أرخى الانفراج السياسي الذي اسهم به في الدرجة الأولى رئيس المجلس النيابي نبيه بري بظله على الجلسة الاستثنائية لمجلس الوزراء ليل اول من امس، فتحولت الى استعراضية انفتحت فيها شهية الوزراء على مناقشة "البنود الخلافية". وغابت عنها المناكفة والاحتكام الى التصويت إلا على البند المتعلق بالسماح للمديرية العامة للأمن العام بتطويع خمسة ضباط سنوياً. ولعل توافر المعلومات للوزراء عن الاتجاه الى التوافق المسبق على البنود الخلافية، دفع بهم الى إطالة النقاش وأحياناً من دون سبب الى اكثر من ست ساعات ونصف الساعة رغبة منهم بتعويض ما فاتهم في الجلسات الماضية من فرص لتناول القضايا المطروحة بعدما اضطرهم تفاقم الخلافات الى حبس انفاسهم خوفاً من ان يؤدي الإدلاء بوجهات نظرهم الى اغضاب هذا الرئيس او ذاك. كان ظاهراً من خلال سير مداخلات الوزراء في الجلسة ان لحود بدا منشرحاً وأخذ يتصرف وكأنه المسيطر عليها، في مقابل تصرف الحريري من اول الجلسة حتى نهايتها، ببرودة متناهية، ولم يتدخل إلا في لحظات النقاش الهادئ لتصويب الأداء الإداري ولقطع الطريق امام احتمال حصول تضارب بين ما هو مقرر توافقياً وبين النصوص الإدارية. ورأى عدد من الوزراء، في قراءتهم لرغبة الحريري القاطعة بالتهدئة وتسهيل التوافق على البنود الخلافية ان الأخير التزم لملمة الأجواء والحفاظ على الاستقرار العام السائد في الجلسة وهذا ما يفسر لجوءه الى الصمت لدى مناقشة بعض البنود وجاراه في الموقف الوزراء المحسوبون عليه، ما عدا وزير العدل بهيج طبارة الذي كانت له مطالعة قانونية لدى مناقشة البند المتعلق بالهاتف الخلوي في خصوص مراقبة ادارته، وقد نجح من خلالها في ان يكسب في القانون لقاء الربح في السياسة الذي حققه وزير الاتصالات جان لوي قرداحي. وأوضح هؤلاء الوزراء ل"الحياة" ان التصرف الهادئ للحريري في الجلسة يعود في الدرجة الأولى الى رغبته في تسليف لحود موقفاً يمكن ان يوظف للأخير في خانة الربح من اجل ان ينصرف رئيس الحكومة لاحقاً الى اعادة ترتيب ملف علاقاته بدمشق التي لديها ملاحظات على أسلوبه في ادارة الشؤون الداخلية، ولا تتعلق مهما قيل، بخياره الاستراتيجي في التحالف مع سورية والوقوف الى جانبها في اللحظات العصيبة التي تمر فيها المنطقة. وبدا بري من وجهة نظر هؤلاء الوزراء قادراً على صوغ نمط جديد من العلاقة داخل مجلس الوزراء لأنه التقط اللحظة المناسبة للتطوع بدور توفيقي حال دون اللجوء الى التصويت ما دام هناك امكان للتفاهم. وسارع الى تحضير الأجواء التي تسمح بتمرير جدول اعمال لا يرتب استنزافاً للوضع الحكومي وإدخال البلد من جديد في متاهات الخلاف بين الرئيسين. ولقي بري دعماً سورياً لمسعاه بين لحود والحريري اللذين ابديا تجاوباً يؤسس للانتقال في العلاقة بينهما الى مرحلة جديدة لإيجاد لغة مشتركة تعزز الآمال ببث الروح في مجلس الوزراء. وعلى رغم ان الجلسة بدأت من دون مقدمات سياسية كما درجت العادة تحت عنوان استعراض المستجدات في لبنان والمنطقة، فإن البند المتعلق باستملاكات الأراضي لمدارس بيروت ومشاريع اخرى في المناطق منها طرقات، نوقش بهدوء وتقرر اعادة تكليف مجلس