الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    ارتفاع الصادرات السعودية غير البترولية 22.8 %    برعاية ولي العهد.. المملكة تستضيف مؤتمر الاستثمار العالمي    بركان دوكونو في إندونيسيا يقذف عمود رماد يصل إلى 3000 متر    تهديدات قانونية تلاحق نتنياهو.. ومحاكمة في قضية الرشوة    لبنان: اشتداد قصف الجنوب.. وتسارع العملية البرية في الخيام    الاتحاد يخطف صدارة «روشن»    دربي حائل يسرق الأضواء.. والفيصلي يقابل الصفا    انتفاضة جديدة في النصر    مذكرة تفاهم بين إمارة القصيم ومحمية تركي بن عبدالله    استعراض مسببات حوادث المدينة المنورة    «التراث» تفتتح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض    المنتدى السعودي للإعلام يفتح باب التسجيل في جائزته السنوية    جامعة الملك عبدالعزيز تحقق المركز ال32 عالميًا    «الأرصاد» ل«عكاظ»: أمطار غزيرة إلى متوسطة على مناطق عدة    لندن تتصدر حوادث سرقات الهواتف المحمولة عالمياً    «العقاري»: إيداع 1.19 مليار ريال لمستفيدي «سكني» في نوفمبر    16.8 % ارتفاع صادرات السعودية غير النفطية في الربع الثالث    «التعليم»: السماح بنقل معلمي العقود المكانية داخل نطاق الإدارات    صفعة لتاريخ عمرو دياب.. معجب في مواجهة الهضبة «من يكسب» ؟    «الإحصاء» قرعت جرس الإنذار: 40 % ارتفاع معدلات السمنة.. و«طبيب أسرة» يحذر    5 فوائد رائعة لشاي الماتشا    مشاكل اللاعب السعودي!!    في الجولة الخامسة من دوري أبطال آسيا للنخبة.. الأهلي ضيفًا على العين.. والنصر على الغرافة    في الجولة 11 من دوري يلو.. ديربي ساخن في حائل.. والنجمة يواجه الحزم    نهاية الطفرة الصينية !    السجل العقاري: بدء تسجيل 227,778 قطعة في الشرقية    السودان.. في زمن النسيان    لبنان.. بين فيليب حبيب وهوكشتاين !    مصر: انهيار صخري ينهي حياة 5 بمحافظة الوادي الجديد    اقتراحات لمرور جدة حول حالات الازدحام الخانقة    أمير نجران: القيادة حريصة على الاهتمام بقطاع التعليم    أمر ملكي بتعيين 125 عضواً بمرتبة مُلازم بالنيابة العامة    «واتساب» يغير طريقة إظهار شريط التفاعلات    ترحيب عربي بقرار المحكمة الجنائية الصادر باعتقال نتنياهو    تحت رعاية سمو ولي العهد .. المملكة تستضيف مؤتمر الاستثمار العالمي.. تسخير التحول الرقمي والنمو المستدام بتوسيع فرص الاستثمار    محافظ جدة يطلع على خطط خدمة الاستثمار التعديني    أسبوع الحرف اليدوية    مايك تايسون، وشجاعة السعي وراء ما تؤمن بأنه صحيح    ال«ثريد» من جديد    الأهل والأقارب أولاً    اطلعوا على مراحل طباعة المصحف الشريف.. ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة يزورون المواقع التاريخية    أمير المنطقة الشرقية يرعى ملتقى "الممارسات الوقفية 2024"    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    «كل البيعة خربانة»    انطلق بلا قيود    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين ونيابة عنه.. أمير الرياض يفتتح فعاليات المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة    مسؤولة سويدية تخاف من الموز    السلفية والسلفية المعاصرة    دمتم مترابطين مثل الجسد الواحد    الأمين العام لاتحاد اللجان الأولمبية يشيد بجهود لجنة الإعلام    شفاعة ⁧‫أمير الحدود الشمالية‬⁩ تُثمر عن عتق رقبة مواطن من القصاص    أمير الرياض يكلف الغملاس محافظا للمزاحمية    اكثر من مائة رياضيا يتنافسون في بطولة بادل بجازان    وزير الثقافة: القيادة تدعم تنمية القدرات البشرية بالمجالات كافة    محمية الأمير محمد بن سلمان تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش    "الحياة الفطرية" تطلق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقابلة مع جمال عبد الناصر في ذكرى رحيله ال33 ...
