وجد المصريون أنفسهم مطالبين في رمضان بأن يلبوا حاجات بيوتهم الغذائية والاجتماعية بأسعار بلغت ثلاثة أضعاف ما كانت عليه في الفترة نفسها من العام الماضي، وبالراتب نفسه في ظل أزمة اقتصادية خانقة. رد الفعل المبدئي للكثير من ربات البيوت كان مقاطعة السلع الرمضانية المستجدة وهي فكرة استقبلها الأزواج بارتياح مشوب بالحذر. فإغراءات مراكز الجوع كثيرة، والنفس أمارة بالسوء، وكم من حادث مأسوي بين الأزواج والزوجات شهده الشهر الكريم في سنوات سابقة تعذر فيها شراء "الياميش" المكسرات أو ما شابه. وإذا كانت خلافات الأزواج أمراً تسهل السيطرة عليه، فإن إصرار الأطفال على فانوس رمضان لا يمكن السيطرة عليه، وما على الأهل إلا الإذعان. والإذعان في هذه الحال يتكلف نحو 39 جنيهاً مصرياً أو أكثر. والحقيقة أن السوق هي التي تحتاج الى من يحركها، فالأسعار الجنونية رفعت الضوء الأحمر أمام المستهلكين، وهو ما دفع البعض من التجار، لا سيما في الأسواق الشعبية والمناطق العشوائية الى فتح أبواب مخازنهم، وإطلاق بضائع رمضان الراكدة لديهم من رمضان الفائت. وفي الماضي، كانت شوارع القاهرة في رمضان تتحول الى ما يشبه الكرنفال، زينات وفوانيس في كل مكان يشترك سكان كل شارع في تسديد ثمنها لتعم الفرحة. تلك المشاهد كادت تختفي من العاصمة، باستثناء الفنادق والمطاعم الفاخرة التي تحاول تعويض خسائرها من وقف نشاطات نواديها الليلية وفقراتها الفنية في الشهر الفضيل، بجذب الزبائن الى خيام رمضانية وشيشة. وإذا كانت الخيام الرمضانية تنجح في جذب الفئات المقتدرة نسبياً، فإن فئة محدودي الدخل، وهي تشكل القاعدة العريضة، جهز لها المسؤولون حلولاً بديلة، أولها التخمة الدرامية على الشاشة الفضية من فوازير ومسلسلات وبرامج ومقالب من شأنها أن تنسي محدودي الدخل آلام انيميا الموارد الحادة التي يعانونها. ولأن رغيف الخبز بالنسبة الى المواطن المصري العادي هو عصب الحياة، فإن الأجهزة الحكومية صارت في موضع الاختبار في هذا الشهر بعد حال الشح التي يعانيها الرغيف الحكومي المدعم. حتى موائد الرحمن التي كانت تظهر بوادرها في كل مكان قبل رمضان بأيام تأخرت في الظهور هذا العام، كذلك البلح المجفف الذي كان لا يخلو بيت مصري منه وبكميات كبيرة اذ قفزت اسعاره من 80 قرشاً لتصل في بعض أنواعه الى نحو 12 جنيهاً مصرياً، لا سيما نوع مكتنز وشديد الحلاوة اطلق عليه هذا العام "بلح نانسي عجرم". ولأن الأزمات في مصر لا تمر من دون نكتة من هنا أو سخرية من هناك، فقد امتلأت صفحات الصحف برسوم كاريكاتورية وأعمدة ساخرة. الكاتب الساخر احمد رجب تساءل عن سر تخصيص مليونين و461 ألف فدان لزراعة البرسيم في مصر في الوقت الذي "ندوخ السبع دوخات لاستيراد القمح" وتكهن احدهم في صفحة أخرى بان المعنى الحقيقي للشعار الذي تردده الحكومة في الأزمات "لا مساس بمحدودي الدخل" هو أن الحكومة لا تمسهم لأنهم محدودو الدخل مقرفون. لكن العالمين ببواطن الأمور يؤكدون أن في رمضان ومع تضخم حاجات المواطنين الى السلع الغذائية "ستكرم الحكومة أو تُهان".