الحرب في العراق مستمرة، وأصبح واضحاً أن أحد أبرز أهدافها هو النفط. فسيطرة الولاياتالمتحدة على ثاني أكبر مخزون نفطي في العالم يضع في يديها الأدوات اللازمة لتعزيز سيطرتها وقيادتها الوحيدة لشؤون العالم السياسية والاقتصادية والعسكرية. فلا يكفي ان تكون الآلة العسكرية الأميركية منتشرة في معظم القارات بحيث باتت على حدود الصين وعلى تماس مع روسيا في أكثر من جبهة. هناك حاجة الى أن تمسك الولاياتالمتحدة بالشريان الحيوي الخليجي لفرض ارادتها وشروطها على الاتحاد الأوروبي الصاعد والحؤول دون تشكيله قوة منافسة أو موازية أو موازنة. كما أن الامساك بهذا الشريان يوجه ضربة قاصمة لأوبك ويعطيها القدرة على التحكم بأسعار النفط. هذا التحكم يجعل روسيا، بإنتاجها النفطي والغازي تحت رحمة الأميركي القادر على تحديد السعر المناسب الذي يجعل موسكو باستمرار في حاجة الى المساعدات المالية. قيل الكثير عن أن نفط افريقيا وآسيا الوسطى يمكن ان يشكل بديلاً من النفط العربي والخليجي عموماً مع نفط إيران. حتى ان مساعد وزير الطاقة الأميركي قدّم في مؤتمر "أوساكا" في السنة الماضية أمام وزراء أوبك عرضاً لأهم مصادر النفط التي ستعتمد عليها الولاياتالمتحدة مستقبلاً. وغيّب من اللائحة نفط الشرق الأوسط. ولكن يجمع الخبراء وفي طليعتهم خبراء وكالة الطاقة الدولية الأميركية على ان نفط الشرق الأوسط والخليج سيبقى المصدر الأساسي للأسواق العالمية للعقود المقبلة. ولا جديد في القول ان نفط العراق يستطيع أن يمد أميركا بحاجاتها من الزيت لقرن كامل. هذا وحده كافٍ للتدليل على ان أحد أبرز الأهداف من الحرب الأميركية - البريطانية الدائرة هو نفط العراق. وتشير معلومات مجلس "ميس" النفطية الواسعة الاطلاع على الأوضاع النفطية في العراق الى ان جزءاً أساسياً من القطاع النفطي في العراق أُنقذ من التخريب. فحقول النفط في جنوبالعراق لا تزال سليمة الى حد كبير، واستطاعت شركة النفط الكويتية اطفاء حرائق في حقل الرميلة على الحدود مع الكويت وهي تقوم مع شركة "بوتس أند لوتس" الأميركية بإطفاء الحرائق في الآبار. وتبحث الادارة الاميركية الآن عن مدني أميركي لادارة الشؤون النفطية في عراق ما بعد صدام حسين. وهي اتصلت بممثل أميركي لإحدى الشركات الأميركية التابعة ل"شل" وأيضاً برئيس سابق ل"موبيل" الأميركية للنظر في إمكان تسليمه ادارة النفط في عراق أميركي مستقبلي. وإضافة الى أن النفط من بين أبرز أهداف الحرب، هناك هدف آخر مهم جداً لادارة الرئيس الأميركي جورج دبليو وهو تأمين نظام في بغداد موالٍ للولايات المتحدة يستطيع الحد من قدرة بعض العرب الممانعين للشروط الأميركية والاسرائيلية لتسوية القضية الفلسطينية ويشكل حاجزاً دون مواصلة الجمهورية الاسلامية أداء دور فاعل في تسوية هذا الصراع، فضلاً عن ان "الطوق" الأميركي يكتمل على سورية. الا ان "النفط أولاً" لادارة الرئيس بوش قد لا يسير وفق الخطة المرسومة لو طالت الحرب على عكس الحسابات الأميركية. فالعراق من مؤسسي منظمة أوبك للدفاع عن اسعار النفط. والنفط العراقي عصب أي نظام عراقي مقبل، فلا يمكن الادارة الأميركية الا في حال احتلت البلد لسنوات عدة ان تسيطر على السياسة النفطية العراقية على المدى الطويل. أما الدول الخليجية النفطية الكبرى التي تربطها علاقات صداقة قوية بالولاياتالمتحدة فلها سياسات نفطية مستقلة مبنية على مصالحها وقرارها سيد. وعدم استخدام هذه الدول سلاح النفط لمجابهة حرب الولاياتالمتحدة يأتي من حرصها على ان يبقى النفط مصدراً أساسياً وحيوياً في العالم على ألاّ يُبحث عن بدائل له قد تخفض من قيمته الأساسية بالنسبة اليها. فالسيطرة على نفط العراق لن تكون مهمة سهلة للولايات المتحدة حتى لو نجحت خطتها في وضع نظام جديد، لأن الشعب العراقي مثل الشعوب العربية الأخرى لن يتمكن من السيطرة على سعره مثلما كان في الماضي تحت الامبراطوريات الاستعمارية قبل تأميم النفط.