على رغم الأهمية التي تحظى بها "الفرانكوفونية" لدى الرئيس الفرنسي جاك شيراك الذي يصل غداً الخميس إلى بيروت بعد محادثات في الاسكندرية مع نظيره وصديقه الرئيس المصري حسني مبارك، يهيمن العراق وموقف فرنسا من مشروع القرار الأميركي على جولة الرئيس الفرنسي إلى المنطقة. فمن لبنان يتوجه شيراك إلى سورية حيث يلتقي الرئيس بشار الأسد، ثم إلى الأردن حيث يختتم جولته يوم الأحد بلقاء مع الملك عبدالله. والسؤال اليوم هو إلى أي مدى يمكن لفرنسا أن تمضي في معارضتها للسياسة الأميركية في العراق؟ فالرئيس الفرنسي شرح وردد وأصر على أن الحل الوحيد يقضي بإعطاء العراق فرصة أخيرة، بالتعامل معه عبر قرارين، يشدد الأول على ضرورة نزع السلاح العراقي والسماح بعودة المفتشين الدوليين بأسرع وقت، ويكرس الثاني لتقويم ما حققه المفتشون برئاسة هانز بليكس. فإذا تبين أن بليكس غير راضٍ عن نتائج مهمته، ينبغي عندها بحث الاجراءات المناسبة التي يتوجب اعتمادها والتي لا تستبعد فرنسا في إطارها إمكان اللجوء إلى القوة ضد العراق. لكن الموقف الأميركي، على رغم اتصال شيراك بالرئيس الأميركي جورج بوش في الأسبوع الماضي وعلى رغم التواصل الدائم بين وزيري الخارجية الفرنسي دومينيك دوفيلبان والأميركي كولن باول، ما زال يتمسك بقرار دولي واحد يجيز اللجوء التلقائي إلى القوة ضد العراق. وإلى جانب فرنسا، تعارض روسيا والصين، وكليهما مثل فرنسا من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، مشروع القرار الأميركي. فإلى أي مدى تستطيع هذه الدول، خصوصاً فرنسا، الاستمرار في مخالفتها لموقف الامبراطورية الأميركية التي تتقدم على طريقة "المحدلة" منذ 11 أيلول سبتمبر ضمن مسار يقضي بتأديب العالم على كيفها؟ ففرنسا مصرة على موقفها لأنه التزام بالمبادئ الدولية، لأن التراجع عن هذه المبادئ يلحق الضرر بالعلاقات الدولية، ولأن إقدام دولة واحدة على قلب نظام لا يرضيها، سيرسي سابقة مفادها أن كل شيء مجاز لدولة واحدة. وفرنسا في الوقت ذاته مدركة لخطورة التسلح العراقي، ولذا فإنها تصر على عودة المفتشين بأسرع وقت. لكن الهدف الأميركي مختلف، ويقضي بتغيير النظام حتى إن لم يكن هذا مدرجاً ضمن مشروع القرار الأميركي المعروض على مجلس الأمن. فهل باستطاعة فرنسا وقف المحدلة الأميركية؟ إن فرنسا ليست دولة عظمى وإنما دولة أوروبية وحليف مهم للولايات المتحدة. وهذا ما كان أكده المبعوث الأميركي مارك غروسمان لمحاوريه الفرنسيين، حين قال إن انضمام فرنسا لمشروع القرار الأميركي مهم جداً. لكن شيراك مصر على موقفه. فإذا قررت الولاياتالمتحدة خوض الحرب لوحدها ضد العراق لقلب النظام، فإن النتائج على المنطقة وعلى أوروبا ستكون خطيرة. فكما قال مسؤول عربي رفيع في حديثه لمسؤولين أميركيين: "إذا أردتم مفتشين في العراق، فلا أرى كيف ستحصلون على ذلك بقصف البلاد والاحتلال وتغيير النظام". وأضاف: "مهما كانت أسلحتكم ذكية، فإن السؤال يبقى قائماً حول قدرتكم على التمييز بين قتل العراقيين السيئين والصالحين. فلم اقرأ في التاريخ ان نظاماً فرضته قوة عسكرية محتلة تمكن من البقاء بعد انسحاب القوة المحتلة". إلا أن سياسة المحدلة الأميركية لا تبالي بهذه الاعتبارات العربية، ولا الفرنسية، فهي قررت التحرك لقلب النظام وبعد ذلك ستفكر بالمستقبل. أما فرنسا فإنها في مأزق، فهل باستطاعتها التمادي في خلاف جوهري مع حليف أساسي لها؟ وهل ستحتفظ لنفسها بدور دولي في المستقبل إذا تصدت للمحدلة؟ وإلى أي مدى يمكنها الإصرار على موقفها والبقاء على علاقة ثقة وصداقة مع الولاياتالمتحدة؟ الرئيس الفرنسي يدرك كل هذا، وهو يخصص وفريق عمله ساعات عمل طويلة للملف العراقي، فيما يمارس سفيره في الأممالمتحدة جان دافيد ليفيت بلباقته المعهودة أصعب مهماته الديبلوماسية. ويبقى السؤال: هل تصمد فرنسا؟