لم تكن العناوين التي اختارتها الصحف العبرية على صدر صفحاتها الأولى أمس مفاجئة، وبدا أنها استعدت لهذا اليوم وهي التي طبلت وزمرت للحرب على العراق وتابعت أدق تفاصيلها في انتظار انتصار أميركي أيقنت أن تحقيقه ليس سوى مسألة وقت، وأسهبت في الحديث عن الأهداف المعلنة والأخرى المضمرة إسرائيلياً من إطاحة نظام "ثاني أهم بلد عربي". وتنافست الصحف لتعبر عن الفرحة الإسرائيلية العارمة بانهيار النظام في بغداد، ولجأ محرروها إلى الغرف من قاموس لغوي عسكري وضعته منذ حربها الأولى، واختارت "يديعوت أحرونوت" كلمة واحدة "الانتصار"، وجاءت "معاريف" أيضاً بعنوان من كلمة واحدة "تحرير"، ونشرت الصحيفتان، كما "هآرتس"، صورة كبيرة لتمثال الرئيس العراقي وهو يتهاوى، وكتبت الأخيرة "بغداد في أيدي الأميركيين" و"هزة أرضية في بث مباشر". وأطلق كبار الصحافيين العنان لأقلامهم، وكتب سيفر بلوتسكر في افتتاحية "يديعوت أحرونوت" ان بغداد لم تسقط، بل نهضت من كابوس طاغية وحشي دام عشرات السنين: "لم تسقط بغداد بل أفاقت على يوم جديد. بغداد لم تُهدم بل نهضت من بين الأنقاض". وتابع ان اقامة نظام ديموقراطي في العراق ستستغرق وقتاً طويلاً، لكنها ستتسبب في هزة أرضية في منطقة الشرق الأوسط برمتها. ورأى الكاتب ان ما حصل في بغداد يثبت حقيقة أن الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي ليس هو "مشكلة" العالمين العربي والإسلامي، وإنما الأنظمة الديكتاتورية غير الديموقراطية التي تتحكم بها، مضيفاً ان ازاحة أحدها قد يؤدي إلى مصير مماثل لباقي هذه الأنظمة، فيتداعى الواحد تلو الآخر "في سورية وإيران والسودان وليبيا والشرق الأوسط". ورأى آري شبيط في "هآرتس" ان شرق اوسط جديداً ولد في بغداد في التاسع من نيسان لكن ليس بمقدور أحد أن يرسم ملامحه، مضيفاً: "سيكون شرق أوسط مختلفاً عن ذاك في السنوات الخمسين الماضية ولن يتحكم فيه طغاة متحجرون وفاسدون". ويتابع ان الاميركيين الذين خططوا ونفذوا "حرب تحرير العراق" جديون في متابعة المشوار "من دون شفقة أو عواطف"، وأنهم يرون في ذلك مهمة حياتهم ممنوع الفشل فيها "وعليه فإن دمشق مستهدفة ... والقاهرة ايضاً والمستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة وسيخضع الشرق الأوسط بأسره لعمليات الجراحة الاميركية ليشعر على جلده مباضع الجراحين الاميركيين من المحافظين الجدد". وكتب الخبير العسكري في الصحيفة زئيف شيف انه الى جانب نشوة الاميركيين ب"النصر الرائع والسريع" ينبغي عليهم الآن فرض القانون والنظام في العراق مع ادراكهم ان الحسم العسكري لا يعني انتهاء المعارك "وملقاة عليهم الآن مهمة بالغة الأهمية تتمثل بتمشيط جذري للعراق للعثور على أسلحة غير تقليدية ويمكن العثور عليها غرب بغداد أو في أجزاء من شمال العراق". وأضاف ان "محاولة لحل النزاع الفلسطيني ستلي الحسم العسكري في العراق على غرار ما حصل عام 1991 بعيد حرب الخليج الثانية، لكن من دون تكرار أخطاء الماضي... فاسرائيل ستضطر الى التسليم بحقيقة ان الخطوة المقبلة لن تقتصر فقط على حصولها على معونات اميركية وضمانات لقروض انما ايضاً بقبولها خريطة الطريق المتعلقة بحل النزاع". الى ذلك، وخلافاً للتوقعات قرر وزير الدفاع شاؤول موفاز الإبقاء على مستوى التأهب العالي في صفوف الجيش وعدم الغاء التعليمات للمواطنين بحمل الكمامات الواقية للغازات حيث يحلون وتجهيز الغرف المحكمة الاغلاق بزعم ان تهديد الصواريخ العراقية على الدولة العبرية ما زال قائماً لأن غالبية المواقع المشبوهة بوجود صواريخ فيها غرب العراق لم يتم فحصها. في المقابل تقرر تسريح آلاف من جنود الاحتياط الذين تم استدعاؤهم للخدمة العسكرية بأوامر طارئة عشية اندلاع الحرب على ان لا يشمل التسريح نحو الف جندي في سلاح الطيران الذي يواصل تسيير دوريات في الاجواء الاسرائيلية على مدار الساعة. عزل سورية ورأى المسؤول الاعلامي في الجيش الميجر جنرال عاموس غلعاد ان احدى نتائج الحرب على العراق افتقاد سورية خلفيتها الاستراتيجية وعزلها من الاتجاهات كافة، مضيفاً في كلمة القاها في تل ابيب امس انه ينبغي حصول تغيير في سورية التي "تتبنى سياسة رعاية الارهاب الدولي لتحافظ على مكانتها من خلال ايوائها اهم التنظيمات الارهابية في الشرق الاوسط وتشجيع العمليات العسكرية ضد اسرائيل". وتابع ان ايران ما زالت عاقدة العزم على القضاء على اسرائيل وتسعى الى امتلاك قدرات نووية لتحقيق غايتها و"ابطال مفعول قدرات اسرائيل النووية التي تدعي ايران انها تملكها"، مضيفاً ان اسرائيل لا يمكن ان توافق او تقبل بأن تمتلك "دولة معادية" اسلحة نووية، زاعماً ان ايران تبذل جهوداً كبيرة لدعم "النشاطات الارهابية" ضد اسرائيل "كما كانت ضالعة في عمليات تفجيرية في تل ابيب اوقعت 23 قتيلاً اسرائيلياً". وقال المسؤول العسكري الذي يشغل ايضاً منصب منسق شؤون الاحتلال ان ثمة تشابهاً كبيراً بين الرئيس ياسر عرفات وصدام حسين، وان الاول "مدمن" على رؤية اختفاء اسرائيل "لانه لن يتنازل ابداً عن حق عودة 300 ألف لاجئ فلسطيني الى تخوم اسرائيل عام 1967". وختم غلعاد بالدعوة الى مساندة ورعاية التغيير الحاصل في وعي الشعب الفلسطيني الذي يمثله محمود عباس ابو مازن والذي يدعو الى وقف "الارهاب" لما فيه مصلحة الفلسطينيين "ما يعني ايضاً عدم تراجع اسرائيل عن موقفها القائل بأن الرئيس عرفات ينبغي ان يبقى ليس ذا صلة وان لا يمسك بزمام السلطة".