نشر في الحياة يوم 05 - 10 - 2003

بمناسبة الذكرى ال33 لرحيل الرئيس المصري جمال عبد الناصر، أتيح لخالد العكاري لقاؤه في نقطة وسطى بين الجنة وجهنم. "الريّس" لا تزال ترافقه ضحكته العريضة إياها، مع أنه قليلاً ما يلجأ اليها اليوم. وهو لا يزال يلبس عقدة عنق مقلّمة وسترة غامقة اللون. صحته تبدو ممتازة، وقد خسر بضعة كيلوغرامات قال إن الطبيب أمره بأن يخسرها، وأضاف وهو يستقبل مراسل "الحياة": "لكنني راوغته حين قلت له إنني سأوقف التدخين وأمارس الركض على طريقة الأمريكان الذين يلبسون الشورت في الصباح... هل يمكن أن تتخيّلني هكذا؟".
مع جمال عبد الناصر كان هذا الحديث الذي أبقي على بعض الكلمات العامية التي وردت فيه، لا سيما منها الأكثر عفوية:
سيادة الرئيس، انقضى على رحيلك ثلث قرن بالتمام، حصل خلاله تغير هائل في مصر والمنطقة والعالم..
. - تغير للأسوأ. أول تغير حدث أن أنور حل في رئاسة مصر... أنور! هل تعرف أنور؟ هل تصدّق؟ بوصول أنور ابتدأت التغييرات التي تتحدث عنها. كيف يمكن أن نتأمل خيراً؟
لكن أنور الذي تتحدث عنه بهذا التعالي كان نائبك ورفيقك لسنوات طويلة...
- نائبي... نائبي... تتكلم بجد؟ لقد عينت نواباً كثيرين لي: حسين الشافعي، هل تعرف حسين الشافعي؟ كان يصلي فيما نتخذ قرارات مهمة ومصيرية. كمال الدين حسين...! هذه كانت مناصب فخرية توزّع على الضباط الأحرار لكنني كنت أنا من يقرر. أنا وحدي.
ألا تظن أن هذا من الأسباب التي جعلت أنور ينقلب، حال رحيلك، 180 درجة على سياساتك؟
- أنور... أنور... إنك تتعامل بكثير من الجد مع هذا الرجل. الموضوع أمريكا وإسرائيل والمصالح الأخرى في المنطقة التي كانت تتآمر علي. أنا تحديتهم وأتيت بالسوفيات الى مصر. لا تنس. أنور بتوعك كان من أول ما فعله إخراج السوفيات.
لكن أنور خاض حرباً ثم أنهى نزاعاً تاريخياً مديداً ومكلفاً، وفتح مصر على الاقتصاد العالمي، وصار واحداً من معبودي الرأي العام في الغرب...
- لن أدخل معك في هذا النقاش العقيم لأنه يتصل بخيارات أعمق. أنت تفضّل إنهاء النزاع، وأنا كنت أفضل زعامة مصر العربية مهما كلّفت. وأنت ربما تحب... ما هي هذه الكلمة الجديدة عو ل مة، وأنا كنت مهتماً بتأمين الحاجات الأساسية لأهل مصر الطيّبين. لكن دعني أقل لك ان هذا الرأي العام الغربي الذي أصيب بغرام السادات شيء غير مفهوم بتاتاً عندي. ما أهمية هذا الرأي العام أصلاً؟ لو كان في الرأي العام خير لما أحب أنور الذي اقتصر حضور جنازته، هنا في مصر، على عشرات الناس. قارن ذلك بجنازتي...
لكن الجنازات ليست العبرة الوحيدة...
- ما هي العبرة؟ حتى الآن لا يزال هناك "ناصريون" في كل بلد عربي تذهب إليه. حتى الذين حاولوا، بعد رحيلي، ان يقلّدوني، أو ادعوا ذلك، لم ينتسب أحد اليهم. هل هناك أسديون وقذافيون مثلاً؟ نعم هناك صداميون لكنها، كما فهمت، أقرب الى الشتيمة. كذلك حال العرفاتيين التي هي تسمية أطلقها بعثيو سورية لذم رئيس "فتح"... مصر، رغم كل شيء، لا زال يحكمها شخص اسمه جمال...
