بعد تسع جلسات طويلة، استغرقت ستة أيام متقطعة، نصفها في عقد عادي نهاية أيار مايو الماضي ونصفها الثاني بعد 17 يوماً على فتح العقد الاستثنائي، أقر مجلس النواب اللبناني مشروع الموازنة للعام الجاري. وحفلت الجلسات بمناقششات عاصفة وسجالات حامية تفتقت عن مفاجآت في كثير من القضايا والملفات. وتخللت الجلسات تحالفات جديدة ومواجهات فجرت مواقف وكشفت فضائح، منها ما هو معلوم ومنها المستتر. ما دفع برئيس المجلس النيابي، نبيه بري، الى القول إنها "جلسات عجائب وغرائب". وانتهت الجلسات الى ابقاء ثلاثة ملفات معلقة، احيلت كسابقاتها الى الزمن لحلها. فلا التنصت حسم أمره، ولا قرصنة التخابر الدولي سلكت الطريق القانوني، ولا أقرت مناطق اعتمادات انماء. كيف بدأت جلسات الموازنة هذه وكيف انتهت الى ما انتهت اليه بعد المخاض العسير؟ كانت مفاجأة الجلسات النيابية الأولى ظهور تباين علني داخل الحكومة حين اعترض وزير العمل، علي قانصو الحزب السوري القومي الاجتماعي، على نص فذلكة الموازنة الذي تلاه وزير المال فؤاد السنيورة، وتضمن اشارة الى نية خصخصة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وهو تحت وصاية وزارة قانصو. وجاء هذا الموقف على رغم المساعي الحثيثة التي قام بها رئيس الحكومة رفيق الحريري لتدارك اعتراض قانصو وثنيه عن اثارة الموضوع في الجلسة حفاظاً على وحدة الحكومة. أما ما دفع الوزير الى الادلاء بدلوه هذا علناً فهو، بحسب مراقبين، ان قانصو لم يؤخذ رأيه في أسماء الموظفين الذين أقرت شركة طيران الشرق الأوسط صرفهم من الخدمة في اطار خفض نفقاتها. فانتقد نواب معارضون، في مداخلاتهم، ضعف التضامن الوزاري. وبعد مداخلات نيابية تناولت ضرورة تصحيح العلاقات اللبنانية - السورية، واطلاق الحوار، وانجاز المصالحة الوطنية الشاملة، حمل آخرون على الطريقة المتبعة في تأويل الدستور إنفاذ القوانين. وتميزت الجلسة تلك بتعليقات رئيس المجلس، وغمزه من قناة الأجهزة الأمنية. وأذن ذلك بنقل الخلافات "الرئاسية" الى المجلس. وأيقن المراقبون بالأمر حين عرَّض النائب مخايل الضاهر بإبقاء رئيس الجمهورية أحد المراسيم في الادراج ثلاثة أشهر من دون أن يوقع أو يحال الى المجلس النيابي، فقاطعه بري قائلاً: "هذا اذا لم يكن مُرّر الى أحد من المخابرات اللبنانية وبقي ثلاثة أشهر أيضاً"، وأضاف متهكماً: "عليك ان تتنبه الى ان هناك مراجع أخرى...". وفيما غلبت الرتابة على الجلسة النيابية في اليوم الثاني نهاراً، وركزت معظم الكلمات على انتقاد السياسة المالية للحكومة انطلاقاً من الوعود التي قطعتها، خرق النائب محسن دلول هذه الرتابة في الجلسة المسائية بمداخلة حادة حمل فيها بعنف على الحكم والحكام، وهاجم الذين "يعتبرون الدولة ملكاً خاصاً لهم". وتوجه الى "الحكام" قائلاً: "انكم تثيرون خوفنا لأنكم لا ترون أبعد من أقدامكم". ورأى دلول "اننا نسير في جنازة الديموقراطية"، وان الحكم يعطي نفسه "حق اضافة ما يشاء من سرد لوقائع لم تحصل". وفي اليوم الثالث للجلسة العامة واصل نبيه بري هجومه على الأجهزة الأمنية. وكانت المفاجأة الكبيرة في الجلسة المسائية كلام النائب باسم السبع على مسألة التنصت وكشفه أمام المجلس ان "هناك جهة مختصة في الدولة تتنصت وترفع نصوص المكالمات الى بعض كبار المسؤولين". وأكد السبع ان مكالمات