صحيفة "هآرتس" الوف بن ان شارون يريد، حتى بموافقته على اطلاق عدد قليل من الاسرى، تمنين الفلسطينيين والاميركيين بهذه الخطوة، على ان يتذرع لاحقاً أن مرد هذا العدد "رأي مهني" لرؤساء الاجهزة الامنية والاستخباراتي لا يمكن تجاهله. وتوقع المعلق ان تشهد جلسة الحكومة صراخاً ودراما سيفيدان شارون سياسياً حين سيتحدث الى الفلسطينيين والاميركيين عن الصعوبات الداخلية التي يواجهها. الى ذلك، افادت تسريبات صحافية قبل لقاء وزير الدفاع شاؤول موفاز والوزير الفلسطيني لشؤون الامن محمد دحلان مساء امس، ان موفاز سيبلغ ضيفه معارضته توسيع نطاق الانسحاب الاسرائيلي من المدن الفلسطينية في الضفة "حتى يتضح بشكل قاطع ان الفلسطينيين يؤدون المطلوب منهم في قطاع غزة وبيت لحم حيث تسلموا المسؤولية الامنية". ووفقاً لمصادر امنية رفيعة المستوى، فإن اسرائيل لن تنفذ اي انسحاب في غضون الاسابيع الاربعة المقبلة بحجة انها لا تريد ان تثقل على كاهل اجهزة الامن الفلسطينية. ومن شأن تسليم السلطة مدناً اخرى ان يقوض العملية كلها لعدم قدرتها واستعدادها لتسلم المهمات الامنية. الفلسطينيون معنيون بالتسوية الدائمة وافادت صحيفة "معاريف" في صدر صفحتها الاولى امس ان رئيس الوزراء الفلسطيني ووزير المال في حكومته سلام فياض أبلغ مستشارة الأمن القومي في البيت الابيض كوندوليزا رايس اثناء زيارتها رام الله قبل اسبوع رغبتهما في عدم التعاطي مع "خريطة الطريق"، والمباشرة فوراً بالتفاوض مع اسرائيل في شأن التسوية الدائمة للنزاع الفلسطيني الاسرائيلي. وزادت ان الفلسطينيين واصلوا محاولاتهم لاقناع واشنطن بقبول اقتراحهم، مشيرة الى ان الاقتراح الفلسطيني الجديد فاجأ الاسرائيليين الذين اكدوا اصرارهم على مواصلة العملية التفاوضية بناء للخريطة، متهمين الفلسطينيين بمحاولة نسف العملية السياسية برمتها "لأن مفاوضات الحل الدائم تتناول المسائل الحساسة مثل حق العودة للاجئين والقدس".