لا يا سيادة الرئيس، اسمه حسني...
- اه... حسني. هو جمال إبنه؟
نعم.
- الرجل طيّب بيقولو. بس ما بيقولوش أي حاجة تانية. على أي حال هو مش ناصري. الناصريين، أخبارهم إيه؟ محمد فايق وضياء الدين داوود؟
محمد فايق يعمل في مجال حقوق الانسان...
- إيه! ياخبر اسود! فايق في حقوق الانسان! وضياء كمان في حقوق الانسان؟!
لا، إنه يقود الناصريين في مصر، لكن ناصريين آخرين يعترضون على قيادته.
- وحقوق الانسان دي تعني إيه؟ ما فيش ضرب في السجون؟
ما فيش سجون أصلاً للسياسيين...
- كده! مرة واحدة! وإزاي نتعامل مع الخونة والجواسيس والمنحرفين؟
الخونة والجواسيس إذا ثبت بالملموس وأمنياً أنهم يخونون ويتجسسون يُحاسبون بموجب القانون. أما المنحرفون فكيف نعرف أنهم منحرفون وبناء على ماذا؟
- أمّال! بناء على المصلحة الوطنية.
لكن من الذي يفتي بما هي المصلحة الوطنية؟
- الوطنيون. أنا. الجماهير.
هل أنت واثق، يا سيادة الرئيس، أن تقديراتك كانت صحيحة. وإذا كانت العبرة بالنتائج، فلا أظن أن وراءنا الكثير من الانتصارات...
يدخل النادل ويضع على الطاولة إبريقي شاي وقهوة وبضعة فناجين.
- الناصريين النهار ده يتخاصمون؟ يعني زي "فتح" والأحزاب الفلسطينية؟
يبدو أنه فاتك، يا سيادة الرئيس، أن "فتح" صارت السلطة الوطنية الفلسطينية!
- آه، سمعت شيئاً من هذا ولم أكترث كثيراً له. فالأمر كله لم يعجبني منذ البداية.
أية بداية؟ منذ مدريد أم منذ أوسلو؟
- لا لا، منذ تأسيس حركة فتح. الأمر كله كان ضدي. مجموعة إخوان مسلمين وجدوا الدعم عند خصومي الاقليميين. كانت هناك أحقاد الحرب اليمنية وأحقاد الانفصال السوري والتأميمات. أنت عارف الباقي... يعني... كانوا يريدون أن ينتزعوا مني ورقة تحرير فلسطين وينتزعوا، بالتالي، الجماهير...
لكنك أنت نفسك تغيرت بعد هزيمة 1967. بدأت تتصالح مع من كنت تسميهم "الرجعية العربية".
- وماذا أفعل؟ السوفيات كانوا يقدمون السلاح، لكن من أين أجيء بالمال؟ موسكو نفسها أرادتنا أن نصل الى تسوية سياسية بعد تلك الهزيمة المرعبة.
ولماذا لم تصل؟
- لأن اسرائيل كانت متصلبة جداً. موشي دايان كان يتغطرس بانتصاره عليّ في ساعات معدودة. ولأن خصومي الرجعيين على يميني، وخصومي البعثيين على يساري، أرادوا لي أن أخطو هذه الخطوة كي يحطموني في نظر الجماهير. وجميعهم وجدوا في تلميذ الهندسة عندنا، ياسر، ياسر إيه... عرفات ضالتهم. ثم هناك... الجماهير. ماذا أقول للجماهير في ما لو أنهيت النزاع؟
أما كان الأجدى منذ البداية تجنيب مصر هذه المعمعة؟
- إسمع. أنت صغير السن لا تعرف الحقائق تماماً. بعد ثورة يوليو لم يكن يعنينا ان نحارب اسرائيل. هل قرأت كتابي "فلسفة الثورة"؟ قلت فيه إنني كنت افكر بمصر فيما انا أقاتل، في حرب 1948، في فلسطين. وجرت محاولات عدة للتوصل الى تسوية. إسأل ناحوم غولدمان، رئيس المؤتمر اليهودي، وهو مجرد واحد من الذين توسّطوا. هل لا يزال حياً بالمناسبة؟ إسأل كذلك الذين سبقوه في هذه المهمة كريتشارد كروسمان وموريس أورباخ. لا بد أنهم رحلوا كلهم. تلك المحاولات كانت تفشل إما لأن اسرائيل كانت تضربها وتضرب معها تقاربي مع الغرب، كما حصل بفضيحة لافون، او لأنني كنت اتخوف في اللحظة الاخيرة من ردة فعل الجماهير.
