شن الطيران الحربي الاسرائيلي ثلاث غارات وحشية على عدد من الاهداف في مدينة غزة خلال اربع ساعات منذ صباح امس، ما اسفر عن سقوط ثلاثة شهداء وعشرات الجرحى. وعاشت المدينة لساعات اجواء حرب حقيقية بدا خلالها ان كل مكان غير آمن ومستهدف، فيما احتار المراسلون الصحافيون والمصورون الى اين يتوجهون مع تلاحق العمليات. وسمعت اصوات القصف في معظم ارجاء المدينة، في تصعيد خطير يتوقع ان يجر ردود فعل فلسطينية اكثر عنفاً. ثلاثة شهداء وأكثر من 30 جريحاً، وتدمير منزلين وسيارتين وإلحاق أضرار بعدد آخر من المنازل والسيارات، وكثير من الرعب بين النساء والأطفال الفلسطينيين. هذه هي حصيلة الهجمات الثلاث التي شنها الطيران الحربي الإسرائيلي على ثلاثة اهداف في مناطق متفرقة من مدينة غزة. وجاءت الهجمات الوحشية في اعقاب الهجوم الذي شنه مقاتلون فلسطينيون من "كتائب شهداء الاقصى"، الذراع العسكرية لحركة "فتح" قرب مستوطنة "عوفرا" شمال مدينة رام الله مساء اول من امس وأسفر عن مقتل ثلاثة جنود اسرائيليين. وتعتبر هذه العملية ضربة موجعة للجيش الاسرائيلي الذي يتغنى قادته ليل نهار بقوته وقدرته على الردع وايقاع اكبر الخسائر بالطرف الاخر، وتأتي لتؤكد سقوط مقولة "الجيش الذي لا يقهر". وتكشف قوة رد الفعل الاسرائيلي شدة الصدمة التي اثرت في معنويات الاسرائيليين، خصوصاً عندما توجه ضربات موجعة للجيش. ويظهر ان ردود الفعل الاسرائيلية ضد الفلسطينيين عادة ما تكون اقوى عندما يكون المستهدف الجيش في العمليات الاستشهادية التي تضرب المدن الاسرائيلية عادة. غارة استهدفت منزل ناشط في "حماس" وتبين ان هجومين من بين الثلاثة استهدفا ناشطين من "حركة المقاومة الاسلامية" حماس، فيما يبدو ان الثالث لم يصب الهدف المطلوب. وفي تفاصيل الهجمات الثلاث، فإن طائرة من طراز "اف 16" قصفت منزل عضو "كتائب القسام"، الذارع العسكرية ل"حماس"، عمار مشتهى في حي الشجاعية شرق المدينة، فأحالت معظمه الى ركام ودمار. الا ان الشهود اكدوا ان مشتهى نجا من الغارة وخرج من تحت الانقاض مصاباً بشظايا الصاروخ الثقيل، في حين اصيب في الهجوم 19 فلسطينياً معظمهم من كبار السن والنساء والاطفال الذين جرح منهم سبعة لا تتجاوز اعمارهم 10 أعوام. ويبعد المنزل المستهدف نحو 100 متر عن منزل القيادي البارز في حركة "الجهاد الاسلامي" الشيخ عبدالله الشامي "المطلوب الرقم 27" على لائحة "الاعدام السوداء" الاسرائيلية التي تشمل 34 قائدا وكادرا فلسطينيا، لكن الشامي لم يكن في منزله لحظة وقوع القصف. ونفى ناطق عسكري اسرائيلي ان يكون الهدف اغتيال الشامي، وقال: "ان عملية القصف استهدفت ورشة تابعة لحركة حماس تنتج متفجرات ووسائل قتالية... استخدمت لتنفيذ عمليات ضد اهداف اسرائيلية مثل عمليات اطلاق نار واطلاق صواريخ قسام وقذائف هاون وصواريخ مضادة للدبابات وزرع عبوات ناسفة". وأعرب الناطق باسم حركة "الجهاد" الشيخ نافذ عزام عن اعتقاده ان الشامي ليس المستهدف من الهجوم، مشيرا ل"الحياة" الى ان الشامي لم يكن موجوداً في منزله لدى وقوع الهجوم على المنزل الذي تفصله ثلاثة منازل اخرى عن منزل