معظم السياسيين والرسميين والوزراء والنواب والقضاة والصحافيين الهاتفية تحت الرقابة. وذكر جملة من الأسماء من بينهم السيدين نبيه بري ورفيق الحريري. واتهم الأجهزة الأمنية "بإنهاك عهد الرئيس الياس الهراوي، ومحاولة منع عودة الحريرية، والمجاهرة بوصول الرئيس اميل لحود الى الرئاسة، والمباشرة في اعداد المعركة الرئاسية المقبلة، والتدخل في كل شيء ترغيباً وترهيباً". وقال النائب السبع ان أحد قادة هذه الأجهزة قال في معرض التعليق على مواقف نُسبت الى رئيس الحكومة في شأن احدى عمليات "حزب الله" في مزارع شبعا التي وصفها بعملية "التوقيت الخاطى": "ان الحكومة البديلة جاهزة وحال الطوارئ كفيلة بمعالجة كل التداعيات". واستنزفت كلمات النواب "الخِدْمية" أو الخدماتية والمحلية، والجلسات تنقل وقائعها مباشرة "على الهواء" ويراها الناخبون، الوقت كله، ما حال دون اقرار الموازنة، وفرض ارجاء الجلسة الى موعد لم يحدد. فالعقد العادي للدورة النيابية انتهى منتصف الليلة نفسها، والدستور يبطل استمرار الجلسة، الا بعد فتح عقد استثنائي. وهذا الأمر يحتاج الى مرسوم يوقعه رئيس الجمهورية، وكان اميل لحود، في هذه الأثناء، في زيارة رسمية الى باريس وعاد في اليوم التالي. ومرت أيام ومرسوم الدورة الاستثنائية لم يوقع. فكثرت التعليات والتكهنات. وتزامن ذلك مع الذكرى السنوية لاغتيال الرئيس رشيد كرامي. فحضر نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام لالقاء كلمة في المناسبة. فبدأت المساعي لردم الخلاف بين الرؤساء، ولا سيما بين رئيس المجلس والحكومة. وكان ألقى رئيس المجلس، في قاعة الأونيسكو ببيروت، خطاباً تناول فيه أحد قادة الأجهزة الأمنية. وجال خدام، حين مجيئه الى لبنان، على الرؤساء الثلاثة، واستمع على انفراد الى وجهة نظرهم. وأعقب الأمر لقاء "مصارحة" بين الثلاثة. وتعززت هذه المناخات السياسية، وهي اعتبرت ايجابية، باجتماع لاحق انعقد في مقر الرئاسة الثانية، في عين التينة، بين نبيه بري وقائد القوات السورية في لبنان اللواء عزت زيدان، والمدير العام للأمن العام اللبناني اللواء الركن جميل السيد. وعلى رغم صدور مرسوم رئاسي بالدورة الاستثنائية، لم يحدد رئيس المجلس موعد استئناف مناقشة الموازنة بتاريخ أول العقد. فأوَّل بعضهم الإرجاء هذا رداً على فعل رئيس الجمهورية حين حدد تاريخ العقد وفق ما راه مناسباً. وعزا آخرون الأمر الى مصادفة يوم الثلثاء الذي تلا نشر المرسوم ذكرى اغتيال النائب طوني فرنجية، واضطرار نواب الشمال الى التغيب عن الجلسة. أما بري الذي لم يزر بعبدا، على ما جرت العادة في كل أربعاء، فعللت مصادره ذلك بأن لقاء بعبدا الموسع تناول كل المواضيع، وان موعد الجلسة سيتقرر في الوقت المناسب، وما دام صدر فتح العقد، وظهر ان الحكومة غير مستعجلة، فهذا يعني ان "اللي عند بيت أهله على مهله". ومر الأربعاء الثاني موعد لقاء لحود - بري ولم يلتقيا. فالأول غادر الى المغرب في زيارة رسمية. وحدد الثاني 11 حزيران يونيو موعداً لاستئناف الجلسة. وحبس المراقبون أنفاسهم ترقباً وفضولاً. وسرعان ما تبين ان النار كانت لا تزال مشتعلة تحت الرماد. فتجدد السجال في المجلس، ولم تسلم الأجهزة الأمنية من الانتقاد حين تناول النائب مصطفى سعد موضوع، التنصت مرة ثانية. وقال: "ان الكل يتنصت على الكل. فرئيس