الاسعار في مصر زادت بنسبة 35 في المئة في المتوسط لكل المنتجات مقارنة باسبوعين ماضيين، ويهل عيد الاضحى ويحاول الناس نسيان واجباتهم ويقولون: "هل يمكن شراء الاضاحي في هذا الغلاء الفاحش؟… نحن لم نشتر ملابس للعائلة ويكفينا شراء خضار ولحوم وأسماك بأسعار مضاعفة عن العام الماضي". سعر صرف الدولار أمام الجنيه هو الموضوع الغالب في كل بيت مصري، ويتوقع ان يظل الدولار "سيد الموقف" في السوق المصرية على رغم سياسة تحرير الصرف التي أعلنتها الحكومة في 27 الشهر الماضي. وبات الناس يراقبون تحركات العملة الاميركية ويشعر مكتنزوها بأنهم في أمان على عكس مكتنزي العملة الوطنية الذين تأثروا بحدة خلال الفترة الماضية، وهؤلاء يمكن تصنيفهم بمحدودي الدخل حتى لو كانت مدخراتهم في البنوك مليون جنيه مصري، فمئة ألف دولار كمدخرات افضل من المليون بالعملة المحلية، فالاولى الى ارتفاع في السوق المصرية والثانية الى هبوط، اذ فقد الجنيه أكثر من 60 في المئة من قيمته امام الدولار منذ عام 1997. وعلى اعتبار ان مصر في موسم انعاش السوق، أي عيد الاضحى المبارك الذي تكثر فيه حركة البيع والشراء، والذي يأتي بعد نحو شهرين من عيد الفطر وعيد الميلاد، ما يؤدي الى ارتفاع اسعار بعض السلع، الا ان الأمر هذه الايام مختلف تماماً فالزيادة شملت كل السلع حتى التي تُباع حسب سعر الدولار المركزي السابق 464 قرشاً باتت تباع بسعر الدولار الحالي 570 قرشاً كما هي الحال أمس. وعلى سبيل المثال، ارتفع سعر الخروف ووصل الكيلو الى 14 جنيهاً مقابل 11 جنيهاً قبل اسبوعين بسبب زيادة اسعار العلف قبل بداية الموسم، اذ زاد طن الذرة الشامية من 950 الى 1260 جنيهاً وطن العلف البلدي للماشية التبن من 470 الى 690، ما يعني أن متوسط سعر الأضحية الواحدة سيكون 550 جنيها، وهو مبلغ كبير قياساً بحال الركود التي تعاني منها الاسواق. ونتيجة ذلك يكون سعر الاضحية زاد بنسبة 28 في المئة على العام الماضي ويتوقع ان يرتفع في وقفة العيد الى 35 في المئة. وشجع هذا على انتشار نظام البيع بالتقسيط، إذ يتم بيع الاضحية بمقدم وباقي ثمنها على شهرين. وفي ما يتعلق بالمنتجات الغذائية، زادت الاسعار بنسبة 18 في المئة على العام الماضي وتشمل الالبان بأنواعها والسمن والزيت والشاي، فيما بقي السكر على حاله لكن يتوقع ارتفاع سعره بنسبة 15 في المئة في غضون يومين. أسعار الاجهزة الكهربائية زادت بنسبة 11 في المئة والبوتاغاز الغاز للاستعمال المنزلي زاد بنسبة 16 في المئة وجهاز الفيديو المستورد 12 في المئة واجهزة الاستقبال الرقمية ريسيفر ارتفعت بشكل جنوني بنسبة تتجاوز ال35 في المئة. ويبرر التجار موقفهم ويعتبرون الزيادة طبيعية وتعوِّض التجار عن خسائر لحقت بهم في الأعوام الثلاثة الماضية بسبب تضارب سوق الصرف، إذ اشتروا الدولار من السوق الخفية ويتحملون الفرق بين البنوك والسوق الخفية. وتسعى الحكومة بكل هيئاتها الى حض المستهلك على التجاوب مع قرارات رسمية وعدم الانصياع الى مروجي الازمات واشعال الموقف. وعلى رغم ان الحكومة حددت اسعاراً لسلع معينة ضرورية للمواطن، الا ان التجار واصحاب المخازن الكبرى السوبر ماركت لم يستجيبوا لذلك. وعلى رغم تأكيد لجنة الاسعار التابعة للغرف التجارية على استقرار السوق قبل العيد وبعده إلا أن الواقع عكس ذلك. ووجد التجار مبرراً لزيادة اسعار السلع وهو زيادة سعر الدولار أمام الجنيه، لكن ما فضح امرهم أن الزيادة شملت ايضاً سلعاً محلية ليس فيها مكون