قال محلّلون اقتصاديون في القاهرة أمس ان الأزمة الاقتصادية ألقت بظلالها على سلوكيات الأسر المصرية من محدودي ومتوسطي الدخل 42 مليون مواطن، حيث وللمرة الاولى، اختفى الجدل بين أفراد الأسرة الواحدة في شأن السلع المطلوب شراؤها، بعد الاتفاق على أهمها، خصوصاً وان شهر رمضان حلَّ، ويتطلب موازنة منفصلة عن الشهور الأخرى. وهناك سلعٌ معروضة في الأسواق في انتظار موائد المصريين في مثل هذا الشهر، تُقدر قيمتها ب25 بليون جنيه، حسب رأي عدد كبير من الخبراء، علماً ان حجم استهلاك المصريين الغذائي يُقدّر سنوياً ب110 بلايين جنيه. لكن المصريين خيّبوا الظنون هذه السنة واستغنوا عن عدد كبير من السلع بعد ارتفاع الأسعار في صورة كبيرة في الأشهر القليلة الماضية. "مش مهم ياميش كفاية التمر". بتلك العبارة، حدّدت المواطنة شيرين صبري قطاع خاص حاجات غالبية الأسر بالنسبة لشهر رمضان. وقالت: "هناك اتفاق على ان البندق والجوز واللوز وعين الجمل والفستق خرجت من حسابات الغالبية، ليقع للمرة الاولى خصام بين هذه السلع وموائد المصريين"، ويكون التمر "ملك جمال المائدة"، فيما يكون جوز الهند وقمر الدين "الوصيفين". ويشير المراقبون الى ان هذا يعني "انقلاباً حقيقياً" في التعاطي مع عادات قديمة مرتبطة بهذا الشهر، فأسعار السلع المذكورة زادت السنة الجارية بنسبة 80 في المئة عن العام الماضي، بالإضافة الى ان حجم المعروض لا يصل الى 40 في المئة من حجم ما كان يُعرض سابقاً، وذلك بعدما فطن التجار الى التغيير المزاجي قبل استيراد السلعة وطرحها. لكن صبري ترى ان التغيير في المزاج سيلحق أيضاً المائدة الأساسية. وقالت: "بدلاً من تقديم لحوم مختلفة الى المائدة، سنكتفي بنوع واحد. لماذا الإسراف؟ تكفينا متطلبات الحياة اليومية. أتعلم أن ابنتي ليلى اشترت فانوساً ب50 جنيهاً، بينما كان السعر 30 جنيهاً العام الماضي، علماً أنها في حضانة مدرسية تكلّف 1200 جنيه سنوياً". من جهته، أبدى المواطن طه سيف محمود إعجابه بفكرة الإستغناء عن سلع عدة في مائدة "الياميش" فواكه مجفّفة. وقال: "كفانا أسعار فوانيس رمضان التي ضربت كل التوقعات. تخيّل أن فانوس أطفال وصل سعره الى 75 جنيهاً، هل هو فانوس سحري؟ ... اشتريت لطفلي فانوساً ب30 جنيهاً. لكن لماذا الاستفزاز في ظل أزمة نعاني منها جميعاً؟ ماذا سأفعل لو صمّم طفلي على فانوس ال75 جنيهاً؟". واعترف رئيس شعبة العطارين في الغرف التجارية، رجب العطار، ان الإقبال على "ياميش رمضان" لم يتجاوز 25 في المئة من الكميات المطروحة. وعزا ذلك الى أسباب عدة، في مقدمها ارتفاع أسعار الياميش عموماً بنسب تراوح بين 20 و25 في المئة. وكشف ان استيراد "الياميش" انخفض السنة الجارية بنسبة 48 في المئة عن العام الماضي، لافتاً الى انه تم استيراد كميات منه بنحو 44 مليون دولار فقط مقابل 92 مليون دولار العام الماضي، وذلك بسبب ارتفاع سعر الدولار ازاء الجنيه، ووصول سعر الدولار الرسمي الى 615 قرشاً، فيما تجاوز السعر في السوق الخفية 7 جنيهات. ودفع قدوم رمضان مباشرةً بعد بدء موسم المدارس وبدء غالبية الأسر في وضع موازنة الدروس الخصوصية، بالإضافة الى ارتفاع فواتير الكهرباء وأسعار بعض السلع الأساسية، المصريين الى أن يُعيدوا النظر في سلوكهم الغذائي والمالي ليتمكنوا من كسر الحلقة اليومية للغلاء. في الوقت نفسه تحركت الحكومة بجدية ليمر شهر رمضان في صورة طبيعية. فهناك تمر ب3 جنيهات للكيلو وقمرالدين ب5.5 جنيه، وزبيب ب 12 جنيهاً. وبدا ان هناك تنسيقاً منظماً بين الغرف التجارية ووزارة التموين لتوفير ما يلزم للمستهلكين، سواء بالاستيراد أو من الانتاج المحلي، من أجل تغطية السوق وفق حاجات المواطنين، والحد من ارتفاع أنواع أخرى من "الياميش" التي لا تناسب أسعارها مداخيل الغالبية. وبالنسبة للسلع الأساسية، مثل السكر والزيت والشاي ورغيف العيش والمعكرونة والرز، فلم يلحقها ارتفاع في الأسعار خلال الأسبوعين الماضيين، علماً ان أسعارها الحالية هي أصلاً فوق طاقة المواطن، لأنها زادت بنسبة 25 في المئة عن العام الماضي. كما تدخلت الحكومة أخيراً لطرح كميات إضافية من السلع المطلوبة تعادل ما هو مطروح حالياً بهدف المحافظة على توازن السوق. ويُشار الى ان هناك 50 الف منفذ وجمعية للبيع، كما ان هناك اتفاقاً مع "مباحث التموين" لتشديد الرقابة والتأكد من استقرار الأمور. ويشير وزير التموين، حسن خضر، الى ان هناك مخزوناً استراتيجياً من السلع الأساسية يكفي البلاد فترة لا تقل عن 6 أشهر، مؤكّداً أن السوق تحت السيطرة، ومستبعداً أن يكون هناك تلاعب في أسعار "الياميش" على رغم ارتفاع بعضها، مثلما حدث مع سلع أخرى الشهر الماضي.