الحكومة جلب أجهزة متطورة يتنصت بها على الهاتف الخلوي، ورئيس المجلس يتنصت على النواب". ما أثار حفيظة بري الذي خاطب سعد قائلاً: "ان هذا التعميم في المسؤولية هو لتعمية الموضوع وان الذي زودك بهذه المعلومات هدفه تعمية هذا الأمر حتى تبقى الأجهزة مستمرة في التنصت". وتوالت "الفضائح" في الجلسة الصباحية. فكشف النائب مصباح الأحدب عن "جزر أمنية جديدة" في طرابلس، وسأل الحكومة عما اذا كانت على علم بأن القوى الأمنية لا تستطيع دخول مناطق وأحياء في طرابلس وإلا أطلقت النار عليها. وتحدث النائب الطرابلسي عن قرصنة المخابرات الهاتفية الدولية. فقاطعه الحريري نافياً الأمر. فتدخل بري وأيد كلام الأحدب. ولكن تشهير الأحدب لم يثر لغطاً. عندما انتهى النواب ال71 من مداخلاتهم، في ختام الجلسة المسائية، تجدد السجال. وكانت مناسبته إدلاء رئيس الحكومة برده على ملاحظات النواب وأسئلتهم فأكد التنصت، وقال انه يشمل هاتفه الشخصي، وأعلن عن نية الحكومة تعديل قانون ضبط التنصت لأن الحالي غير قابل للتطبيق، فلقي كلامه اعتراض بعض النواب، الى نبيه بري الذي رأى فيه "مخالفة للنظام البرلماني الديموقراطي". فمن غير الجائز، على ما لاحظ رئيس المجلس، الا تطبق الحكومة قانوناً صادراً عن المجلس. فاعتبر الحريري كلام النواب "مزايدة". فيما أصر نبيه بري وعمر كرامي ونواب على تطبيق القانون الحالي. فرد الحريري بأن الحكومة لم ترفض تطبيقه، وانه مستهدف بالتنصت، وان في البلد "جماعة لديها امكان التنصت على الآخرين". وانبرى النائب انطوان حداد، من كتلة النائب ميشال المر، وقال: "اذا لم تستطع الحكومة تطبيقه فلترحل"، فانتفض الحريري وقال بحدة: "اذا كان الأمر كذلك، فأنا أطلب الآن من وزير العدل سمير الجسر اتخاذ الاجراءات اللازمة وليبدأ من غد صباحاً بتقديم إخبار الى النيابة العامة ضد الذين يخالفون تطبيق القانون"، ضارباً بكفه على المنصة، فعلا التصفيق في القاعة. وتابع الحريري رده على مداخلات النواب. فأقر بصحة معلومات النائب مصباح الأحدب، وكان نفاها صباحاً، وقال: "ان هناك سرقة وقرصنة على التخابر الدولي، وان هناك جهات تستفيد مالياً، وهي مبالغ كبيرة ولو دخلت الخزينة لأسهمت في تنمية المناطق". وقال الحريري ان وزير العدل غير قادر على لجم قراصنة التخابر الدولي، سرى هرج ومرج في الجلسة، واستغرب النواب الكلام، وصفوا الموضوع بالخطير. ومنهم من طلب كشف الأسماء وآخرون طلبوا عقد جلسة استثنائية لبحثه، وتحويله على التحقيق، لكن رئيس الحكومة أبى الكشف عن "القراصنة". فقال بري: اننا نكتشف "غرائب وعجائب في هذه الجلسات". فوعد الحريري النواب بالسعي لحل المسألة، فإذا لم تنجح مساعيها فستأتي الى البرلمان "وتسمى الأشياء بأسمائها". سادت جلسة اليوم الثاني مسألة سرقة التخابر. وأصر نواب على تسمية المسؤولين عنها وملاحقتهم، أياً تكن مواقعهم. وأكد عمر كرامي ان معلوماته عن الموضوع استقاها من وزير الاتصالات السابق عصام نعمان. قال ان السرقات "تكلف الخزينة سنوياً 250 مليون دولار". وروى النائب قبلان عيسى الخوري ان اتصالات وردته وكشفت عن "أسماء كبيرة مسؤولة عن هذه القرصنة". وحمَّل الرئيس حسين الحسيني المسؤولية للحكومة "ما دام انها على علم بالأمر ولم تعلن عنه". وسألت النائبة نايلة معوض: "أليس بمقدور الذي يلحق بنا الى تحت البحر ويتنصت علينا ان يكشف هذه المراكز غير الشرعية...