كان من الممكن يومذاك لمصر ان تضغط على اسرائيل لمصلحة تسوية معقولة للشعب الفلسطيني، وكانت واشنطن مستعدة ان تدعمكم في هذا المسعى.
- أنت تقصد تجربة 1956؟
نعم.
- يومها وقفت أمريكا معنا ضد اسرائيل. لا أنكر هذا، على رغم خلافنا السابق حول تمويل السد العالي.
لكنك لم تستثمر 1956 مع امريكا. خصمك ديفيد بن غوريون فعل العكس تماماً. امريكا التي وقفت ضده راح يتقرب منها على حساب علاقاته القديمة بأوروبا. يومها، وكما لا بد تذكر، لم يكن أيزنهاور مهتماً ببن غوريون. كان أكثر اهتماماً بمن تسميهم الرجعيين العرب وجماعة "حلف بغداد" للوقوف في وجه موسكو. مع هذا مضى بن غوريون يتقرّب ويتذلل. أنت فعلت العكس. أمريكا دعمتك فحين انتصرت سياسياً أردت ان تبني مشروعاً امبراطورياً بالوحدة مع سورية وقلب الانظمة الصديقة للغرب.
- ياه. أنت تتفلسف قليلاً ولا تفهم جوهر الموضوع: كان من المستحيل التوفيق يومها بين صداقة أمريكا وبين الاحتفاظ بتأييد ودعم الجماهير العربية كما ظهرا إبان "العدوان الثلاثي" وبعد الانتصار. كانت ردة فعل الجماهير آسرة. آسرة حقاً. وعلى أي حال، أمريكا انتقمت مني بشراسة ولؤم في 67.
سيادة الرئيس، دعنا قليلاً من الجماهير. بعد 56 بسنتين عقدت وحدة مع البعث في سورية.
- أبداً. أنا أقمت وحدة مع سورية تحت إلحاح السوريين. أتوا الى القاهرة وقالوا انهم مستعدون لحل الأحزاب عندهم. الحقيقة انني كنت أحب أديب الشيشكلي ولم أكن أعرف هؤلاء الذين حلوا محله، ولا كنت أعرف ان البعثيين وغيرهم يريدون حل مشاكلهم من طريق الوحدة معي.
هل تعني انهم ورّطوك؟
- لا شك أن الجماهير السورية أرادت الوحدة بصدق. لكن حزب البعث. الله. حزب البعث قصّر عمري صمت وإطراق.
ماذا حصل يا سيادة الرئيس؟
- أرجوك لا تذكّرني. كل ما فعلوه كان ضدي. كانوا يريدون السلطة لأنفسهم، وكل واحد منهم كان يكره الآخر ويتآمر عليه، وجميعهم كانوا يتآمرون علي وعلى الوحدة. والأنكى أنهم كانوا يتباهون بأنهم أصحاب عقيدة بينما أنا بدون أفكار. هل قرأت كتاب "في سبيل البعث" لمؤسسهم ميشيل عفلق. حاجة تخزي.
أنت أثرت هذه المسألة معهم عام 1963...
- نعم، حين أرادوا تكرار المحاولة مستعينين برفاقهم العراقيين الذين استولوا على السلطة في بغداد. قالوا انهم يريدون بناء دولة للوحدة تتلافى اخطاء وحدة 1958 فحدّثتهم عن دساتير بلدان العالم الوحدوية والفيدرالية فتبين أنهم لم يسمعوا بها. وسألت "الأستاذ ميشيل"، زعيمهم دا ال... عبيط، عن فهمه للوحدة والحرية والاشتراكية فلم يقل إلا "يعني يعني". أرجوك، دعنا نغير هذا الحديث.
