"بدا عجوزاً، ومحدودباً بعض الشيء... شعره طويل وأشعث، يصل الى ياقته... يسير بتثاقل ويجر وراءه رفشاً ليحفر ما يسميه الجنود الاميركيون مرحاضاً... كان مظهره مثل أي واحد منا: قذراً وجائعاً". بهذه الكلمات وصف نزيل سابق في "معسكر كروبر"، السجن الموقت الذي اقامه الاميركيون في اطراف مطار بغداد، طارق عزيز وزير الخارجية العراقي السابق. التفاصيل عن اوضاع محتجزين من كبار المسؤولين في نظام صدام حسين جاءت في تقرير نشرته صحيفة "صنداي تلغراف" امس واستندت فيه الى شهادات قدمها نزلاء سابقون اُطلقوا الاسبوع الماضي بعد احتجازهم بتهم عادية مختلفة. قال عدنان جاسم، ماسح الاحذية الذي أمضى في المعسكر33 يوماً بعدما اطلق الاميركيون النار على سيارته واُحتجز للاشتباه بأنه "قاتل": "لم يثر استغرابي ان يعاملنا الاميركيون، نحن العراقيين العاديين، مثل قطيع حيوانات. لكن طارق عزيز؟ انه أحد اولئك الذين ادرجهم السيد بوش في مجموعة اوراق اللعب لائحة المسؤولين المطلوبين ال55. انه مهم جداً بالنسبة اليهم، اليس كذلك؟". واضاف "لم يبد كما لو انه يلقى اي معاملة خاصة. كان مظهره مثل أي واحد منا: قذراً وجائعاً وتواقاً الى الخروج". يضم "معسكر كروبر"، وهو مجموعة خيام تحيطها حزم اسلاك شائكة ارتفاعها 10 اقدام، حوالي 3 آلاف معتقل من بينهم عدد كبير من السرّاق والنهّابين والمشاركين في احداث شغب، الى جانب عناصر من "فدائيي صدام" ومن يشتبه بانتمائه الى ميليشيا مؤيدة للرئيس العراقي السابق. ثم هناك "السجناء غير العاديين" الذين لا يزال مصيرهم غامضاً، وبعضهم كان من اقرب مستشاري صدام حسين. ومن ضمنهم سعدون حمادي، الرئيس السابق للمجلس الوطني العراقي، واحد ابناء عزة ابراهيم نائب رئيس مجلس قيادة الثورة. وأفاد التقرير أن هناك امرأة واحدة بين المعتقلين: هدى عماش، عضو مجلس قيادة الثورة والخبيرة في الاسلحة الكيماوية والبيولوجية. واضاف انه لم يُسمح لأحد بزيارة هؤلاء المعتقلين باستثناء اللجنة الدولية للصليب الاحمر. وكانت الرسالة الوحيدة التي تلقتها عائلة طارق عزيز مقتضبة: "انا بخير وافكر بكم، طارق"، وهي تحمل ختماً من كلمتين: "بأمان وخير". وكانت زوجته وولداه فروا الى الاردن عندما انتهت الحرب. وشكا محامي العائلة، الدكتور عبد الحق العاني، من ان حرمان موكله من الحصول على مشورة قانونية انتهاك لميثاق جنيف وقانون حقوق الانسان. وقال للصحيفة "امضيت اسبوعاً في بغداد ولم يُسمح لي برؤية موكلي". وتحدث زوج هدى عماش ووالدتها للمرة الاولى علناً في منزل العائلة في بغداد. فقال احمد مكي 59 عاماً، ان "هدى ليست امرأة شريرة كما تدعي الصحافة الغربية. انهم يقولون انها كانت قاسية، لكن عملها تركز على البحث عن بكتيريا في تربةالعراق. قرأت عن المعسكر غوانتانامو في كوبا. كيف ستواجه هدى التعذيب النفسي؟ انها زوجة وأم فحسب". وقالت والدتها قسمة عماش 70 عاماً وهي تبكي ان ابنتها عولجت من سرطان الثدي في اواخر الثمانينات، ولا تزال بحاجة الى مراجعة الطبيب. ووصف نزيل سابق اسمه رافد عادل مهدي 32 عاماً ظروف الاعتقال القاسية، قال: "كنا محتجزين في خيام، حتى في الشمس اللاهبة عندما تبلغ درجة الحرارة 50 مئوية. يُحشر حوالي 100 منا في كل خيمة ... لم تكن هناك أية أسرّة، بل مجرد قطعة حصير على الارض. ويُعطى لكل نزيل ثلاثة ليترات من الماء يومياً، وهي لا تكفي في الجو الحار". وقال قيس السلمان 54 عاماً ان المحتجزين في خيمته عوقبوا في احد الايام، عندما بدأوا يصرخون "حرية، حرية"، باجبارهم على الانبطاح تحت الشمس بعد شد وثاقهم.