، والذي يستطيع التنصت يستطيع ان يدير موضوع التخابر الدولي". واتهم النائب وليد جنبلاط، وهو واظب على حضور الجلسات الأخيرة، فاعليات سياسية وغير سياسية بالاستفادة. وقال: "هناك مبلغ من المال طار ونريد أن نعرف جواب الحكومة في شأن سرقة هذه الأموال الكبيرة التي تهدر". وفي هذه الأجواء الحامية وجّه النواب سيلاً من الأسئلة الى وزير الاتصالات، جان لوي قرداحي، لمعرفة ما اذا كان على علم بالأمر، وما هي المعلومات التي اجتمعت لديه عن هذا الموضوع، وماذا سيفعل؟ فأقر الوزير بوجود بيع دقائق في التخابر الدولي، كما هي الحال في البورصة، وشرح باسهاب الطريقة المتبعة بواسطة أجهزة تقنية متطورة "من الصعب ضبطها". وأثار كلام قرداحي انه لا علاقة لأحد من الحكومة أو من النواب بمراكز التخابر "المقرصن"، فرد بري بقوله: "عندما يثار موضوع في المجلس فالمجلس هو الذي يعطي براءة للناس وللوزراء ولمجلس الوزراء لا العكس". وطلب من الوزير المختص ايداع المجلس "تقريراً كل 15 يوماً، لنعرف ماذا يجري، وإلا لكل حادث حديث". وكان من ثمار هذه الجلسات تجديد تحالفات سابقة وفك تحالفات قائمة، فتصالح مختلفون واختلف متفقون، وعاد الود بين نبيه بري ووليد جنبلاط بعد لقاء عقد بينهما في مكتب الأول، وحضره الحريري والنائب محسن دلول. ثم عقدت جلسات ودية أخرى، وتصالح جنبلاط مع الأمين القطري لحزب البعث الموالي لسورية، النائب عاصم قانصو، وطبع هذا قبلة على وجنة جنبلاط بعد طول فراق تخللته سجالات قاسية في شأن موقف جنبلاط من اعادة الانتشار السوري. واعتبر قانصو ان ما حصل أصبح من الماضي. وظهرت قوة التحالف بين بري والحريري، في وقت توترت العلاقة بين الأخير ونواب "حزب الله"، بعد كلام الحريري على قرصنة التخابر. وزادت الاعتصامات التي نفذت بالجملة في ساحة النجمة مع انعقاد الجلسة، وما رافقها من كلام نابٍ وهتافات لاذعة طاولت الحريري، الأمر حدة، فاتهم رئيس الحكومة "حزب الله" بتحريك التظاهرات ضده. وظهر فتور العلاقة بين "حزب الله" ووليد جنبلاط بالعودة الى رأي رئيس الحزب التقدمي في عمليات مزارع شبعا، وفي "فضيحة" قرصنة التخابر الدولي. وسبَّب الأمران عاصفة بين الكتلتين والحزبين. وكان نواب بعلبك - الهرمل، ومعظمهم من "حزب الله"، تقدموا باقتراح قانون يخصص مبلغ 300 بليون ليرة لانماء منطقتهم. وإذا بالنائب عمار الموسوي يكتشف توالد اقتراحات بمبالغ كبيرة متقاربة لمناطق الشمال وكسروان والعاصمة والشوف وعاليه وغيرها. فلم يجد التوالد بريئاً. وقال، غامزاً من قناة رئيس الحكومة، إن وراء هذه الاقتراحات "مايسترو كبير واحد.. فلماذا الجبل الآن، على رغم اننا مع تنمية كل المناطق، وكنا أول المؤيدين لإعادة اعماره؟". فطلب جنبلاط الكلام ورد قائلاً: "يبدو ان الموضوع أخذ بعداً سياسياً... أنا أطلب سحب اقتراحي حتى لا يفسر بأننا ضد انماء بعلبك - الهرمل، كما حصلت تفسيرات من شبعا فنازلاً، لأن هناك بعض المسيئين يستغلون كلامنا ويسيئون التفسيرات، أنا لا أقصد بكلامي الأخوة في حزب الله". وأتم جنبلاط كلامه: "يوجد صحون لاقطة وأجهزة استخباراتية، هذه الأموال يجب أن تصرف لإنماء المناطق وتستعاد من الجهات النافذة". فرد الموسوي بكلام قاسٍ: "من المعيب الحديث عن شبعا وعن جزر