وسط مشاعر الغضب المناهضة للولايات المتحدة تمشط القوات الاميركية بالمدافع الآلية الحارات بحثاً عن أنصار صدام حسين على أمل منع هجمات جديدة على وحداتها. لكن العراقيين في الفلوجة التي تبعد 50 كيلومتراً غرب بغداد يقولون ان الذين يطلقون القذائف الصاروخية على قوات الاحتلال مواطنون عاديون من سائقي سيارات الاجرة والعمال والمهنيين الذين يثأرون لموت أقاربهم. وعلى رغم اسلحتها المتطورة لم ترصد القوات الاميركية ما يحكم شوارع هذه البلدة حيث شنت عليها معظم الهجمات العنيفة وهو قانون الثأر القبلي. وقال مثنى صالح: "رجال صدام لا علاقة لهم بقتل الاميركيين في الفلوجة. إذا اردت ان تعرف لماذا نكره الاميركيين الى هذا الحد في الفلوجة انظر الى هذه"، ورفع عباءته التي يخفي تحتها ساقه العرجاء وهو يعتدل متكئاً على عكازه. وأضاف: "كنت في منزلي عندما بدأ الاميركيون القصف. أصابوا ساقي وقتلوا أخي وتركوني بلا عمل مع ثمانية اطفال". وقتل 16 آخرون في الواقعة نفسها في نيسان ابريل الماضي عندما قصفت القوات الاميركية حشود المتظاهرين خارج منزل صالح مباشرة. ويعاني الجنود الاميركيون في الفلوجة منذ ذلك الحين من طلب الثأر. في كل مرة يقتلون فيها أحداً في حملة على المشتبه في انهم من انصار صدام يستدعون القبائل الى محاربتهم. وقال الشرطي هيثم عبدالوهاب: "الاميركيون يتعرضون لقنبلة على جانب الطريق لكنهم بدلاً من ان يمسكوا الجناة يفتحون النار على كل من يرونه". وأضاف: "هذا هو السبب في غليان الوضع في الفلوجة". وهذه الحلقة المفرغة لم يذكرها السياسيون في واشنطن الذين يلقون اللوم دائماً على فلول البعثيين او مقاتلين اسلاميين أجانب. لكن على الارض يصف سكان الفلوجة اراقة الدم ببساطة. فيقول ابو طه: "الاميركيون قتلوا أبرياء. تذكر ان هذا مكان اذا تشاجر فيه اثنان على زرع في حقل يسحبان السلاح ويقتل احدهما الآخر". وأضاف: "اذا رأيت اميركياً سأقتله بالتأكيد اذا استطعت". والأحد الماضي قتل 15 جندياً اميركياً عندما اسقطت طائرتهم الهليكوبتر من طراز شينوك فوق قرية قريبة من الفلوجة. ووقع معظم الهجمات في "المثلث السني" قاعدة انصار صدام السابقة في وسط العراق، خصوصاً الفلوجة التي يعد سكانها 300 الف نسمة. ففي هذه المدينة المحافظة لا يحترم السكان سوى شيوخ القبائل الذين يزدرون القوات الاميركية وحلفاءها أي رجال الشرطة الموصومين بالفساد من العهد السابق. ويقول العراقيون ان ما يثير الغضب في الفلوجة ليس قتل المدنيين فحسب بل اسلوب التعامل المهين الذي يتبعه الاميركيون عند تفتيش المنازل، فهم يحطمون الاثاث ويفتشون الرجال والنساء ويسرقون المجوهرات والاموال. ويقول حميد قاسم العامل في متجر: "رجال صدام كانوا سيئين لكنهم لم يهينونا مثل هؤلاء. نحن مجتمع قبلي. ودماؤنا حارة. فماذا تتوقع". ويضيف صالح الذي فقد جزءاً من ساقه عندما اطلق الاميركيون النار على المتظاهرين: "جاء جنرال اميركي الى بيتي واعتذر. وقطع وعوداً كبيرة لكن اتضح ان كلها اكاذيب. لم احصل إلا على 500 دولار".