عندما ترجل نجم المياحي من السيارة التي كان يستقلها في إحدى ضواحي بغداد الشيعية الفقيرة قُتل بدم بارد، شأنه في ذلك شأن العشرات من أعضاء حزب "البعث" منذ سقوط النظام العراقي. وقال والده عبدالله، الذي كان يجلس في الخيمة التي اقيمت أمام منزله لتلقي العزاء بنجله: "اقسم بروحه انه لم يؤذ أي عراقي على رغم كونه بعثياً". وأضاف: "لم يتسبب بالأذى لأي شخص. لقد كان بريئاً". وتحول الغضب الذي ظل يضطرم في صدور الشيعة الذين يسكنون في مدينة الصدر الفقيرة طوال عقود من المعاملة الوحشية على يد حزب "البعث"، إلى موجة من عمليات القتل بعدما عانى سكان تلك المنطقة من اضطهاد وقمع نظام صدام حسين. وقال مسؤولون طبيون إن عشرات البعثيين قتلوا أو اصيبوا بجروح خطيرة في الأسابيع الماضية. وأضافوا ان تلك الأعداد في ازدياد في اطار موجة من عمليات انتقام ينفذها عراقيون ضد من اضطهدوهم في السابق. وقال علي سلمان، موظف الاستقبال في قسم الطوارئ في مستشفى "القادسية": "وردتنا 60 إلى 70 حالة خلال الأسابيع الثلاثة أو الأربعة الماضية، من الصعب احصاء الحالات". وأضاف: "في بعض الأحيان يكون بين هؤلاء أشخاص نعرف انهم من اعضاء البعث في الحي. وفي بعض الاحيان تقول لنا عائلاتهم ذلك او نسمعه من الناس". وأبرز سلمان صورة لجثة ملطخة بالدماء لشاب اصيب برصاصة في العنق وبرصاصتين في الظهر. ويعتبر مصير حزب "البعث" أحد المسائل الشائكة في عراق ما بعد الحرب. وكان الحزب يدير أجهزة استخباراتية واسعة تقوم على الخوف حيث كان المخبرون يجعلون من تعليق بسيط سببا لاصدار حكم بالسجن أو ما هو أسوأ من ذلك على أي شخص. وابان حكم صدام حسين كان من شبه المستحيل الترقي في أي وظيفة من دون أن يكون الشخص عضواً نشطاً في حزب "البعث"، وأصبح من الصعب الآن التفريق بين من انضموا الى الحزب لأسباب هامشية وبين من لعبوا أدواراً رئيسية في النظام الديكتاتوري. وأمرت الادارة الاميركية كوادر "البعث" بتسليم أنفسهم، بينما دانت المجموعات السياسية العراقية التي تعمل لتشكيل حكومة، عمليات القتل التي يتعرض لها أعضاء الحزب. وقال غوران طالباني من "المؤتمر الوطني العراقي: "لا نوافق على عمليات الانتقام ... انهم يطبقون عدالتهم الخاصة وهذه مسألة لا نوافق عليها". ولا تقتصر عمليات القتل على المناطق الشيعية. فقد قتل المغني داود القيسي الذي مجد النظام البعثي والجيش في أغانيه بعدما اطلقت عليه النار في منزله وسط بغداد السبت الماضي. إلا أن الجثث تتراكم في منطقة الصدر التي يعيش فيها نحو مليوني شيعي يعانون من الفقر. وقال كاظم عبود، الذي يعمل في قسم الاستقبال في مستشفى "الشوادر": إن عدد عمليات القتل يتزايد … لقد رأيت بنفسي أربعة أو خمسة قتلى الأسبوع الماضي، وانا اعمل في نوبات من ست ساعات فقط". وقال انه تم احضار جثة أحد البعثيين وابنه المراهق الذي هوجم هو الآخر واصيب بجروح خطيرة. واصيب الاثنان بطلقات في الرأس. وأضاف عبود: "تأتي عائلات البعثيين الذي لم يقتلوا لاخراجهم من المستشفى، لأنهم يخشون ان يعود المسلحون للاجهاز عليهم". وأوضح ان "عدداً ممن تعرضوا لاطلاق النار كانوا قدموا تقارير استخباراتية عن جيرانهم. أنا لا استغرب. ونتوقع جميعاً الكثير من العمليات الانتقامية". ويساعد في تسهيل عمليات القتل الأسلحة المتوفرة في شوارع بغداد حيث تعرض للبيع كميات كبيرة للبيع.