أثارت زيارة وزير الخارجية الايراني، كمال خرازي لأنقرة أول من امس تساؤلات في الأوساط السياسية حول مغزاها وتوقيتها، في وقت بدا واضحاً ان تركيا صارت محور اتصالات دولية واقليمية، تركز على البحث في مستقبل العراق بعد الحرب. ويرى مراقبون ان تركيا التي تشعر بالقلق من الخطط الأميركية في العراق، تريد ابقاء قنوات الحوار مفتوحة مع كل الأطراف المعنية، لا سيما ايران وسورية، بسبب شعورها بالحاجة الى حشد تأييد اقليمي كافٍ لها، في حال تطورت الأوضاع في شمال العراق في شكل يؤدي الى قيام دولة كردية، على رغم كل التطمينات التي قدمتها واشنطن. وتشير أوساط الى ان فكرة قيام محور تركي - ايراني - سوري ، وفق ما طرحه خرازي على أنقرة، قبل اسبوعين، كانت قابلة للتحقق، والتحول الى تكتل يحظى بدعم فرنسا والمانيا وروسيا، لولا ان اجهضتها زيارة وزير الخارجية الاميركي كولن باول لأنقرة، والتي انتهت بتفاهم تركي - اميركي واسع يغطي قضايا خلافية بين واشنطنوأنقرة، فضلاً عن التفاهم على الدور الاقتصادي والسياسي لتركيا في عراق ما بعد الحرب. وكانت التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية التركي عبدالله غل، أثناء زيارة باول، وتأكيده ان تركيا "عضو في التحالف" ضد العراق، أثارت مخاوف في المنطقة، لا سيما لدى ايران وسورية في وقت لم تحسم الحرب بعد. وفاقمت هذا الشعور الاتهامات المتكررة التي وجهتها واشنطن اخيراً لكل من سورية وايران بأنهما تساندان العراق، مع تهديدهما بتحمل المسؤولية، في وقت بدا واضحاً ان تعيين الجنرال المتقاعد جاي غارنر حاكماً للعراق، سيعني ان حليفاً متواطئاً مع اسرائيل سيمسك بشؤون العراق وادارته وموارده وقواته التي سيعاد تنظيمها بعد انتهاء الحرب. ويفسر هذا الأمر الى حد بعيد، قول خرازي في أنقرة أول من امس ان طهران تأمل بألا تنفذ واشنطن سياسات اسرائيل في الشرق الأوسط، مع تحذيره ضمناً من ان "مستقبل العراق غامض". وعلى رغم عدم تعليق المسؤولين الاتراك على تعيين غارنر، لكنهم لا يكتمون في مجالسهم الخاصة شعور انقرة بالخوف من تأثيرات المشروع الفيديرالي الذي سُيطبق في العراق، وسيقسمه منطقتين، واحدة عربية واخرى كردية، مع اعطاء الأكراد حق ان يكون لهم دستور وعلم وحكومة ونشيد وطني ومحاكم وجيش وشرطة واجهزة استخبارات ولغة قومية، وهي جميعاً مكونات تمهد للحظة انفصال كامنة تعتقد انقرة انها ستؤدي الى نواة دولة كردية تمتد بين ايرانوتركيا وسورية والعراق. وينتظر ان يزور غل دمشق الأحد المقبل، بعدما تمنت أنقرة على سورية توجيه دعوة رسمية اليه، ويتوقع ان يجري مع نظيره السوري فاروق الشرع جولة محادثات "صريحة" قد تساهم في تبديد شكوك سورية التي تنامت في الأسابيع الماضية، ومردها عدم اقتناع دمشق بحقيقة المبررات التي يستند اليها الموقف التركي في تعامله مع الاميركيين، وعدم الثقة بجدية حكومة رجب طيب أردوغان في انتهاج طريق اكثر مواءمة مع مصالح دول الجوار، بدل استجابة الضغوط الاميركية والتذرع بمسايرة واشنطن، بدعوى الرغبة في حملها على اعتماد سياسة اقليمية اكثر ايجابية. ويعتبر المحللون الأتراك ان تركيا، مثل بقية دول المنطقة، ترى ان عراق ما بعد الحرب، سيلعب دوراً أساسياً في رسم التوازنات الاقليمية، نظراً الى كونه سيتحول قاعدة اقليمية تتدخل من خلالها واشنطن مباشرة في أوضاع منطقة الشرق الأوسط، وسياسات دوله. واعتبر ديبلوماسي غربي ان انتهاء الحرب سيعني "شروع الولاياتالمتحدة في بناء نظام اقليمي جديد"،.ورأى ان "المناورات السياسية اليوم، بما في ذلك مواقف باريس وبرلين وموسكو، تندرج في اطار العمل لمنع واشنطن من تحويل انتصارها العسكري، في حال اكتمل، الى نصر سياسي يفتح الباب أمام هيمنتها على الشرق الأوسط، ويُلقي بكياناته السياسية في دوامة من التنازلات السياسية والعسكرية المستمرة". وقال ان تركيا التي لم تتجاوز عقدة شكوكها العميقة في حقيقة نيات الولاياتالمتحدة والتي تتخوف من "مشروع اميركي - اسرائيلي" لدعم دولة كردية في شمال العراق تكون معادية للعرب والأتراك والايرانيين، وتمتد بين هذه الكتل القومية الثلاث، لا تريد ان تحصر الأوراق السياسية التي تمسك بها بالتفاهم الحالي مع واشنطن. واستنتج ان القيادة السياسية والعسكرية في تركيا تريد، لهذا الغرض، ابقاء الأبواب مفتوحة مع دول الجوار والدول الكبرى المعارضة لسياسة الولاياتالمتحدة لحشد الدعم اللازم لموقف انقرة في حال سارت الأمور في العراق والمنطقة في منحى سلبي لها، وأدت الى تقسيم العراق، وهو ما تعارضه ايضاً بشدة طهرانودمشق. وفي هذا الاطار، ينتظر ان يصل الى أنقرة قريباً، وزيرا خارجية فرنسا والمانيا دومينيك دوفيلبان، ويوشكا فيشر اللذان التقيا عبدالله غل في بروكسيل الخميس الماضي. ويعتقد ان هدف هذه المحادثات سيكون تحقيق نوع من التفاهم الأوروبي - التركي الذي يتلاقى مع تفاهم تركي - ايراني - سوري حول كيفية التعامل مع عراق ما بعد الحرب، ونظام الحكم الذي تريد واشنطن اقامته، علماً ان طهران رفضت الاعتراف به. ويعتقد ان الاتصالات الدولية والاقليمية التي تتقاطع في أنقرة، ستؤدي الى تعميم هذا الرفض، بانتظار ان تعطى الأممالمتحدة الدور الأول في تكوين النظام الجديد في العراق، والذي يخشى الأتراك ان يتحول الى رأس حربة ضد دول المنطقة.