تحتفل الاوساط الاعلامية البريطانية اليوم بمرور خمسين عاماً على بث اولى حلقات البرنامج السياسي الاخباري "بانوراما" الذي اطلقته هيئة الاذاعة البريطانية "بي بي سي" في 11 تشرين الثاني نوفمبر 1953، آنذاك كان هوس البريطانيين هو الاستماع الى الراديو الذي عّد الوسيلة الوحيدة لطبقات المجتمع كافة للترفيه والمعرفة والتقصي، فيما كانت شاشة التلفزيون الوليدة حكراً على الارستقراطيين والنخب الاخرى. الانقلاب الكبير حدث مطلع الخمسينات، حين خطفت "جوهرة المتعة الشعبية": الشاشة الصغيرة وصورها المتحركة لبّ البريطانيين على رغم الانتشار واسع النطاق للسينما واشرطتها، وكان على ال"بي بي سي" المتحكمة بالارسال المزدوج ان تعجل بابتكار برامج لا تُضاهى. الخبر السياسي وتعليقاته، العالم واخباره وتقلباته وحروبه، مجتمعات الارض وثوراتها وانقلابات حكوماتها، الثروات والعلوم والتقنيات الجديدة ... وغيرها. كيف يمكن جمع كل هذه المتناقضات للاحداث الراهنة في باقة تلفزيونية واحدة، تفي حقها بالمعلومة وتوفي مشاهدها بالرضا؟ الحل وضعه الاعلامي دينيز باردينز الذي اقترح "الفكرة الشاملة" المتمثلة في برنامج "بانوراما" الذي حوره عما كان يعده للهيئة تحت اسم "اضواء" Focus وهو مجلة اذاعية منوعة. في الثامنة والربع ليلة 11 تشرين الثاني، بثت الحلقة الاولى التي ضمت خمس فقرات اخبارية، امتدت على مدى 45 دقيقة وقدمها الاعلامي البارز باتريك مورفي وهو صديق قريب جداً من تشرشل، وكانت برمجته مرة كل اسبوعين، لضمان تغطيات اكثر حيوية وجدّة، وبعد عامين تم اقرار ارساله اسبوعياً. لم يتوقف "بانوراما" عن بثه الاسبوعي حتى اليوم، لذا يُعتبر البرنامج التلفزيوني الوحيد في العالم الذي لم يتوقف عن العرض مطلقاً، ويصفه خبراء الاعلام بانه "اكثر برامج الاحداث الجارية شعبية في بريطانيا". آخر حلقاته تم بثها اول من امس تحت عنوان "في خط النار" للصحافي التلفزيوني جون سمبسون، وهو ريبورتاج عن تغطيته للحرب على العراق وتعرضه لنيران القوات الاميركية التي أدت الى مقتل 16 شخصاً بينهم احد افراد فريقه وجرح 45 آخرين ليلة الاثنين، كان مشاهدو البرنامج على موعد مع خبطة صحافية جديدة يقدر عددهم اليوم بثلاثة ملايين مشاهد اسبوعياً، تتلقفها صحافة اليوم التالي على صدر صفحاتها الاولى. في الشهور الاولى تعرض البرنامج لأكبر فضيحتين داخليتين تعتبران من الممنوعات: العطالة المفروضة على سكان ايرلندا الشمالية، وفشل الحكومة في تجاوز نقص عدد المنازل للقطاعات الشعبية. عالمياً سلط البرنامج وللمرة الاولى اهتمامه على ازمة الشرق الاوسط، فيما يمكن اعتباره من المؤشرات الاولى لحرب العام 1956التي سيغطيها البرنامج لاحقاً، وفيه عرضت للمرة الاولى جهود صناعة القنبلة الهيدروجينية واختبار تفجيرها ودخول بريطانيا النادي النووي. في ليلة الرابع من شباط 1957صعق المشاهدون بأول صور حية لولادة طفل، ما أحدث ثورة من الادانات والتجريحات بسبب "الذوق المتدن للحلقة". وفي عام 1962 فجر البرنامج قضية الصواريخ الروسية في كوبا. وفي العام 1973 تسبب البرنامج بأكبر ازمة سياسية للندن مع احد اهم حلفائها: شاه ايران، عندما تعرض لاستغلاله اموال النفط لتعزيز ترسانته العسكرية باسلحة بريطانية، مما دفع طهران الى طرد مراسل البرنامج. وكان زميله في الاردن نجح ايام حرب ايلول الاسود في اقناع العاهل الاردني الراحل الملك حسين باجراء مقابلة لشرح ما يجري في بلاده. اما اكبر خبطة اعلامية جاءت مع بث المقابلة التلفزيونية النادرة مع الاميرة الراحلة ديانا مع الصحافي مارتن بشير، واعترافها بغرامياتها وفشل زواجها من الامير تشارلز، وتم وضع اشرطة المقابلة تحت حراسة امنية حتى لحظة بثها خوفاً من تسريب فقرات منها الى الصحافة التي فوجئت بصراحتها. استقطبت هذه الحلقة 8،22 مليون مشاهد.