يواجه المستهلك المصري دوراً مهماً يقضي بتجاوبه مع الاحداث ويدرك طبيعة المشكلة التي تمر بها البلاد في مجال موارد النقد الاجنبي. ووجدت الحكومة استجابة لدعوتها قبل شهر في شأن ترشيد التنقلات بالنسبة للحج والعمرة مدعمة بفتاوى الازهر الشريف وعلمائه واعتبرها خبراء الدعوة سبيلاً مهماً للتوعية، إذ ليس هناك داعٍ لمن حج او اعتمر مرة أن يكرر ما قام به في ظل ازمة السوق المصرفية. لكن المشكلة هي من يستجيب بعدما اصبحت اسعار الادوية والغذاء "نار" واصبحت العروس تستأجر فستان الزفة ويدفع الاهل 12 بليون حنيه سنوياً كلفة الدروس الخصوصية! عند رصد سعر الصرف عام 2001 يمكن ملاحظة انخفاض بنسبة 34 في المئة وانعكس كبر حجم الواردات 17 بليون دولار مقابل 2،5 بليون للصادرات على مستوى الاسعار، ففي السنة المذكورة ارتفعت اسعار الدواء 17 في المئة بعد ارتفاع سعر الدولار، وما ينطبق على اسعار الادوية ينطبق ايضاً على اسعار السلع المستوردة، وذلك يعطي توقعاً أن يشهد عام 2002 مرحلة ركود لا بأس بها. ويرى خبراء أنه على رغم نجاح الحكومة في اقناع المؤسسات المالية الدولية الشهر الماضي بسد الفجوة الناتجة عن احداث ايلول سبتمبر التي قدرت ب5.2 بليون دولار، إلا أن المشكلة على المدى الطويل تكمن في ما اذا سيطرأ تحسن، لكن بعض من يعرف بواطن الامور يشكك بذلك. والحديث عن توعية المستهلك تطرق الى ضرورة اقناعه بعدم الاقبال على السلع الاستفزازية، وتشجيع المنتج المحلي بدلاً من الاجنبي. ويبدو أن الحكومة ادركت ذلك فإذا كان الامر يتعلق بإقناع الفرد بأن لا يحج أو يعتمر غير مرة فذلك بحاجة الى جهد خارق كون البعض يعتقد أن ذلك خرقاً لعقيدته، بل ويتساءل هل انتهت مشاكل الحكومة حتى تبحث عن الحج والعمرة؟ مؤتمر شامل وهناك تفكير قائم بعقد مؤتمر شامل على غرار الذي عقد مطلع الثمانينات برعاية الرئيس مبارك شخصياً لانقاذ الاقتصاد من عثرته، وكانت المرة الاولى التي يتم فيها وضع خطط خمسية للتنمية تحدد الاطار الاقتصادي الصحيح للبلاد اعقبه قرارات عدة توجت ببدء البلاد برنامج اصلاح اقتصادياً عام 1991 واجتياز عنق الزجاجة عام 1996. لكن حادث الاقصر الشهير أطاح ببعض الآمال واعقبته زيادة الواردات بصورة رهيبة خصوصاً من جنوب شرقي آسيا بعد انخفاض عملتها، ما أحدث ركوداً حاداً وخلق ازمة سوق صرف وزيادة في سعر الدولار أمام الجنيه، ثم احداث ايلول التي تأثر الجميع بها. والمؤتمر المتوقع سيرعاه البنك المركزي كونه المنظم لادارة نظام سعر الصرف، اضافة الى خبراء واكاديميين ورجال اعمال ونواب برلمان لمناقشة الوضع الراهن والانظمة البديلة لسياسات السعر وتثبيتها إذا كانت افضل من السياسات الحالية، ما يعني ان المؤتمر سيرصد جوانب المشكلة واقتراحات الحلول، والمهمة الاكبر هي حض المستهلك على التجاوب مع قرارات الحكومة وعدم الانصياع الى مروجي الازمات واشعال الموقف. ويبدو أيضاً أن هذا محل شك والدليل ان الحكومة حددت اسعاراً لسلع معينة ضرورية للمواطن الا ان التجار واصحاب السوبر ماركت لم يستجيبوا لذلك، وعلى رغم تأكيد لجنة الاسعار التابعة للغرف التجارية على استقرار السوق قبل العيد وبعده إلا أن الواقع عكس ذلك. 300 ملطوش! ووجد التجار مبرراً