الإنماء والإعمار إعداد دراسة جديدة للمدارس مع احتمال خفض كلفتها وعددها ليعاد درسه في مجلس الوزراء. بينما صرف النظر موقتاً عن الاستملاك الخاص بإقامة قصر المؤتمرات انطلاقاً من المداخلة التي تقدم بها لحود ولم يعلق عليها الحريري. وبالنسبة الى دراسة بند الإعلام ككل، بدأ النقاش بمداخلة طويلة لوزير الإعلام ميشال سماحة كانت اشبه بدراسة مستفيضة لواقع الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب، توقف خلالها امام حملات بعض الصحف على سورية ودورها في لبنان والمنطقة في ظل التحديات الراهنة، وقال ان هذه الحملات بدأت وكأنها عفوية لكنها اصبحت مركزة ومنظمة يراد منها استهداف الدور الذي تلعبه القيادة السورية وهذا امر مرفوض. وأوصى سماحة من خلال تقريره برغبته باتخاذ تدبير موقت يقضي بوقف بعض المحطات عن البث الفضائي لمدة ثلاثة ايام، لافتاً ايضاً الى التعرض لمقام رئاسة الجمهورية ولعلاقة لبنان بالدول العربية الشقيقة والأخرى الصديقة، مؤكداً ان ضبط الموضوع لن يكون إلا بتطبيق قانون الإعلام المرئي والمسموع وقانون المطبوعات مشيراً الى ان المشكلة ليست في قانون البث الفضائي الذي يتولى تنظيم البث وحماية الحقوق على هذا الصعيد. وقال لحود ان هناك حملة منظمة تستهدف الشقيقة سورية وقيادتها وأنه يتعرض منذ فترة طويلة الى حملات من التشهير وأحياناً الشتائم، لكن احداً لم يتحرك في حينها، وأن التحرك جاء بعد الحملة التي استهدفت دولة عربية شقيقة اخرى. وأضاف: "نحن ضد الحملات على الدول العربية الشقيقة، خصوصاً الداعمة للبنان، لكن لا بد من تطبيق القانون من دون استنسابية، ان الإعلام سيف ذو حدين، وان البعض في الإعلام المكتوب يهاجم الآن رئيس الجمهورية، وكان سبق له وهاجم رئيساً آخر". وسأل: "هل يجوز لصاحب صحيفة ان يتصرف بمزاجية وأن يقف الى جانب من يدفع له، ويسارع الى الانقلاب عليه في حال اوقف عنه الدعم، نحن مع حرية الإعلام لكن هل ما يحصل هو ممارسة لها؟". وتحدث وزير الخارجية جان عبيد ومن ثم وزير الصحة العامة سليمان فرنجية، الذي قال ان سورية تتعرض الى حملات قاسية ومدروسة، ولا يجوز ان "نمزح" في هذا الخصوص وعلينا الإسراع في تطبيق القوانين. وبنتيجة المناقشات المستفيضة تقرر بدءاً من تاريخه تطبيق القوانين على هذا الصعيد، وعدم التراخي امام حملات التجني، وطلب احد الوزراء ان تتدخل النيابة العامة حيال اي تشهير بدولة صديقة او عربية، فتدخل الوزير طبارة مؤكداً ان النيابات العامة تخضع له ولا بد من تحديد السقف السياسي لعملها في تطبيق القانون اكان الأمر متعلقاً بالإعلام المرئي ام المسموع ام المكتوب. الضمان والخلوي وبالنسبة الى التعيينات في الضمان، سلك التفاهم الذي حضر له بري طريقه الى التنفيذ وأضيف عضو سني آخر الى اللجنة الفنية في هذا المرفق، مع الإقرار بتحسين الشروط لاحقاً للسنّة من خلال اسناد مديرية الإدارة والتدريب الى سني. وفي شأن الهاتف الخلوي، تقرر فك الارتباط بين إعداد الصيغة القانونية الرامية الى اكتتاب الجمهور في القطاع لدى خصخصته وبين متابعة الإجراءات الخاصة بإخضاع إدارته الى الرقابة، من دون ان يتطرق المجلس