حسين فهمي نجم بكل المقاييس، عاش العصر الذهبي للسينما، ولمع وسط كبار نجوم الفن، ولعب بطولات افلام دخلت تاريخ الفن السينمائي في مصر من أوسع أبوابه وأصبحت من كلاسيكيات السينما العربية، ولكنه في الفترة الاخيرة أدار ظهره للسينما التي يقول إنها لا تناسبه في هذه الفترة واتجه بكل ثقله الى التلفزيون الذي يعتقد انه مكانه المناسب، وان الشاشة الصغيرة هي التي تمكنه من توصيل احاسيسه ومشاعره الى جمهوره. واستطاع عبر مجموعة من الادوار المتميزة ان يحول هذه الشاشة الصغيرة الى شاشة عملاقة. عندما بحثت عن شجرة عائلتك وجدت فيها شخصيات سياسية، فإلى اي حد اثرت هذه الشخصيات في حياتك؟ - انا مولود في بيت سياسي، فجدّ جدي هو محمود باشا فهمي كان يشغل منصب رئيس مجلس شورى القوانين والجمعية العمومية وهي الهيئة الحاكمة في مصر ايام السلطان حسين والتي وضعت كل القوانين التي يعمل بمعظمها حتى الآن، كما ان جدي محمد باشا فهمي كان ناظر الخاصة الملكية وعضو مجلس الشيوخ، وأحد مؤسسي حزب الاحرار الدستوريين، وأبي كان سكرتير مجلس الشيوخ ودرس العلوم السياسية في باريس، وأخي حسن رحمه الله كان سفيراً في الخارجية. كما كان جدي من ناحية والدتي وهو ابراهيم بك زكي يعمل مستشار القضاء وعضو حزب الوفد. ونتيجة لتربيتي في بيت سياسي فإن السياسة تجري في دمي، وكان سياسيو مصر قبل الثورة دائماً في بيتنا، وكانت المناقشات طوال الوقت تدور حول السياسة، وكانت عائلتي وطنية جداً وتعمل على مقاومة الانكليز. إذ كان حزب الاحرار الدستوريين وهو حزب السرايا التابع للملك يعمل ضد الانكليز وكان السياسيون يقفون الى جانب الملك كرمز للدولة ضد المحتل. لماذا اتجهت الى الفن على رغم نشأتك في بيت سياسي؟ - كانت لي ميول فنية منذ كنت طفلاً، وكان لأبي أصدقاء في مجال الفن امثال يوسف وهبي ونجيب الريحاني، وكانوا يأتون الى المنزل، وكل يوم خميس كانوا يدعوننا لمشاهدة مسرحية من المسرحيات، كما كانوا يدعوننا لحضور عروض الاوبرا الاجنبية، لذلك نشأت في بيئة ثقافية فنية الى جانب السياسة، لهذا تجدني لم افصل طوال حياتي بين الفن والسياسة، وأرى أن الفنان سياسي بطبعه وبتكوينه. على من نطلق كلمة فنان؟ - الفنان هو الشخص الموهوب الذي تكون عنده رؤية مستقبلية وأحاسيس مرهفة، وهو رومانسي بتركيبته، والانسان الرومانسي هو انسان ثوري لأنه يتطلع الى الافضل دائماً، ويسعى الى الاحسن، ويريد تغيير هذا وذلك، والتغيير فيه ثورة، على العكس مما يعتقد الناس من ان الانسان الرومانسي بعيد من الاحداث، فأنا تركيبتي هكذا نتيجة، اولاً احساسي بالفن الذي يجري في عروقي الى جانب الحياة السياسية التي عشتها في بيت اهلي والتي اخرجتني بتركيبة ارى انها منطقية جداً أن الفنان لا بد من أن يكون له موقف سياسي. هل تتذكر محطات من طفولتك، أو من مرحلة دراستك الابتدائية؟ - كل ما استطيع ان اتذكره عن هذه الفترة ان الاستيقاظ مبكراً كان مشكلة كبيرة بالنسبة إليّ، أما عن زملائي في المدرسة فنجحوا وأصبحوا اساتذة كباراً في مجالات مهمة مثل الهندسة والطب وعلوم الذرة. وكانت المدرسة التي تعلمت فيها هي مدرسة مصرية صرفة، لأن والدي درس في مدارس مصرية نتيجة لأننا كنا ضد الانكليز، ورفض ان يدخلني مدرسة اجنبية، وكانت هناك موضة في ذلك الوقت اسمها المدارس الاجنبية او الفرنسية، ولكن اهلي رفضوا، وكان يتم تعليمنا اللغات في المنزل ولم ندرس في هذه المدارس الاجنبية. ما الذي تعلمته من والدتك التي كانت ضابطة في الجيش المصري؟ - والدتي كانت نموذجاً لسيدة المجتمع بمعنى الكلمة، وأحب أن اصحح مفهوم كلمة سيدة مجتمع، لأن الناس تفهم هذه الكلمة بشكل خاطئ، فالناس ترى سيدة المجتمع على انها سيدة سهرات، ولكن سيدة المجتمع هي التي تخدم المجتمع، وهذا ما تعلمته من والدتي التي كانت مؤسسة جمعية مشوهي الحرب التي كان يرأسها محمد نجيب ايام حرب 1948، وكانت والدتي ضابطة في الجيش المصري برتبة يوزباشي نقيب حالياً، وكان من بين اعضاء الجمعية خالتي عزيزة هانم زكي وكانت تعمل أيضاً ضابطة برتبة صاغ رائد حالياً، وكانت معهما في هذه الجمعية مجموعة من اميرات الاسرة المالكة، كما كانت والدتي تعمل في جمعية تحسين الصحة والهلال الاحمر، وأذكر جيداً انه في حرب 1956 كانت والدتي وزميلاتها يقمن بصنع الجوارب للجنود العائدين من الجبهة وكنت ارى هذه الاشياء بنفسي، اذاً فهذه هي سيدة المجتمع كما رأيتها وهذه نقطة يجب توضيحها للناس لأنهم يفهمون ان سيدة المجتمع تقضي وقتها في السهرات والليالي الملاح. والدتي مثقفة ومتعلمة، ودرست في فرنسا وكانت تقرأ كثيراً، وعلمتني كيف اقرأ وكيف افتح المراجع والموسوعات وكيف ابحث بنفسي عن أي معلومة اريدها. ما هي قراءاتك؟ - انا قارئ نهم جداً، وكل كتاب يقع تحت يدي اقرأه، ولي اهتمامات عدة جداً بالقراءة، فقرأت في الفن السينمائي كثيراً جداً، وقرأت في السياسة وفي الدين، وقمت بعمل دراسات مقارنة في الاديان والفلسفات المختلفة مثل البوذية والهندوسية والزرداشتية، وأنا مهتم جداً بكل ما يحدث حولي، وقرأت في علم النفس والفلسفة، ولا يوجد مرة اسافر فيها خارج مصر إلا وأشتري كتباً في كل المجالات. كيف ترى الغزو الثقافي الفضائي؟ - الغزو الثقافي الاجنبي اليوم يأتينا من الفضائيات بشكل مكثف ومرعب في بعض الاحيان. والناس اليوم للأسف بدأت تبتعد عن القراءة وبخاصة الجيل الجديد، فقد تغيرت تكنولوجيا العصر بشكل كبير، وأصبح كل شيء يتم من طريق الانترنت والكومبيوتر، وأصبحت معلومات الناس ضحلة فلا يوجد من يقرأ الآن او يتعمق في أي شيء، وكل شيء اصبح مثل الهامبورغر، معلومات كلها ناقصة وسطحية، وهذا شيء مخيف جداً. ما رأيك في كثرة الفضائيات؟ - هي ظاهرة غير صحية على الاطلاق، لأنها اصبحت في غاية "الهيافة"، وعندما تكون هناك احداث خطيرة على الساحة العالمية اتابعها في الفضائيات الاجنبية، وأجد الفضائيات العربية كلها رقصاً وغناء وفراغاً. وأعتقد أن الهدف من بعض الفضائيات العربية الطعن في دول عربية اخرى، فلا تزال بعض الدول العربية مقيدة جداً في حرية الرأي وطرح الآراء المختلفة ومناقشة الآراء الاخرى، في حين ان العالم كله خرح من هذه البوتقة وهذا ما اعتبره خطراً جداً على الجيل الجديد، فأنا اجد اختلافاً كبيراً بين الطفل العربي والطفل الغربي، فالطفل الغربي امامه مجالات غاية في التقدم. ما هو أصعب قرار اتخذته؟ - أصعب قرار كان بقائي في أميركا بعد هزيمة 1967 أو العودة إلى مصر لأنني كنت موجوداً في الولاياتالمتحدة للدراسة عندما وقعت الهزيمة وكانت مصر في حال يرثى لها، ووجدت نفسي في حيرة بين البقاء في أميركا والاستمرار في حياتي هناك أو الرجوع إلى مصر وكانت فترة صعبة جداً ومكثت فترة طويلة حتى قررت أن أرجع. سفير نيات حسنة ما هي قصة اختيارك سفيراً للنيات الحسنة؟ - أنا سفير نيات حسنة للمنطقة العربية، سفير إقليمي إلى جانب كوني سفيراً محلياً، وهذا الاختيار تم من جانب أمين عام الأممالمتحدة كوفي أنان شخصياً، وأنا أعتبر الوحيد سفيراً إقليمياً للدول العربية كلها وهذا يتم بناءً على المعلومات التي تجمع عن الشخص وترسل الى مكتب أمين عام الأممالمتحدة، ويأخذ قراراً فيها، وبحكم كوني سفيراً منذ خمس سنوات، فأنا مسؤول عن التنمية وما يعوق التنمية، والألغام وحقوق المرأة والمخدرات وسوء استخدام الأطفال، فكل هذا يقع ضمن اختصاصاتي. ما سبب غيابك عن السينما؟ - السينما الآن تمر بمرحلة لا تصلح لنا كنجوم يحترمون أنفسهم. فأنا لا استطيع تقديم النوعية الموجودة حالياً في الأفلام. السينما المصرية طوال عمرها غنية بالمواضيع القيمة، أما الآن فأنواع الأفلام تنحصر في نوعية معينة، وأصبحت لا تنتج سوى ستة أو سبعة أفلام في العام، وهذا لم نتعود عليه من قبل، وفي النهاية لا توجد الأدوار التي يمكن أن يلعبها نجم كبير له تاريخه. وأعتقد أنني أجد نفسي في التلفزيون في هذه الفترة، فهناك أدوار مكتوبة بشكل جيد، وهناك منتجون على مستوى جيد، وهذا أفضل لي. هل يغضبك أن يقال إن حسين فهمي تلفزيوني وليس سينمائياً؟ - حسين فهمي نجم وكفى. ليس مهماً تلفزيوني أو سينمائي. واليوم العصر تغير. فالمشاهد يرى كل شيء وهو في منزله ولا يحتاج الى أن يذهب إلى مكان آخر، فالتلفزيون طغى على السينما، وأنا أعتقد أنه في خلال عشرين عاماً لن تكون هناك سينما. ما آخر أعمالك؟ - أقوم حالياً بتصوير مسلسل اسمه "الامبراطور" وأجسد فيه شخصين: الأول الأب نعمان وهو فلاح أباً عن جد يعشق الزراعة ويربي ابناءه على القيم والمبادئ والمُثل العليا، والثاني الابن أحمد الذي ورث الكثير من صفات والده، ولكنه يسلك طريقاً آخر، فهو يعشق التجارة حتى يصبح واحداً من كبار رجال الأعمال ويلقب بالامبراطور.