السلام عليكم... بهذه الكلمات التي نطقها بالعربية، بدأ رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم، السويسري جوزف بلاتر خطابه في حفلة افتتاح نهائيات بطولة العالم الرابعة عشرة للشباب في مدينة زايد الرياضية في أبو ظبي... ربما بدت لكنته ثقيلة على اللسان، لكن هذه التحية وهي تحية الاسلام والسلام لاحت خفيفة على قلوب ال50 ألف متفرج، مستحبة في نفوس كبار الشخصيات الرياضية والسياسية العربية والدولية التي توسطت منصة الشرف، والمهم انها بعثت باشارة جيدة عن قدرة كرة القدم المتخمة بالعالمية تأقلمها مع الثقافات المحلية وبرسالة قوية للمتعصبين في العالم أجمع على ضرورة نبذ العنف والارهاب والتطرف من كل مناكب الحياة من المدرسة الى البيت والمؤسسة وبينهما ملعب كرة القدم، والعمل على التآخي والتضامن والسلام. ربما اجتمعت في كلمتي الرئيس بلاتر والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة معاني الترحاب وحسن الضيافة والوفادة، وبينتا النهضة العمرانية والرياضية التي تشهدها الإمارات في السنوات الأخيرة. لكن عندما يعود المرء الى بيته، ويدقق ملياً في ثنايا الخطابين يدرك اجماعهما على دور كرة القدم في تحقيق السلام العالمي وانتصارهما لقوة الشباب الدافعة نحو الخير والبذل والعمل. قال الشيخ زايد: "الشباب هو حلم الوطن الآتي وعماده، هم نواة الخير المأمول وهم عناوين المحبة والأمن والسلام في عالم تواق للمعاني السامية". ربما بدا للبعض أن حفلة افتتاح المونديال، فعل ماض غير مثير للباحثين عن التفوه واشباع رغبة الجمهور في تتبع الخبر... لكن قيمة التظاهرات والمؤتمرات الدولية سواء كانت رياضية أو غيرها تستمد قوتها من رمزيتها وتمكنها من ايصال رسائلها الى من يهمه الأمر. رفرفت رسالة السلام من أرض الإمارات عبر شاشات التلفزيون وفي سماء المنطقة لتعيد لأبناء الخليج صورتهم الأولى وطبيعتهم التي جبلوا عليها بعد أن كادت تعصف بها فئة ضالة، إذ أبرز الحضور الجماهيري المكثف انفتاح شباب المنطقة على العالم وعشقهم للفرجة ومتعة الكرة من اقدام منتخبات المونديال. لا شك في ان اللون الأبيض واللباس الوطني لرجال الامارات كان طاغياً ضمن مشهد ال50 ألف متفرج، لكن الطريق المؤدية الى المدينة الرياضية، كانت تتلألأ بتوافد العائلات الإماراتية على استاد العاصمة ما أدى الى أمتلاء احد المدرجات العملاقة بالشابات والنساء المتوشحات بالسواد والعباية المحلية. ربما قال بعضهم أن ذلك احدى مزايا الأبواب المفتوحة والدخول المجاني، لكن الحضور النسائي الجيد الذي استمر الى نهاية مباراة الافتتاح ما بين المنتخبين الاماراتي والسلوفاكي يبرز تنامي حضور المرأة الاماراتية على الساحة المجتمعية حيث تمثل 72 في المئة من خريجات الجامعات، و15 في المئة من قوة العمل، و40 في المئة من اجمالي الناشطين في القطاع الحكومي... وها هن أصبحن اليوم جزءاً جميلاً من المشهد الكروي المحلي. الوردة رسالة العشاق والمحبين وجسر نحو القلوب قبل العقول، ولذا أشاد الجميع هنا بجمالية حفلة الافتتاح. قال بعضهم أن موازنته تجاوزت ال5 ملايين درهم، وهي لا تعني شيئاً أمام موازنات تظاهرات رياضية دولية أخرى. سطع نجم المخرج الفني عارف عمر خاجة الذي أثبت قدرة ابناء الإمارات على الاستفادة من الخبرات العالمية في تقديم التظاهرات الكبرى بمشاركة العشرات من الفنيين والمخرجين وكبار المسؤولين والطلاب والعمال من أجل إخراج "الحلم العالمي" في أبهى حلله. والأكيد ان مهندس افتتاح كأس الخليج السادسة