كذلك ورّطوك في حرب 67؟
- يا ابني، أمين الحافظ أول رئيس اختاروه بعدما ذبحوا الناصريين، قال إنه يحرر فلسطين في 24 ساعة. تأمل! قالها في أول مؤتمر قمة عربي! وفي سنة 67 ظلت إذاعتهم لأشهر لا تتحدث الا عن تحرير فلسطين بحرب الشعب الطويلة الأمد. كلام ما أنزل الله به من سلطان. وضعوني في مأزق أمام الجماهير لا أستطيع معه الا أن أغلق خليج العقبة وأطلب رحيل القوات الدولية. بعصبية قلت لك أرجوك غيّر هذا الحديث.
لكن البعثيين وغيرهم يقولون انك ديكتاتور وتكره الحياة الحزبية.
- يستلقي على ظهره ضحكاً ديكتاتور، بيقولوا! البلدان التي حكمها البعثيون عملوها سويسرا! أنا لا أحب الأحزاب، هذا ليس سراً. في 52 ثرت ضد الملك والأحزاب. وبذمتك، إذا كان عندك حزب كالبعث، فهل تثق بالاحزاب؟
لكنك استطعت، يا سيادة الرئيس، ان تنكّل في وقت واحد بالاخوان وبالشيوعيين؟
- ماذا فعلتُ أنا قياساً بحكام البعث؟
عبد القادر عودة وسيد قطب وفرج الله الحلو وشهدي عطية...
- بمجرد أنك تسمّيهم، فهذا يعني اننا نتحدث عن درجة معقولة في القمع. السوفيات قبلي عملوا أكتر كتير. وستالين عبده الشيوعيون العرب. ودول اللي حكموا بعدي باسم الاسلام، الخميني وعمر البشير والمجانين الأفغان، إسمهم إيه؟ طالبان... دول كانوا يلعبو مزّيكا يعني...
لكن خلافك مع محمد نجيب دار أساساً حول الحياة الحزبية...
- محمد نجيب عبيط. لم يكن يفهم شيئاً. أرادنا ان نستولي على السلطة ثم نسلم الحكم للاحزاب التي تمردنا عليها. معقول؟
مراد غالب، الناصري وسفيرك الى موسكو نقل، في مذكراته، عن عبد الحكيم عامر انك كنت لا تطيق اليوم الذي يمر ولا تكون صورك وأخبارك في الصفحة الأولى من الجرائد.
- عبد الحكيم بيقول كده؟
هذا ما قاله لمراد غالب.
- عبد الحكيم أعطيته أكثر مما يعطي أي صديق لصديقه. جعلته مشيراً وقائداً أعلى للقوات المسلحة ومنحته امتيازات بلا حدود، ومع هذا غدر بي. حاول ان ينقلب علي.
لقد ذهب قتلاً يومذاك، أليس كذلك؟
- دعنا من هذا. إنه يؤلمني. لكنني سأكتفي بالقول إن شعوبنا تحب الزعيم القائد الذي تتشخصن فيه قضاياها. ألم تر صوري والجماهير ترفع سيارتي بأكفها؟ لا يزال حتى اليوم صدى "يا حبيب الكل يا ناصر" يتردد في سمعي، وفي روحي أيضاً...
حين استقلتَ في 9 يونيو هل كنت جدياً، وهل الجماهير هي التي أعادتك فعلاً عن الاستقالة؟
- تريد الحقيقة؟ لم أكن جدياً. كنت أعرف ان الجماهير ستطالبني بالعودة. وحتى لو وضعت شخصي وطموحاتي جانباً، تبقى المسؤولية عما حدث. لا يمكن ترك الأمور هكذا بعد هزيمة كالتي حلّت. والجماهير هي فعلاً من تحرك وأعادني. لكنْ سأصارحك القول إنه لو لم تتحرك الجماهير لكان علي ]صبري[ وسامي ]شرف[ والآخرين على أتم الاستعداد لتحريكها كي نعاود التصحيح ونشن حرب الاستنزاف.
لكن حرب الاستنزاف أسست ظاهرة غير مسبوقة في مصر هي الهجرة الى الخارج التي بدأها النازحون من مدن القناة...