لزيادة اسعار السلع وهو زيادة سعر الدولار أمام الجنيه لكن ما فضح امرهم أن الزيادة شملت ايضا سلعاً محلية ليس فيها مكون اجنبي، ورب الاسرة مغلوب على أمره وهو واقع تحت ضغوط هائلة في مقدمها أن احتياجاته الضرورية باتت أكبر من دخوله وعليه البحث عن مصادر رزق عدة للوفاء بالتزاماته، والغريب أنه بات يشعر ان عملة بلاده لا قيمة لها، "يعملوا ايه ال300 ملطوش اللي أنا باخدهم من الحكومة شهرياً، الدولار لم يبق لنا شيئاً". جهاز الإحصاء وفي تقرير مهم اصدره الجهاز المركزي للتنمية العامة والاحصاء قبل أيام أكد ارتفاع سلع معينة في محافظة القاهرة العاصمة في مقدمها البصل والصحف بأنواعها والبلح والموز واللحوم الحمراء الطازجة والرز والدواجن، فيما ارتفعت في الاسكندرية اسعار الطماطم والزبدة وبعض السلع المذكورة سابقاً، والسبب هو ارتفاع الدولار. ويؤكد رئيس الجهاز ايهاب علوي أن الرقم القياسي العام لأسعار المستهلكين سجل ارتفاعاً طفيفاً في كانون الاول ديسمبر الماضي مقارنة بالشهر السابق بلغت نسبته 1 في المئة فقط، ويعود الارتفاع الى زيادة اسعار الألبسة والاقمشة بنسبة 5.2 في المئة فيما سجلت اسعار الطعام والشراب زيادة تصل احياناً الى واحد في المئة، ولم يحدث تغيير في اسعار المواصلات والتعليم والسكن والوقود والاثاث والخدمات ومواد النظافة وغيرها. ومقارنة بالرقم القياسي لاسعار المستهلكين في كانون الثاني يناير 2001 مع الشهر نفسه من العام السابق نجد ارتفاعاً بنسبة 2.2 في المئة، وسجلت اسعار التعليم والثقافة والترفيه اعلى نسبة 2.10 في المئة، في حين سجلت اسعار الملابس والاقمشة نسبة ارتفاع بلغت 7.3 في المئة تليها السلع والخدمات بنسبة 5.3 في المئة. وسجلت اسعار الطعام والشراب والدخان والاثاث ومواد النظافة زيادة بنسبة 1.1 في المئة فقط والمسكن والوقود 3.0 في المئة. وعلى رغم ان التقرير يؤكد ثبات اسعار غالبية السلع الاستهلاكية مع ارتفاع الفاكهة وانخفاض الخضروات إلا أن الشهرين الماضي والجاري شهدا ارتفاعاً بالفعل في غالبية السلع، وكما سبق جاء ارتفاع الدولار مبرراً لدى التجار والمتعاملين مع الاسواق برفع أسعار السلع الضرورية. معاناة ويعاني المصريون وفي القاهرة خصوصاً من ارتفاع الأسعار غير المعقول، إذ زاد سعر الألبان الجافة بنسبة 20 في المئة واللحوم بأنواعها 15 في المئة والأسماك 17 في المئة، ووصل ارتفاع أسعار الفاكهة باستثناء البرتقال إلى 10 في المئة، في الوقت الذي قل وزن رغيف العيش الخاص بمحدودي الدخل وكذلك الخبز الأبيض الفينو، كل ذلك أدى إلى إحجام الأسر عن الشراء وفي حال شرائها تكون من الضروريات، علماً أن متوسط دخل الفرد في مصر يصل سنوياً إلى 1200 دولار. واللافت أن سعر كيلوغرام لحوم الأضحية وصل قبل عيد الأضحى إلى 12 جنيهاً، ولم يهبط السعر بعد موسم الأضاحي والسبب، كما يرى التُجار، هو ارتفاع سعر الدولار الذي يستخدم كعملة رئيسية في شراء غذاء الحيوانات، وهذا سبب مُبرر للابقاء على السعر الحالي حتى لو أحجم المستهلك عن الشراء. وفي سوق الذهب ارتفع السعر بنسبة 30 في المئة ما جعل الزبائن مترددين في الشراء، في الوقت الذي زاد إقبال حائزي الذهب على بيعه، ومن ثم زادت حركة التعامل على