الشامي. وقال احد قيادي الحركة الشيخ خالد البطش لدى وصوله الى مكان الهجوم ان القصف "استهدف منزل احد المدنيين قرب منزل الشيخ الشامي، وهو بخير ولم يصب بأذى". واعتبر ان الهجوم "يشكل دليلاً على مواصلة اسرائيل للجرائم والعدوان ونحن لن نتخلى عن مواصلة المقاومة". وأضاف ان "شعبنا لن ينحني امام شراسة العدوان"، مطالباً "كل الاجهزة العسكرية بالتصدي لهذه الجرائم التي ترتكب في رفح وجنين وقلقيلية، ولا استبعد ان ترد على هذه الجرائم". لقاء بين مشعل وشلح وكان رئيس المكتب السياسي ل"حماس" خالد مشعل والامين العام ل"الجهاد" رمضان شلح حضا الشعب الفلسطيني على التصدي للاعتداءات الاسرائيلية. وقالت "حماس" في بيان بعد اجتماع بين المسؤولين لم يحدد مكانه او زمانه، ان الحركتين تدعوان جميع فصائل المقاومة الى التنسيق "من اجل التصدي للعدوان" الاسرائيلي. شهيدان من "القسام" في قصف سيارة وبعد ساعتين ونصف ساعة، شنت طائرات مروحية من نوع "اباتشي" الاميركية الصنع هجوماً على سيارة مدنية كان يستقلها عضوا "كتائب القسام" اياد الحلو 26 عاماً وخالد المصري 28 عاماً فسقطا شهيدين. وقال شاهد في مكان العملية ل"الحياة" ان صاروخاً واحداً اصاب السيارة المدنية التي كانت متوقفة على اشارة ضوئية حمراء، والى جانبها سيارة مدنية اخرى في شارع الجلاء المزدحم وسط مدينة غزة. وأضاف ان المسعفين "اخرجوا الشابين من السيارة جثتين متفحمتين ومقطعتي الاشلاء، في مشهد مخيف اقشعر له بدني"، مشيرا الى ان "سائق السيارة الثانية اصيب بجروح خطيرة، ادت الى استشهاده لاحقاً"، وهو الشهيد مروان الخطيب 35 عاماً. واشارت مصادر طبية في مستشفى الشفاء في غزة الى ان 10 مصابين، معظمهم من الاطفال، وصلوا الى المستشفى، لافتة الى أن عددا من المصابين في الاعتداءين في حال خطرة جداً. والحق القصف اضراراً جزئية بعدد من المنازل والسيارات القريبة. وحالت عناية الله دون وقوع كارثة كبيرة في حال وصول شظايا او قطع لهب الى محطة للوقود تبعد عن السيارة المستهدفة نحو 10 أمتار فقط. وبعد نحو ساعة ونصف ساعة، عادت مروحيات "اباتشي" واطلقت صاروخاً في اتجاه هدف في حي الشجاعية شرق المدينة مرة اخرى، الا انه اخطأ هدفه وأصاب منزلاً بدائياً يقع في بستان حمضيات على اطراف الحي من دون وقوع اصابات. وكانت طائرات "اف 16" أطلقت اثناء ساعات ليل الاحد - الاثنين في سماء الشجاعية عددا من القنابل الضوئية لاستطلاع المنطقة. وأدت عمليات القصف المتلاحقة الى حال من الرعب والتوتر والارتباك في شوارع مدينة غزة، خصوصاً مما هو قادم. كما ساد غضب شديد في الضفة والقطاع نتيجة القصف والعدوان الذي يجري في مدينة رفح منذ العاشر من الشهر الجاري. وكانت الطائرات الحربية الاسرائيلية نفذت في العاشر من الشهر الماضي آخر عملية قصف عندما استهدفت القيادي البارز في حركة "حماس" الدكتور محمود الزهار في منزله جنوب مدينة غزة، ما ادى الى استشهاد ابنه البكر خالد وحارسه الشخصي واصابة عدد آخر من المواطنين من بينهم زوجته وابنته. ويومها اعلنت "كتائب القسام" في بيان لها انها ستستهدف البنايات والابراج السكنية رداً