- لكنها أسست أيضاً حرب أكتوبر... ومالك يا بني لا تحدثني الا عن الانتقادات. لماذا لا تذكر الانجازات؟
مثلاً؟
- الله! أنا أممت القناة. أنت فاكر مستر إيدن؟ أنا أسقطته. وزعت الأراضي وبنيت المدارس في الأرياف. أبناء الفلاحين الغلابة تعلموا...
لكن يقال إن العلم الذي تعلموه ما عاد يفيدهم كثيراً في هذا الزمن الموصوف بالعولمة، بينما خسرت مصر طاقاتها العلمية وتراجع التعليم عموماً وأغلقت المدارس المهمة وتدهورت المعرفة باللغات الأجنبية وهربت الرساميل وتفاقمت مشكلة الأقباط...
- الله! الله! الله! أنت ما تعرفش تقول حاجة كويّسة! أنا عملت كل ده؟! الأقباط؟ كمال رمزي ستينو كان وزيراً دائماً. في السياسة الدولية وقفت ضد الحلف الاسلامي والقوى الاسلامية. حالفت السوفيات الملاحدة. أيدت مكاريوس ضد تركيا ونهرو ضد باكستان وتيتو ضد الداعية... إسمو إيه؟ بيكوفيتش. أنا تدخلت في تعليم الأزهر والتعليم الديني...
لكنك، يا سيادة الرئيس، قمعتَ الإسلاميين واستعرت لغتهم...
- أنا أستعير منهم! من دول! دي لغتي. لغة مصر...
يدخل النادل ويقدم للرئيس علبة "كنت" بعدما كان دخّن علبة كاملة ملأ منفضتين بسجائرها.
ألا تقاطع السجائر الأمريكية؟
- بلاش هزار يقولها بعبوس كأنه يزجرني عما يظنه استخفافاً به.
سيادة الرئيس، لا أقصد...
- نعود إلى الجدّ...
لا بد أنك عرفت بانهيار الاتحاد السوفياتي. هل من درس يمكن استنتاجه مما حصل؟
- هذا هو الأساس. انهيار الاتحاد السوفياتي يعني ان مقاومة أمريكا صارت عبثاً. هذه هي الأساسيات في السياسة. خلاص. انتهى عصر البطولة والأبطال. في شبابي قرأت توماس كارليل وتأثرت به. هو الذي أوحى لي بتلك العبارة عن الدور الذي ينتظر بطلاً. الآن أسمع أن القاهرة لا تعرف الا الكوكا ونجوم التلفزيون و... الم ك دو ن ال دز... وما عرفش إيه... كنا في أيامنا نسعى وراء غايات مثلى. الآن لا...
الاسلاميون يسعون الى إقامة الدولة الإسلامية...
- آه! إبن حسن الهضيبي وجماعته. دول الإخونجية...
ليس فقط الإخونجية. إنها حالة واسعة وعريضة...
- قلت لك إنك تضيع عن الأساسيات: حيث يوجد الأمريكان يوجد هؤلاء. الآن الأمريكان في كل مكان. حتى في العراق كما فهمت يوم أمس.
يا سيادة الرئيس، إسمح لي أن أقول لك إنك تبسّط الأمور. مصر الآن تتلقى معونات ضخمة من الولايات المتحدة ويقال إنها تنفّذ إصلاحات...
- دي الخطة المرسومة من زمان. أيام شمعون وحسين ونوري قاومت النفوذ الغربي في المنطقة. قاتلته في اليمن. حرّضت الجماهير على الاستعمار وأعوان الاستعمار. في الجزائر وفي جنوب اليمن وفي كل مكان. الآن، من دون السوفيات، يمكن للأجانب أن يفعلوا كل شيء... بصوت منخفض كأنه يهمس لنفسه يفعلوا حتى إصلاحات يرفع صوته إصلاحات إيه؟ خليهُم يسيبونا في حالنا...
