القاهرة - "الحياة" - زيزي البدراوي واحدة من الفنانات البارزات ومنذ ما يقارب الأربعة عقود، ضن عليها الحظ في السينما بعد مجد كبير ولكن التلفزيون فتح لها قنواته، فصارت إحدى نجماته. وفي كل ذلك لم يتغير فيها شيء، ونجحت في أن تثبت وجودها وتفرض نفسها بالهدوء نفسه الذي تتكلم به. اشتهرتِ بدور الفتاة الهادئة الطباع، المغلوبة على أمرها، كيف تفسرين ذلك؟ - ما زالت لدينا مشكلة "قولبة النجم" وهي أنه عندما تنجح فنانة في دور معين فإن الأدوار التي تعرض عليها بعد ذلك تكون على المنوال نفسه، وهذا ما حدث لي. وأذكر أنني في بداياتي الفنية حاولت تغيير هذا المفهوم ونجحت عندما أديت دور "عنف وشر" مع زبيدة ثروت، لكن الفيلم لم ينجح، للأسف اعتبرت بعد ذلك بأنني لا أصلح إلا للون الأول، أي لون الفتاة البريئة الحزينة، ولا أنكر أنني عانيت من هذا "الخط" الذي حاصروني فيه والذي تطور بعد ذلك إلى أدوار الزوجة العاقلة وكذلك الأم. لمواجهة ذلك اعتمدت أخيراً التنويع في ادواري التلفزيونية. فهناك مسلسل اسمه "الاخطبوط" أديت فيه دور شريرة تقوم بتدبير المؤامرات، وهناك مسلسل اسمه "العيب" أديت فيه دورة سيدة مستهترة وظالمة. خصام مع السينما هل يفسر ذلك، "الخصام" الدائم بينك وبين السينما؟ - هذا صحيح إلى حد كبير، فمعظم الأدوار هناك متشابهة. وإضافة لذلك هناك مشكلة أخرى إذ قبلت دائماً الدور الثاني في معظم أدواري للسينما، في الوقت الذي أرفض فيه دور بطولة ليس بذي قيمة، ومن هنا ربما اعتقد البعض أنه لا بد من أن أؤدي دائماً الدور الثاني. وحينما اتجهت للتلفزيون وجدت نفسي في الأدوار الجادة ذات المضمون الفكري العميق، ما يشعرني بأنني حققت شيئاً،. وهذا لا ينفي أنه في حال وجود نص جيد فإنني لن أتوانى عن تقديمه، فبدايتي كانت في السينما. باعتبارك واحدة من رومانسيات السينما... هل تغيرت ملامح الرومانسية؟ - رومانسية أيام زمان لا تعوض، فمن ذكريات الشباب العزيزة تلك التي كانت مرحلة الحب الحقيقي في الزمن الذي كان يسمح بالرومانسية، وكنت وقتها وجهاً جديداً، ورشحني عبد الحليم حافظ لبطولة فيلم "البنات والصيف" وكانت العلاقة بين فريق العمل رائعة: حب وصداقة وعشق العمل. أما الآن فلا أعتقد أن الرومانسية ممكنة في هذا الزمن الصعب المزدحم، ولذلك أنا اشفق على شباب هذا الجيل وفتياته، هؤلاء الذين يحبون ولا يجدون شقة ليتزوجوا فيها. الرومانسية جزء من تكويني الشخصي وهي ملتصقة بي سواء في حياتي الخاصة أم من خلال الأعمال الفنية التي قدمتها. وأعتقد أن من أسباب نجاحي في بداياتي الأولى أنني قدمت على المسرح أو في السينما شخصيات أقرب ما تكون إلى طبيعتي وتركيبتي الشخصية، وكانت البداية على المسرح عندما قدمت في مسرحية "شيء في صدري" دور ابنة الموظف الفقير الذي يحاول صديق والدها التقرب منها على رغم فارق السن الكبير بينهما، ثم أديت دور "أوفيليا" في مسرحية "هاملت"، وربما كانت هاتان المسرحيتان أبرز أعمالي في المسرح. ثم أديت بعد ذلك دوراً في مسرح الريحاني في "مئة تحت الصفر" إخراج السيد بدير، ثم "عالم كداب" مع علي سالم وكرم مطاوع، وبعدها "هاللو دوللي"، وبعدها "أولادنا في لندن". وعلى الشاشة الكبيرة قدمت شخصية "مريم" في فيلم "بين القصرين" وهي فتاة رومانسية تبحث عن الحب مع ابن الجيران. كما قدمت أيضاً في فيلم "أحنا التلامذة" شخصية الفتاة الفقيرة التي اعتدي عليها، وعلى رغم أن هذه الأدوار كانت في بداياتي الأولى وكانت صغيرة إلا أنها حققت شهرتي ووضعتني على أول طريق النجاح لأن المشاهد شعر بصدقي. وربما يكون ما حققته من نجاح في هذه الأدوار هو سبب انتقالها معي إلى الشاشة الصغيرة. ولكن على أي حال أنا لا اتخلى عن طبيعتي فالفنان كيان واحد لا يتجزأ. انتقلت إلى التلفزيون وأنت نجمة سينمائية، هل أثر ذلك على هذه النجومية؟ - أنا أرى أن العكس هو الصحيح، فالتلفزيون قادر على أن يصنع نجوماً، بل انه قادر أيضاً على أن يحافظ على نجومية أي فنان يعمل فيه، والتلفزيون أصبح الآن من الضرورات التي لا غنى عنها في كل بيت، لذلك هو يضيف إلى الفنان ولا يأخذ منه، فمثلاً لم يتخيل أحد أنني يمكن أن أجسد شخصية كوميدية في مسلسل تلفزيوني بعنوان "اللحظة الجهنمية" من إخراج حسن بشير. وعلى فكرة أنا لست "كوميديانة" ولكن الكوميديا جاءت في هذا المسلسل من بعض المواقف، ومنها مثلاً أنني لعبت شخصية "رجل" عندما تطلب الموقف مني ذلك. واهم أدواري التلفزيونية شخصية الأم في مسلسل "المال والبنون" وهو النقلة التي قدمتني الى الناس في هذا الإطار، وهذه الشخصية صاغها باقتدار المؤلف محمد جلال عبد القوي، ونفذها برؤية عصرية المخرج مجدي أبو عميرة. كذلك هناك شخصية نجاة هانم المجاهدة في الجزء الثاني من مسلسل "ليالي الحلمية" وهي أيضاً شخصية أم. شكل الأم وكيف اختلف شكل الأم على الشاشة بين الماضي والحاضر؟ - شخصية الأم اختلفت لأن إيقاع الحياة تطور وتغير، ولكن هناك مفاهيم لهذه الشخصية لا تتغير. فما زالت الأم الفقيرة المنكسرة تعيش في عالمنا، وكذلك الأم الارستقراطية. ولكن اسلوب تقديم هذه الشخصية لا بد من أن يختلف، فالأم في مجتمعنا سيدة "مودرن" تضع الماكياج وتذهب الى "الكوافير" وحتى الأم في القرية أصبحت تغير من لون شعرها، وهي تبالغ اليوم في استخدام "الحنة" خصوصاً أن معظم الامهات خرجن للعمل. يقولون إن كثرة ظهور الفنان على الشاشة الصغيرة تجعل الجمهور لا يشتاق اليه؟ - هذه مقولة غير صحيحة، العمل الجيد الهادف قادر على أن يحقق لنفسه النجاح وسط الجمهور في كل زمان. ولماذا لا نقول إن كثرة ظهور الفنان تجعل بينه وبين الجمهور نوعاً من الود المتصل؟ لماذا ننظر دائماً إلى نصف الكوب الفارغ؟ تصور معي لو لم يكن هناك التلفزيون، هل كان من الممكن أن تتاح كل هذه الفرص أمام الشباب الجديد؟ لا أعتقد، فالتلفزيون هو البيت الكبير الذي يضم كل الفنانين ويحافظ عليهم ويرعاهم. كيف تختارين أدوارك بعد كل سنوات الخبرة؟ - لا أخطط في اختيار أدواري. ولكن بحكم خبرتي استطيع الحكم على الدور المتميز فأقبله، وأحرص على تقديم الجديد إن توافر لي ذلك. وبصراحة مرت فترة كنت أرفض فيها ادوار المرأة الطيبة المغلوبة على أمرها، فوجدت نفسي بلا عمل. ولكنني بالمصادفة جسدت شخصية الشريرة في سهرة "لقمة القاضي" من إخراج جمال عبدالحميد فنجحت. أنا أحياناً اضطر لمجاملة اصدقائي في الإطار نفسه الذي حوصرت داخله للسيدة الطيبة، واعتقد أن مجموعة أدواري التي جسدتها أخيراً كانت كلها بمثابة قفزات فنية مثل ادواري في حلقات "وراء كل بيت حكاية" وهي حلقات منفصلة، وكذلك في حلقات "يعود الماضي يعود" مع حسين فهمي ومحمد رياض وحسن حسني إذ شهد المخرجون على قدرتي الكبيرة في ادوار التراجيديا، فأنا أبكي بغير "غلسرين"، دموعي تحت أهدابي مباشرة ويكفيني اندماج دقيقة لتنطلق بكل تدفقها وانهمارها. هذه الدموع الطبيعية اطلعتني على الطريق، أيام موضة الأفلام شديدة الكآبة، فلما انحسرت هذه الموضة ظن المخرجون انني لم أخلق إلا للدموع، فابتعدت فترات طويلة عن الكاميرا وعانيت من حبس طاقتي في أعماقي كالبركان. أين أنت من النجومية المطلقة؟ - طوال مشواري الفني لم أسع إلى تحقيق الشهرة أو النجومية، بقدر ما كنت أسعى إلى تقديم عمل هادف يحقق لي الرسوخ، لهذا فإنني أضع اختياراتي الفنية دائماً موضع اهتمامي ليشكل هذا الاختيار إضافة لي ويحسب لي لا عليّ، لذلك أبدو في نظر البعض مقلة في أعمالي، ولكنني فخورة بكل ما قدمت من أعمال وأشعر بمضمونها القريب إلى عقل المشاهد وقلبه، بدليل انني حققت نجاحاً وشهرة من خلال أدوار صغيرة في بدياتي الأولى وأدوار أخرى كانت علامات مثل "خيال المآتة" في التلفزيون، وهو مسلسل حقق جماهيرية عريضة، وفي السينما كان هناك فيلم "الجبل" لفتحي غانم و"جريمة نصف الليل" و"زقاق السيد البلطي" و"عريس لاختي". هل أبعدت خبرة السنين عنك معاناة القلق؟ - القلق يعني الغيرة على النجاح ومسؤوليته الكبيرة خصوصاً في المحافظة عليه، وطالما ذاق الفنان حلاوة النجاح لا يمكن أن ينسحب القلق من حياته، وجهي قد يبدو أحياناً عابساً مكشراً لكنني صافية القلب. لمن تقرأين؟ - بحسب حالتي المزاجية، ابتداء من القصص البوليسية الخفيفة وحتى أكبر الادباء.