تصعب مشاهدة اللقاء الذي اجراه برنامج «بانوراما» مع الأم البريطانية لوسي الديريج، والذي عرضته قناة «بي بي سي» الاولى، مساء الاثنين الماضي، من دون الشعور بعدم الارتياح الذي يخلقه البرنامج. فالحلقة الخاصة عن الحرب في افغانستان شاركت فيها أم اصغر جندي بريطاني قضى في احدى المعارك، لينضم الى 206 من الجنود البريطانين الذين قتلوا في ذلك البلد منذ دخول القوات البريطانية لها في عام 2001. اذاً، شاهد الجمهور الحلقة التي اعدت عن نساء افغانستان، مع الأم البريطانية المثكولة بفقدان ابنها، والتي كانت تجلس في بيتها الريفي، محاطة بصور الابن بالبدلة العسكرية، وبطاقات التعزية المعلقة على الجدران. واذا كانت الأم البريطانية، قد وافقت على اقتراح برنامج «بانوراما» بتصويرها اثناء مشاهدتها حلقة «افغانستان»، لدوافع شخصية، وربما ترتبط بالبحث عن الهدف الذي قاتل ابنها الجندي من اجله، فإن الأم نفسها، هي التي تجعل مشاهدة الحلقة، تجربة غير مريحة ابداً، فهي بدت وكأنها «أرغمت» على التفكير في شرعية الحرب، والموافقة على مشاهدة تحقيق تلفزيوني اعد بجودة عالية، وتضمن مشاهد شديدة القسوة والتأثير عن وضع النساء في افغانستان، اللواتي أكد برنامج «بانوراما»، ان وضعهن سيزداد سوءاً اذا انسحبت القوات الاجنبية من هناك، وعادت سلطة طالبان الى البلد الغارق في العنف. لتعلن الأم في النهاية ان الحرب تملك شرعيتها الانسانية الكبيرة. لم يكن سهلاً بالطبع، ان تدير البريطانية التي يبدو عليها الطيبة، ظهرها لكل الألم الذي تضمنه التقرير، لتعلن ان الحرب التي قتلت ابنها «غير مبررة»، او «لندع الأفغان يحلون مشاكلهم بأنفسهم»، وهي الدعوات التي بدأت بالظهور في الصحف والبرامج التلفزيونية البريطانيةحديثاً، كالحلقة الاخيرة من برنامج الحوار «السؤال الكبير» والتي عرضت الاحد الماضي واستضافت مجموعة من المختصين بمشاركة جمهور في الاستيديو، وليبدأ معها، اسبوع كامل من الاهتمام الكبير لهيئة الاذاعة البريطانية وخاصة القنوات الاساسية الأولى والثانية والاخبارية، للوجود البريطاني في افغانستان، وجدواه، بعد ان أسفرت عمليات مسلحة للطالبان الى قتل اكثر من 10 جنود قبل اسبوع، ما هز المجتمع البريطاني بقوة. ويترافق الاهتمام البريطاني الاعلامي ايضاً مع الانتخابات الافغانية التي لم تظهر نتائجها حتى الآن. من ناحية أخرى كانت اسئلة الوجود الغربي في افغانستان مهيمنة على حلقات البرنامج السياسي اليومي «اخبار منتصف الليل» للاسبوع الماضي، والذي استعان بمجموعة من مراسلي التلفزيونين البريطانيين الشهيرين لإنجاز تغطيات من افغانستان نفسها، وقريباً كثيراً للمنطقة الواسعة التي تحاول القوات البريطانية، السيطرة عليها، وتحسين ظروف الحياة فيها للافغانيين. نعود الى حلقة «بانوراما»، فالبرنامج الذي قدمته المذيعة المعروفة جين كوربن من افغانستان، يكشف ان زوجة الرئيس الافغاني حامد كرزاي، والتي كانت تعمل طبيبة لأعوام ، تعاني تقريباً من نفس ظروف النساء الافغانيات الأخريات. فالرئيس، المعروف عنه مواقفه المسانده لقضايا المراة، يمنع زوجته من الظهور العلني معه أو بمفردها. هذه الازدواجية في مواقف رجال الحكم الجدد القريبين للدول الغربية، هي نفسها االتي تخلق مشاكل يومية، لعضوات البرلمان الأفغاني من النساء، واللواتي يواجهن التهديد بالقتل من قبل الطالبان والقاعدة، والاحتقار الشديد من زملائهن الرجال في البرلمان كما قلنَ لكاميرا البرنامج. يقدم البرنامج نساءً افغانيات متنوعات، من سيدات الاعمال الى الهاربات بسبب تهديدات بالقتل من القوى المتشددة، الى اللواتي يتعرضن للعنف من ازواجهن، فالبرنامج يزور احدى العيادات الخاصة والتي انشأتها جمعية فرنسية خيرية لعلاج النساء اللواتي يقمن بحرق انفسهم، هرباً من حياتهن مع ازواجهن، في ظاهرة تنتنشر كثيراً بين النساء في افغانستان، والبرنامج يزور ايضاً مدارس البنات في عدد من المدن، وبعضها تعرض لهجمات مسلحة من الطالبان، قضت على عشرات من الفتيات الصغيرات، وهو الأمر الذي لم يزعج مريم، الفتاة التي لا تتجاوز العاشرة، والتي كانت تجلس على سياج مدرستها المهدم ، وتحدثت عن احلامها بأن تصبح طبيبة مثل زوجة الرئيس!