لكن هذا لم يعد ممكناً. ثم ماذا تنفع مقاومة النفوذ الغربي إن لم نكن قادرين على إيجاد بدائل اقتصادية واجتماعية أرقى؟
- لما استقبلت وفد شركة السويس الذي جاء يفاوضني كي لا أؤمم القناة، سألني رئيس الوفد وكان من نيوزيلندا أو أستراليا: وماذا ستفعلون بالقناة بعد تأميمها؟ قلت: نصيّد سمك. الكرامة يا أخي الكرامة. يرفع صوته ويضرب يده على الطاولة وتتبدى عليه العصبية إرفع رأسك يا أخي... هذا كان شعاري يخفض صوته لكنْ خلاص. ما فيش سوفيات ما فيش حاجة. الانفصال السوري في 1961 كان أصل اللعنة، وهو ما كان يمكن أن يحصل لولا خلافي آنذاك مع موسكو بسبب العراق وعبد الكريم قاسم. دول اللي عايزين يقاتلو من دون سوفيات ما يفهموش حاجة. حاولت أن أقنع من سبقوهم على هذا الدرب بهذه الحقيقة حين وافقت على القرار 242 ثم مبادرة روجرز المدعومة من السوفيات قبل أشهر على رحيلي. الثوريين رفضوا. وبعدين بتقول بدائل؟ بدائل إيه؟
هل تعني لك شيئاً أسماء بن لادن وصدام وشارون؟
- بن لادن دا مجنون، وصدام مجنون أكتر، وشارون برضه مجنون قوي. بسبب انهيار السوفيات عربد الجنون وعربد الأمريكان والاسرائيليون في الوقت نفسه.
واحتلال الكويت و11 سبتمبر وحرب العراق والعمليات الانتحارية؟
- ما بقولّك... دي كلها أعمال جنونية ما كانتش بتحصل لو بقيت وبقي الاتحاد السوفياتي.
يبدو أنك ترى كل شيء من زاوية صراع القطبين...
- أمّال. بالطبع. كل عاقل يفكر كده... وبعدين، خروتشيف راجل طيب في النهاية، رغم الخلاف حول العراق والشيوعية والبتاع. وبريجنيف تفهّم حاجة مصر. كنا نريد منه أكثر ولكن ما العمل؟ يصمت قليلاً قوللي: أنت لبناني؟
نعم؟
- أخبار الصحافة في لبنان إيه؟ هل قضت عليها الحرب؟
لا يا سيادة الرئيس. تراجعت بسبب الحرب كما هاجر بعضها. لكن الصحافيين اللبنانيين مستعدون للأسوأ. حتى قبل الحرب بسنوات قُتل كامل مروة كما تعلم...
ينظر في سطح الغرفة وإلى ساعته كأنه يريد إنهاء المقابلة.
كيف تقضي أوقاتك هنا؟ هل لديك كومبيوتر؟
- أجروا لنا دورة تدريب عليه لكنني تهربت من حضورها لأنني كنت أقرأ كتاباً عن فنون الخطابة. الحقيقة أن عندي الكثير من الوقت للقراءة. تأمل: أقرأ مطوّلات هيكل كلها، وأستمع الى أم كلثوم. تأمل أنني أستمع الى أغانيها المسجلة في الحفلات حتى نهايتها. مؤخراً وصل الملك حسين فأسكنوه قريباً مني على الطريق بين بيتي والجنة. نتسلى معاً بالشطرنج ولا نتحدث في السياسة حفاظاً على صداقتنا، مع أنني مرةً عاتبته على استضافة أكرم الحوراني في عمّان. الملك يجيد هوايات ورياضات لا يجيدها أبناء الفلاحين مثلي. يقود سيارات وطائرات وعجايب غرايب، وأحياناً توقظني عند الفجر الأصوات التي تُحدثها آلاته العجيبة. ومرات نغيظ بعضنا قليلاً. أصرّ عليّ أن أصطحبه في زيارة صديقه شاه إيران، فرفضت وقلت له إن الشاه متعجرف لا أحبه، خصوصاً أنه صديق لأنور. لكنني هددت حسين بأنه إذا ما أصرّ ثانية، فسآخذه الى صديقي الإيراني الآخر: الخميني. وعلمت لاحقاً أن الخميني سمع بمداعبتي التهديدية لحسين وتجهّم وجهه ونفى أن يكون صديقاً لي! بالمناسبة، الخميني خُصص له بيت أبعد من بيتي عن الجنة يقهقه.
سيادة الرئيس، هل من وصية أنقلها عنك لسكان الأرض؟
- سكان الأرض... دي كلمة كبيرة قوي. ح قولّك بصفتك لبناني: خود بالك من البعث يا ابني...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.