حصلت "الحياة" على وثيقتين تتضمنان المواقف التفاوضية لكل من الحكومة السودانية و"الحركة الشعبية لتحرير السودان" بزعامة الدكتور جون قرنق، واللتين قدمتا الى اللجان الفنية المشتركة، قبل رفعهما الى النائب الأول للرئيس السوداني علي عثمان محمد طه والدكتور قرنق اللذين يتفاوضان في شأنهما. وأظهرت الوثيقتان تباينات عدة، ربما كان ابرزها موضوع المناطق الثلاث "المهمشة" جنوب النيل الازرق وابيي وجبال النوبة. وهنا قراءة لبعض من نقاط الخلاف والاتفاق. نص موقف الحكومة السودانية، في المفاوضات التي تجريها في كينيا مع "الحركة الشعبية لتحرير السودان" على تبعية النيل الأزرق وجبال النوبة الى الدستور القومي، في اشارة الى ربطهما بالشمال في ما يتعلق بالتشريع الاسلامي والقوانين والقضاء، على أن تجري انتخابات لاختيار الحكام من مواطني المنطقتين. وبعد ذلك يقوم حكام الولايات بتعيين مجالس تنفيذية لتنفيذ السياسات والسلطات مع الحكام. لكن "الحركة الشعبية" حرصت في موقفها على تسمية جنوب النيل الأزرق "اقليم الفونج" الذي يرمز الى سلطة سودانية مملكة الفونج قديمة سقطت على أيدي الاستعمار التركي في القرن التاسع عشر. وطالبت "الحركة" ايضاً ب"أن يكون للنوبة والفونج دستوراً مستقلاً لكل اقليم على ان يدار الاقليمان مباشرة من مكتب الرئاسة ويلحقان بمكتب نائب الرئيس". وتهدف "الحركة الشعبية" الى ان تكون المنطقتان تابعتين للكيان الجنوبي شأنهما شأن بقية الولاياتالجنوبية. ونادت "الحركة" بمنح تلك الولايات تشريعات مستقلة عن المركز، تأكيداً لكون نظام الحكم فيها علمانياً. كما طالبت بانتخابات لاختيار الحكام الذين يتمتعون بصلاحيات تعيين مجالس تنفيذية ل"الوزراء". وفي مجال القضاء دعت الحكومة الى "ان يخضع تشكيل المحاكم وسلطاتها للدستور القومي وان تمنح الولايات حق تأسيس محاكم ولائية". واشارت الى ان تعيين القضاة وعزلهم يخضع لمصادقة مفوضية الخدمة القضائية، وضمان عدم خضوع استقلال القضاء وحياده للتدخلات السياسية. لكن موقف "الحركة" شدد على ان تؤسس الاقاليم المعنية محاكمها المستقلة. كما شددت على منح "الفونج والنوبة" حق تقرير المصير خلال المرحلة الانتقالية. اما على مستوى التمثيل التنفيذي والتشريعي القومي، فأوصى الموقف الحكومي بالتمثيل المتساوي في المجلس الوطني البرلمان استناداً الى نسبة الكثافة السكانية، و"على اساس المواطنة، ويتمتع سكان النيل الازرق والنوبة بحق المنافسة في الوظائف القومية العليا السياسية والعسكرية والمدنية من دون اي تمييز". كما طالبت الحكومة بمنح كل ولاية نصيباً متساوياً من العائدات الوطنية، على ان يمنح كل من الولايتين عناية خاصة بتمويل المناطق المتأثرة بالحرب في سياق التنمية واعادة البناء. وعلى نقيض ذلك يتفق موقف "الحركة" التفاوضي الذي يطالب بقسمة الثروة للمنطقتين بالطريقة ذاتها التي يعامل بها الجنوب، وان يتم انشاء صندوق خاص للتنمية ومعالجة قضايا الارض على اساس "ملكية المجتمع". ودعت الحركة في ما يتعلق بالسلطة الى منح الفونج نسبة 4 في المئة من مقاعد البرلمان والنوبة 9 في المئة، و2 في المئة من نسبة عدد الوزراء الاتحاديين للولايتين. و9 في المئة للنوبة في مجلس الولايات و4 في المئة للفونج، والنسبة نفسها تمنح للنوبة والفونج في قسمة الوظائف القيادية في الخدمة المدنية. وطالب قرنق بترتيبات امنية للمناطق الثلاث مماثلة للترتيبات الامنية ل"الجيش الشعبي لتحرير السودان" في الجنوب. واغفل الموقف الحكومي وضعية منطقة ابيي الا ان "الحركة" اعادتها الى بحر الغزال، ويتضمن ذلك في اتفاق السلام، اضافة الى ضمان حق القبائل في المنطقة بالرعي كما هو معروف تقليدياً في ابيي، وتكوين آلية لحل النزاعات والصراعات. وكانت ابيي ضمت العام 1956 تاريخ استقلال السودان الى غرب كردفان التابعة الى الشمال، لكن قرنق يعتبر ان المنطقة بخصائصها السكانية والجغرافية جزء من جنوب السودان.