بلغة هادئة وبعيداً عن أي رغبة في الخوض في جدل عقيم، قال الرئيس الفرنسي جاك شيراك "لا للحرب" التي تعد الولاياتالمتحدة لشنها على العراق، وبدا عبر مقابلة تلفزيونية تابعها 17.5 مليون فرنسي، زعيماً عازماً على لعب دوره وترك بصماته على الساحة الدولية. وصحيح ان المداخلة، وهي الأولى التي يدلي بها شيراك منذ بداية الأزمة العراقية، توجهت أساساً الى الشعب الفرنسي، لكن توقيتها في ظل السباق الديبلوماسي الدولي جعلها محط ترقب العالم أجمع. وتحدث شيراك مدركاً أن معركة الرأي العام الدولي حسمت لمصلحته، وأنه في مرتبة متقدمة على صعيد مواقف التأييد الرسمية التي يحظى بها من دول عدة، فاتسم كلامه بالثقة الفائقة اضافة الى البساطة وروح المسؤولية. وأوضح شيراك أسباب معارضته للأعمال العسكرية على العراق انطلاقاً من قناعته بأن "مواصلة عملية التفتيش" كفيلة بنزع التسلح العراقي وايضاً تغيير النظام لأن "الديكتاتوريات ليس بوسعها الصمود في ظل الشفافية" التي يفرضها نزع التسلح. وبالتالي فإن أي قرار ينص على "انذار" أو مهلة زمنية محددة لنزع أسلحة العراق، لن يكون محل قبول فرنسا ولا يحظى في الوقت الحالي بغالبية بين أعضاء مجلس الأمن. وفي حال توافر مثل هذه الغالبية، فإن شيراك يرى "فرنسا ستصوت سلباً" على أي مشروع قرار جديد، لأن "الحرب اليوم ليست حتمية" ولأنها تبقى "آخر الخيارات واثبات فشل وأسوأ الحلول". وتعمد شيراك في مداخلته الحديث بأسلوب تفصيلي عارضاً الأزمة العراقية منذ بدايتها ومؤكداً ان "أول المنتصرين في الحرب" في حال وقوعها هم "الارهابيون الذين يتمنون المواجهة والصدام بين الحضارات والديانات". وأبدى حرصاً بالغاً على التخفيف من شأن الآثار التي قد تترتب على اختبار القوة الدائر حالياً بين فرنساوالولاياتالمتحدة، فأشار الى ان فرنسا "ليست بلداً مسالماً ولا معادياً للولايات المتحدة"، واستبعد إمكان وقوع خلاف على المدى الطويل بين الشعبين الاميركي والفرنسي. واعتبر ان هذا الخلاف لا يلغي واقع التحالف القائم بين فرنساوالولاياتالمتحدة، التي سيكون بإمكان طائراتها التحليق في الأجواء الفرنسية في حال الحرب، فهذا برأي شيراك "أمر طبيعي كوننا حلفاء". وفي ما يمكن اعتباره بمثابة مخرج للولايات المتحدة، رأى شيراك ان نشر القوات الأميركية في المنطقة أدى أهدافه بحمله النظام العراقي على التعاون مع المفتشين وان "الاميركيين الآن في موقع المنتصر"، وان تحقيق الهدف الذي تجمع عليه الأسرة الدولية "من دون خوض الحرب لا يعني فقدان ماء الوجه". وتلقت الطبقة السياسية الفرنسية بمختلف اتجاهاتها حديث شيراك بالتأييد الشامل، فعبر وزير التربية الاشتراكي السابق جاك لانغ عن تأييده لموقف شيراك "بنسبة مئة في المئة"، ودعا الفرنسيين "جميعاً للالتفاف حول الرئيس". وصرح رئيس الكتلة النيابية الشيوعية في البرلمان آلان بوكيه انه "فخور بفرنسا وبموقفها في اطار هذا الجدل الأليم"، فيما قال رئيس الجبهة الوطنية جان - ماري لوبن انه "أخذ علماً بالعزم الفرنسي على استخدام الفيتو ضد أي قرار يجيز استخدام القوة بحق العراق". وفيما توالت مواقف التأييد من الغالبية اليمينية الحاكمة يمكن القول ان شيراك أضفى من خلال تعامله مع الأزمة العراقية بعداً جديداً على شخصيته، ما حمل بعضهم في الوسط الاعلامي لتشبيهه بالرئيس الراحل شارل ديغول.