على استهداف منازل الفلسطينيين وقادتهم. السلطة تدين الاعتداءات الاسرائيلية الى ذلك، دانت السلطة الفلسطينية اعتداءات الامس، وقال الوزير الفلسطيني صائب عريقات ان "العنف لا يولد الا العنف"، مضيفاً: "ندين بشدة هذا التصعيد الاسرائيلي الخطير". وشدد على ان "كسر دائرة العنف لا يمكن ان يتم عبر المزيد من الاغتيالات وبناء الجدران العنصرية او الاستيطان، بل فقط عبر عملية السلام والمفاوضات". ويأتي التصعيد الاسرائيلي في وقت توجه ثلاثة من قيادي حركة "فتح" الى الولاياتالمتحدة اول من امس للبحث في التوصل الى "هدنة متبادلة" بين الفلسطينيين واسرائيل. وكانت هدنة من جانب فصائل فلسطينية مسلحة انهارت في الحادي والعشرين من آب اغسطس بعد اكثر من 50 يوماً من اعلانها عندما اغتالت اسرائيل القيادي في حركة "حماس" اسماعيل ابو شنب. الى ذلك، شهدت مدينة رفح الخاضعة بعض احيائها ومناطقها الى الاحتلال منذ العاشر من الشهر الجاري، مزيدا من عمليات القتل والدمار، اذ سقط الشاب شادي ابو علوان 20 عاماً شهيداً عندما سقط جدار عليه بسبب قصف اسرائيلي ادى ايضاً إلى اصابة مواطنين اخرين. كما سقطت قذيفة دبابة في احد المنازل، ما ادى الى احتراقه كلياً. وتفيد احصاءات اجمالية عن اثار الدمار والقتل في المدينة منذ بدء العملية التي اطلق عليها الجيش الاسرائيلي اسم "علاج جذري" ويسميها الفلسطينيون عملية "اجتثاث جذري"، بأن 16 شهيداً سقطوا حتى الان وتم تدمير نحو 161 منزلاً كلياً يقطنها نحو 267 أسرة تضم 1250 فردا، اضافة الى تدمير 32 منزلاً جزئياً والحاق اضرار بنحو 220 منزلاً آخر. اسرائيل تحمل عرفات مسؤولية مقتل الجنود الثلاثة الى ذلك، حملت اسرائيل السلطة الفلسطينية والرئيس ياسر عرفات المسؤولية عن عملية مستوطنة "عوفرا" التي قتل فيها ثلاثة جنود اسرائيليين. واعتبرت مصادر سياسية اسرائيلية ان "ادعاء كتائب شهداء الاقصى ان العملية جاءت ردا على استمرار العمليات العسكرية الاسرائيلية، مثير للسخرية، الم تحدث عمليات اطلاق نار ووضع عبوات ناسفة قبل توغل الجيش الاسرائيلي في رفح. هذه حرب متواصلة ضد الارهاب وستواصل اسرائيل عملياتها العسكرية يوميا دفاعاً عن النفس". وعقب رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون على العلمية التي هزت معنويات جيشه قائلاً: "ان دولتنا قوية ولن تهزها عمليات من هذا القبيل، على العكس تماماً انها تساعد على تقويتنا أكثر فأكثر". من جهته، قال رئيس المجلس الاقليمي للمستوطنات مطية بنيامين ان "هذه العملية تم التخطيط لها وخرجت من مقر المقاطعة بايحاء من عرفات". واضاف انه "يتعين على الحكومة الاسرائيلية ان تقوم بواجبها من خلال تطبيق قرارها وابعاد هذا القاتل عرفات والقضاء عليه، لقد تسبب عرفات في سفك ما يكفي من دماء اليهود، من اجل ان تتمكن في نهاية المطاف من اصدار عقوبة الموت ضده، حتى ان خطوتنا هذه تعتبر اخلاقية، عادلة، وضرورية، ايضا في محاربة الارهاب". وكانت قوات الاحتلال فرضت حظر التجوال على قرية عين بيرود التي وقعت قربها العملية الفدائية، واخضعت سبع قرى مجاورة لها للحصار المشدد والاغلاق.