البيع بنسبة 120 في المئة ولم تزد حركة الشراء على 40 في المئة، ما أدى إلى نقص السيولة في محلات الذهب وبالتالي بدت غير قادرة على تلبية طلبات راغبي البيع. الملابس الجاهزة وبالنسبة لسوق الملابس الجاهزة اختفى نسبياً زبائن وسط البلد والضواحي التجارية المهمة، وتبدو الصورة في الخارج مزدحمة جداً وفي داخل المحل هادئة وتكاد تكون منعدمة، مما أدى إلى تركيز الاهتمام بسوق "وكالة البلح" الشعبية في ضاحية أبو العلا على كورنش النيل، إذ يمكن لرب أسرة شراء ملابس أبنائه الأربعة بپ200 جنيه مقابل 1000 جنيه في المناطق الأخرى. حتى الفساتين المستعملة زاد الإقبال عليها في الشهر الماضي، إذ تكثر الزيجات في هذا الوقت، والزائر للسوق يرى إقبالاً بنسبة 150 في المئة زيادة على السابق بسبب بقاء الأسعار كما هي في السوق مقابل العام الماضي. محمود سالم موظف يشير إلى ظاهرة ارتفاع الأسعار مقابل العام الماضي بالقول: "ان الاسعار لا تناسب امكانات الموظفين الذين يبلغ دخلهم السنوي 1200 دولار في المتوسط"، ويتساءل: "من يصدق أن ثمن حذاء رياضي لطفل صغير يصل الى 54 جنيهاً في محل قطاع عام علماً أن راتبي الشهري 450 جنيهاً؟!". 12 بليون جنيه للدروس الخصوصية واستطرد: "ما يزيد الأمر صعوبة تزامن مناسبات عدة بدأت بشهر رمضان وعيد الفطر وعيد الميلاد وعيد الأضحى وفي انتظار عيد الأم في 21 آذار مارس الجاري، وتزامن ذلك مع أزمة في سوق الصرف ونحن مضطرون للشراء علماً أننا نشتري ألبسة لأطفالنا في الأعياد فقط بعدما استنزفت الدروس الخصوصية الموازنات، هل تصدق أن المصريين ينفقون 12 بليون جنيه على الدروس فقط، هذا الغلاء يجعلنا نبحث عن الأرخص وهو ما نجده بنسب في سوق وكالة البلح". فستان العرس بالايجار عروس تشتري فستان زفافها من الوكالة تقول انها لا تشتري فستاناً، هو للتأجير فقط، "أدفع 40 جنيهاً مقابل تأجيره لمدة يوم فقط، لا اهتم بالمظهر بقدر ما اهتم باتمام الزواج الذي كلف نحو 20 ألف جنيه من أجهزة وحجرتي نوم وصالون اضافة الى ثمن الشقة التي كلفت نحو 50 ألف جنيه تسدد اقساطاً، وكالة البلح هي الارخص تدفع 150 جنيهاً وفي مناطق اخرى مقابل تأجير الفستان و20 جنيهاً مقابل الحذاء و10 جنيهات مقابل التاج". زبون آخر برفقته 4 أطفال يتمنى ان تجد الحكومة حلاً لهذا الغلاء يقول: "لا نعرف لمن تكون الشكوى، نحن مرهقون مادياً ومن وقت انخفاض قيمة الجنيه امام الدولار بات الوضع سيئاً نسبياً، الأمور في حاجة الى اعادة نظر وإلا فالمعيشة لمحدودي الدخل ستكون صعبة للغاية". وينادي الحكومة ان تعتبر انها في مرحلة حرب ضد المضاربين في السوق على أي منتج، ويقول "ذا استطعنا شراء ألبسة واحذية من الاسواق الرخيصة فأين نجد سوقاً للمواد الغذائية تريحنا من نار الاسعار. الموظف في حاجة الى أضعاف راتبه الحكومي لمجاراة الاوضاع الاقتصادية المكلفة، وارحمونا من الدولار وسنينه". ومع دخول مناسبة عيد الأم وموسم الصيف تتسابق غالبية المحلات في البلاد على ترويج البضاعة الراكدة في السوق منذ شهور عدة حتى لو وصل الأمر إلى بيعها بأقل من كُلفتها نظراً للأوضاع القائمة، لكن للأسف يقابل ذلك إحجام شعبي "موقت" يستمر لفترة قد تطول أو تقصر حسب مزاج الدولاريين.