الى مصير العقد الخاص بإدارته الذي ينتهي في نهاية هذا الشهر ما يعني انه سيخضع للتمديد التلقائي. كما قدمت على هامش المناقشة مداخلات قانونية لوزير العدل وأخرى إدارية للحريري الذي رغب بتصويب الجانب الإداري منها تحسباً للوقوع في اخطاء إدارية وبإيجاد تسوية لمسألة المعدات التي تم شراؤها قبل تشريع الموافقة على مراقبة ادارة الخلوي... لكن وزير المواصلات جان لوي قرداحي عارض معظم المقترحات مع ان وزراء ابدوا تفهماً لوجهة نظر الحريري الذي عاد وقال انه لا يمانع ولا مشكلة عنده في اقراره. وبكلام آخر اراد الحريري ان يسجل تحفظه بهدوء من دون ان يطيح بالأجواء التوافقية، كما حرص نائبه عصام فارس على ابداء عدد من الملاحظات، في مقابل لجوء وزراء من تيارات مختلفة وأحزاب عدة الى الاستيضاح عما اذا كانت مراقبة الوقت الذي تستغرقه المكالمات، يمكن ان تفتح الباب في اتجاه التنصت... وفي هذا الصدد سأل بعض الوزراء عن مصير المراسيم التنظيمية لقانون التنصت التي كانت اقرتها سابقاً لجنة وزارية برئاسة فارس، فحسم النقاش بكلام للحود قال فيه ان لدى معظم بلدان العالم انظمة للتنصت وهي خاضعة للقوانين ولا مانع امامنا من اتباعها شرط ان تكون محمية بالقانون ولأغراض تتعلق بحماية الأمن العام وبالكشف عن الجرائم. ووافق المجلس بالإجماع على البند المتعلق بالموافقة لقيادة الجيش على تطويع ضباط، بينما حصل نقاش في البند الآخر الخاص بتطويع خمسة ضباط للأمن العام سنوياً، بدأه ممثل حركة "امل" الوزير ايوب حميد طالباً التريث بذريعة انه لا يجوز تفويض مديرية اجراء التطويع التلقائي سنوياً من دون العودة الى مؤسسة مجلس الوزراء. وأيده زميله علي حسن خليل الذي استفسر عما اذا كان التطويع التلقائي سيحول دون اتاحة الفرصة امام الرتباء في الأمن العام في الإفادة من الترقية لرتبة ضابط بعد اجتيازهم الامتحان. وتدخل وزير الداخلية الياس المر موضحاً ان التطويع يأتي من ضمن خطة اعدتها المديرية لتطوير الجهاز وتعزيزه بدءاً من اعادة تنظيمه وطالباً تأييده...لكن خليل اصر على موقفه، وسأل عن مصير الخطة الهادفة الى اعادة النظر في تنظيم الأجهزة ومن بينها إلحاق مديرية امن الدولة بسلطة الوزير بدلاً من ان تبقى تابعة لرئاسة الحكومة... وكان لافتاً ان الحريري لم يحرك ساكناً حيال هذا الموضوع واكتفى بتوزيع "ابتسامة هادئة" صوب الوزراء... خلافاً لتدخله عندما انقسم الوزراء على مسألة التطويع بين مصرّ على البت فيه الآن وبين رافض له، فاقترح ان تكون الصيغة البديلة البت فيه الآن او التأجيل. ثم طلب لحود طرح هذا البند على التصويت على اساس هذا الاقتراح ولوحظ ان الوزراء فوجئوا لأنهم كانوا على علم مسبق باستبعاد التصويت على اي بند من البنود وانتهى التصويت بتأجيل البحث فيه، فعارض التأجيل المر والقرداحي وعبدالله فرحات وخليل الهراوي وعبدالرحيم مراد وعاصم قانصوه وسيبوه هوفنانيان والدكتور كرم كرم وطلال ارسلان، في مقابل تأييد اكثرية الوزراء، بينما اقترع عبيد على طريقته واقترح تأجيل المشكلة! علماً ان الوزير كريم بقرادوني وقف الى جانب التأجيل مسجلاً بذلك خروجه عن صمته طوال الجلسة.