وكأس أمم آسيا 1996، أثبت جدارة عالية في تقديم أفضل رموز التراث والنهضة الإماراتية الجديدة، بلا تعقيد، ولا خطابات، وبلغة الورود في أيادي الحاضرين. ندرك أن مكانة الكتاب في تراجع في زمن الصورة والانترنت، نعرف كتب رسمية عدة قدمت تظاهرات اقليمية ودولية أقيمت على أرض عربية وفعلت بتخمة لا تطاق من كلمات التمجيد والاطراء وتقديم أسمى عبارات الشكر للقيادات، وانتصرت للوطن ومكانته ورفعته عبر الخرائط الملونة والأرقام المدونة التي يتوه معها القراء ويغيب عنها الانسان... لكن عندما يفتح المرء الكتاب الرسمي لمونديال الإمارات 2003 بصوره الجذابة والمعبرة وبألوانه المنتقاة، بحفيف روحه الخطابية، تكتشف بأنه خارج النص العربي ويتوق نحو العالمية في اعتزاز وطنه وأمته بذكاء. لن يقول العالم وداعاً للإمارات... فلا يزال الحلم متواصلاً... بل لعله يسترجع آخر كلمات خطاب بلاتر بلكنته العربية... مع السلامة. خسارة مخيبة خيب شباب المنتخب الإماراتي آمال قرابة 50 ألف متفرج احتشدوا في مدينة زايد الرياضية في لمتابعة حفلة الافتتاح ومباراة منتخبهم الأولى امام سلوفاكيا، حين مُني بهزيمة ثقيلة بأربعة أهداف سجلها ميلوس بريزينسكي 5 وجوراج هالينار 23 وماريك تشيتش 48 وفيليب هولوسكو 82 في مقابل هدف لعلي الوهيبي 73. ولنكن أكثر دقة، لم يكن الاماراتيون يأملون في "فتح أو نصر ساحق" أمام منافس يدركون قوته الضاربة أوروبياً واحتراف غالبية لاعبيه في أفضل بطولات القارة العجوز، ولكنهم بعد عام ونيف من الاستعدادات وجلب أفضل اخصائيي اللياقة البدنية، لم ينتظروا هذا الانهيار البدني المذهل الذي غلب اللاعبين الشباب، الى جانب تفكك خطوطهم الدفاعية والهجومية... وهم لم يبخلوا عليهم بالمؤازرة والتشجيع الى اللحظات الأخيرة، ولكن الحقيقة الثابتة لكرة القدم الحديثة، أعلنت عن نفسها بوضوح في أول مباراة عربية... لكن المنتخب الأبيض وعلى رغم خسارته الأولى لا يزال مرشحاً للصعود الى الدور الثاني، فقد تعودنا من منتخبات الإمارات على انتفاضة اللحظات الأخيرة خصوصاً أنه سيواجه بنما وبوركينا فاسو وهما تخوضان أول مغامرة لهما في المونديال... لكن مفاجآت الكرة لا تتوقف. واليوم موعدنا مع وقفة الجالية المصرية الكبيرة والجماهير السعودية الغفيرة مع منتخبيهما امام كولومبيا وجمهورية إرلندا على التوالي على أمل تحقيق انتصارين عربيين يشفيان غليلنا بعد الخسارة الاماراتية. ويفتتح المنتخب السعودي أولى مبارياته على استاد خليفة بمدينة العين في ظل أجواء من التفاؤل من قبل المدرب الارجنتيني دانيال روميو... وهو ركز في المران الأخير على التغطية الدفاعية الجيدة والربط المرن بين خطي الدفاع والهجوم وأهمية الكرات الثابتة. وأجمع لاعبو المنتخب السعودي قبل المباراة على عزمهم اعادة الكرة السعودية التي تضررت كثيراً العام الماضي في مونديال كوريا واليابان. وفي ملعب آل مكتوم بنادي النصر حيث تدور منافسات المجموعة الرابعة، تلتقي مصر مع كولومبيا. المدرب الكولومبي بدا متواضعاً، لكنه بعث بإشارات "مسمومة"الى نظيره المصري حسن شحاتة حين أعلن أنه يخاف "من أبطال الفراعنة، يلعبون كرة شاملة ويتمتعون بالمهارات العالية". ربما عانى المصريون من الإرهاق لوصولهم متأخرين الى دبي، وسكت مدربهم عن الكلام المباح... لكنه اشتكى كثيراً من تداعيات تأجيل المونديال من الربيع الى الخريف. ويلتقي اليوم أيضاً إنكلترا مع اليابان، وساحل العاج مع المكسيك، والولايات المتحدة مع باراغواي، والمانيا مع كوريا الجنوبية.