اجنبي. ورب الاسرة "مغلوب على أمره" وهو واقع تحت ضغوط هائلة في مقدمها أن حاجاته الضرورية باتت أكبر من دخوله وعليه البحث عن مصادر رزق عدة لوفاء التزاماته. والغريب أنه بات يشعر ان عملة بلاده لا قيمة لها: "يعملوا ايه ال500 ملطوش إللي أنا باخدهم من الحكومة شهرياً، الدولار لم يبق لنا شيئاً". ويعاني المصريون وفي القاهرة خصوصاً من ارتفاع الأسعار غير المعقول، إذ زاد سعر الألبان الجافة بنسبة 20 في المئة واللحوم بأنواعها 15 في المئة والأسماك 27 في المئة، ووصل ارتفاع أسعار الفاكهة باستثناء البرتقال إلى 10 في المئة، في الوقت الذي قل فيه وزن رغيف العيش الخبز الخاص بمحدودي الدخل وكذلك الخبز الأبيض الفينو. كل ذلك أدى إلى إحجام الأسر عن الشراء وفي حال شرائها تكون للضروريات. ويصل متوسط دخل الفرد في مصر سنوياً إلى 1200 دولار. وارتفع سعر الذهب بنسبة 30 في المئة، ما جعل الزبائن مترددين في الشراء، في الوقت الذي زاد إقبال حائزي الذهب على بيعه، ومن ثم زادت حركة التعامل على البيع بنسبة 120 في المئة ولم تزد حركة الشراء على 40 في المئة، ما أدى إلى نقص السيولة في محلات الذهب وبالتالي بدت غير قادرة على تلبية طلبات راغبي البيع. الملابس الجاهزة وبالنسبة لسوق الملابس الجاهزة، اختفى نسبياً زبائن وسط البلد والضواحي التجارية المهمة، وتبدو الصورة في الخارج مزدحمة جداً وفي داخل المحل هادئة وتكاد تكون منعدمة. وأدى ذلك إلى تركيز الاهتمام على سوق "وكالة البلح" الشعبية في ضاحية أبو العلا على كورنيش النيل، إذ يمكن لرب أسرة شراء ملابس أبنائه الأربعة ب200 جنيه مقابل 1000 جنيه في المناطق الأخرى. وحتى فساتين العيد المستعملة زاد الإقبال عليها إذ تكثر الزيجات في هذا الوقت. وأشار المهندس رأفت محمود إلى ظاهرة ارتفاع الأسعار مقارنة بالعام الماضي، قائلاً إن الأسعار لا تناسب امكانات الموظفين الذين يبلغ دخلهم السنوي 1200 دولار في المتوسط. وتساءل: "من يصدق أن ثمن حذاء رياضي لطفل صغير 54 جنيهاً في محل قطاع عام علماً أن راتبي الشهري 450 جنيهاً؟". واستطرد: "ما يزيد الأمر صعوبة تزامن العيد مع قلق في سوق الصرف ونحن مضطرون للشراء، علماً أننا نشتري ألبسة لأطفالنا في الأعياد فقط بعد أن استنزفت الدروس الخصوصية الموازنات. هل تصدق أن المصريين ينفقون 12 بليون جنيه على الدروس فقط، هذا الغلاء يجعلنا نبحث عن الأرخص وهو ما نجده بنسب في سوق وكالة البلح". عروس لا تشتري فستان زفافها من الوكالة وتقول انها تستأجره فقط. وزاد ثمن التأجير من 40 جنيهاً العام الماضي الى 90 جنيهاً 16 دولاراً السنة الجارية مقابل تأجيره لمدة يوم فقط. وأضافت: "لا اهتم بالمظهر بقدر ما اهتم باتمام الزواج الذي تكلف نحو 20 ألف جنيه من أجهزة وحجرتي نوم وصالون اضافة الى ثمن الشقة التي تكلفت نحو 50 ألف جنيه تسدد بالتقسيط". زبون آخر برفقته أربعة أطفال يتمنى ان تجد الحكومة حلاً لهذا الغلاء. وقال: "لا نعرف لمن تكون الشكوى، نحن مرهقون مادياً ومن وقت تحرير الصرف بات الوضع سيئاً نسبياً، الأمور في حاجة الى اعادة نظر وإلا فالمعيشة لمحدودي الدخل ستكون صعبة للغاية" وطالب الحكومة بأن تعتبر انها في حال حرب ضد المضاربين في السوق على أي منتج. وأضاف: "اذا استطعنا شراء ألبسة واحذية من الاسواق الرخيصة فأين نجد سوقاً للمواد الغذائية تريحنا من نار الأسعار. الموظف في حاجة الى أضعاف راتبه الحكومي لمجاراة الاوضاع الاقتصادية المكلفة، وارحمونا من الدولار".