أمنية وعن الفيزا الى ايران، ما دخلنا بذلك، نحن أشرف ناس ولا نسمح لأحد بأن يزايد علينا وطنياً، نحن حررنا الوطن بدمائنا، ونعرف أين كانت الجزر الأمنية، ومن رفض سلطة الدولة، وأين كانت تذهب الأموال". ولكن رئيس المجلس حال دون تفاقم الخلاف وعلّق الاقتراح الى آخر الجلسة. ولكن موقف كل من جنبلاط والموسوي أثار تساؤلات عما أجج الموقف. وتعليقاً على هذه المواقف يزعم "أهل العلم" ان المناخ السياسي الجديد يتجاوز كل "الفضائح" والخلافات التي تفجرت في أكثر من جلسة. وهم يعزون الأمر الى المصالحة التي تمت بين جنبلاط وبين كل من قانصو وبري، وحياد الأخير في الصراع الذي دار بين جنبلاط والحريري من جهة و"حزب الله" من جهة ثانية. وقد ينجم عن المصالحات هذه محور ثلاثي يجمع بري والحريري وجنبلاط، يقابله محور آخر قوامه "الحزب" وشخصيات على صلة بالعهد، نظراً لعلاقة "الحزب" الوثيقة بالرئاسة الأولى. وعشية انتهاء الجلسة تسارعت الاتصالات واللقاءت للجم التصعيد وخصوصاً على جبهة "حزب الله" - الحريري، وجبهة "حزب الله" - جنبلاط. فنصحت قيادات سورية بضرورة لقاء مصارحة عاجل بين "الحزب" ورئيس الحكومة، برعاية نبيه بري، خشية امتداد رقعة التوتر التي سادت العلاقة بين "الحزب" وجنبلاط. فرأي القيادات السورية ان "المرحلة الحالية تتطلب وفاقاً رئاسياً مهما كانت الكلفة السياسية كبيرة على هذا الطرف أو ذاك لأن الواقع معقد وخطر ولا يحتمل أي مغامرات سياسية". وخلت الجلسة الأخيرة من الحدة التي اتسمت بها الجلسات السابقة. وسبقها صباحاً اجتماع في صالون الرئاسة بين نبيه بري ورفيق الحريري وبين عدد من نواب "الحزب" أفضى الى مخرج للمشكلة التي اشتعلت جراء الاقتراحات "التنموية" المتكاثرة. وقال عمار الموسوي ل"الحياة" انه كان لدى الحريري انطباع بأن "الحزب" هو الذي حرك التظاهرات في ساحة النجمة، "فأوضحنا له اننا ندعم المطالب العمالية لكننا لم نحرك التظاهرات، وعندما سمعنا كلاماً نابياً من بعض المتظاهرين خرجنا اليهم وقلنا ان هذا غير مقبول". وتعهد الحريري برنامجاً انمائياً شاملاً، ونقل بري نتائج الاتفاق الى الجلسة قبل اقرار الموازنة، وقال ان الحكومة بصدد انجاز برنامج انمائي متوازن يشمل كل المناطق من دون استثناء، في مهلة اقصاها آخر تشرين الأول اكتوبر المقبل، على أن يبدأ التنفيذ فور اقراره، ويمول من قروض بقيمة بليون و800 مليون دولار، منها 700 مليون متوافرة وغير مخصصة لمشاريع بعد، ويمكن الافادة منها. فوافق "حزب الله" على هذا الحل، وقال الموسوي: "ان الذي سمعناه من رئيسي المجلس والحكومة نأخذه كالتزام ونثق بقطعيته وفي امكان تطبيقه". وأحيلت الموازنة على الاقتراع فأقرها 82 نائباً وهم يقلون 13 نائباً عن الذين منحوا الحكومة الثقة حين تشكيلها قبل سبعة أشهر، من 95 نائباً حضروا الجلسة. وكان نواب "حزب الله" من الممتنعين من الاقتراع. والتبس الأمر على مسعود الحجيري، النائب في كتلة "الحزب"، فلم يعلن موقفاً سلبياً ولا ايجابياً، وقال ل"الحياة": "ان الكتلة لم تطلعه على طريقة التصويت وعندما نُودي على اسمه وقع في حيرة فآثر عدم الادلاء بصوته" وعلق رفيق الحريري على نتائج الجلسات قائلاً: "إنها كويسة. الموازنة مشيت وكان الله يحب المحسنين". فيما أبدى نبيه بري ارتياحه "لما عكسته الجلسات من أجواء ديموقراطية".