في 21 كانون الثاني يناير 1995 وجّهت "الجهاد الاسلامي" بقيادة امينها العام فتحي الشقاقي ضربة موجعة الى اسرائيل: عملية استشهادية مزدوجة في بيت ليد قرب تل ابيب اسفرت عن مقتل 20 جندياً اسرائيلياً. وردّ رئيس الوزراء اسحق رابين متعهداً معاقبة من يقف وراء العملية حتى وان كان وراء الحدود. ولم يكن سراً ان رابين أمر باغتيال الشقاقي. شعرت يومها بضرورة لقاء الشقاقي فقصدت دمشق. ولم يبخل عليّ بموعد على رغم حراجة الظروف، فاستقبلني وزميلي ابراهيم حميدي في شقة بالغة التواضع. وكأنه حدس بما يجول في خاطري فبادرني مبتسماً: "انا ما زلت شاباً ولم يحن وقتي بعد لسلسلة "يتذكر". امامنا الكثير من العمل". وافقته مضطراً وأجريت معه حديثاً حاولت فيه التقاط بعض جوانب تجربته نَشَرَتْهُ "الوسط" العدد 157 تاريخ 30/1/1995. خلال الحديث سألت الشقاقي عن تهديدات رابين فأجاب: "على المستوى الشخصي لا تهمني هذه التهديدات. انا اعتقدت بأنني عشت اكثر مما أتصور. دم الشهداء هو الذي ينجب المزيد من المقاتلين ويصعّد المواجهة ضد الاحتلال. لذلك نحن لسنا قلقين من مثل هذه التهديدات. وأقول في النهاية ما قاله الإمام عليّ، كرّم الله وجهه، حارس العمر الأجل". ولم أجد للمقابلة عنواناً افضل من "عشت اكثر مما تصورت". في تشرين الاول اكتوبر كان الشقافي في مالطا، في طريق عودته من ليبيا الى سورية، حين عاجله عملاء "الموساد" برصاصات أردت. تذكّرت يومها عبارته "عشتُ اكثر مما تصورت". وشاءت الصدف ان يسقط رابين نفسه في الشهر التالي برصاص اسرائيلي معارض للسلام. لماذا ذهب الشقاقي الى ليبيا ومن تكفّل اجراءات حمايته؟ كيف عرف "الموساد" ان الليبي ابراهيم الشاوش هو فتحي الشقاقي، علماً ان الاسم كان سراً كتمه حتى عن زوجته؟ هل حصل الاختراق من داخل "الجهاد" وما قصة الدراجة النارية التي استُخدمت في الاغتيال؟ للمرة الاولى يخوض الدكتور رمضان عبدالله شلّح الامين العام ل"الجهاد" تفصيلاً في واقعة اغتيال سلفه. وهنا نص الحلقة الثانية: كيف اغتيل فتحي الشقاقي ولماذا كنت متخوفاً من ذهابه الى ليبيا؟ - في 11 تشرين الأول اكتوبر 1995 ذهب الدكتور الشقاقي الى ليبيا مع وفد من قادة الفصائل الفلسطينية في اطار وساطة لاقناع العقيد القذافي بالسماح بعودة اللاجئين الفلسطينيين الذين أبعدهم ومكث في طرابلس اسبوعين، ثم قرر العودة الى دمشق عبر مالطا فاغتيل فيها على يد الموساد الاسرائيلي. هل عاد مع قادة الفصائل؟ - لا. تأخر عن الجميع. لماذا؟ - حسب ما قاله لنا على الهاتف من طرابلس انهم طلبوا منه ان يتأخر لمقابلة القذافي على انفراد، وكان من المقرر أصلاً أن يعود في 19 من الشهر المذكور. لماذا عبر مالطا؟ - مالطا كانت ممراً إجبارياً أثناء الحصار على ليبيا، كان هناك طريق تونس ومصر براً، ولكن لم يكن بإمكانه الذهاب عبر هاتين الدولتين. إذن كان في طريقه من مالطا الى دمشق؟ - خط سيره كان دمشق - روما - مالطا - طرابلس ذهاباً وإياباً. دمشق - روما - مالطا بالطائرة ومن مالطا الى طرابلس بالباخرة عن طريق البحر. من كان يعرف في الحركة بسفر الشقاقي؟ - كثيرون في الحركة وخارجها، ونُشر عن الزيارة في الإعلام. من سرب خبر الزيارة؟ - التسرب حصل من طرابلس. لماذا كنت متخوفاً ومتوجساً من سفره؟ - لأن رأسه كان مطلوباً للاسرائيليين واسحق رابين شخصياً هدد بتصفيته، والطريقة التي تم بها السفر لم تكن تبعث على الارتياح. كيف؟ - مثلاً سافر بمفرده. يعني لم يرافقه أحد من الحركة أو حراس؟ - لا. وعندما عرض عليه ذلك رفض وقال ان الليبيين تكفلوا بإجراءات السفر وترتيباته والحماية خاصة في مالطا وطرابلس والخوف كله كان من مالطا. يعني كان لديكم مخاوف من احتمال أن تكون مالطا مسرحاً لاغتيال الشقاقي؟ - دعني أقول لك بصدق ماذا دار بيني وبينه على الأقل صباح سفره. تقصد ليلة سفره التي أعطاك فيها مفتاح غرفته؟ - إذا أردت أن نعود الى هذه الليلة لا بأس. فقد كانت الساعة حوالى الواحدة ليلاً عندما ناداني وأعطاني نسخة من مفتاح غرفة مكتبه. رفضت وقلت ان لا داعي لذلك فلدي غرفة مكتب في الشقة الصغيرة التي أقيم فيها قبالة شقته في الطابق العلوي. لكنه أصر وطلب مني أن أداوم مكانه في فترة غيابه وأتواصل مع الاخوان في الداخل ووعد بأن يكون على اتصال معي من طرابلس. هل حدد لك موعد عودته؟ - لا. لكنه اعطاني شيفرة للتعامل بها على الهاتف ومن خلالها أعرف موعد مجيئه. وفعلاً عندما أخبرني بموعد قدومه بهذه الشيفرة ذهبت الى مطار دمشق لكنه لم يصل. متى كان ذلك؟ - قبل أن أتحدث عن موعد وصوله أعود الى صبيحة سفره. ليلة السفر صعدت الى الشقة بعدما أعطاني المفتاح لكنني لم استطع النوم. انتابني شعور غريب وكان القلق من هذه الرحلة يكبر في داخلي فبقيت مستيقظاً أقرأ. وبعد صلاة الفجر وجدتني أنزل لأنتظره في المكتب وأصحبه الى المطار. وعندما نزل ورآني استغرب وألح عليّ أن لا داعي لذهابي الى المطار، لكني كنت مصراً على ذلك فقبل وطلب مني أن أصعد وأحضر له كتاباً شاهدني أقرأه، وكان كتاب "حوار الدين والدولة" لبرهان غليون وسمير أمين. أحضرت الكتاب وذهبنا الى المطار... في السيارة سألني: أين أخطر نقطة في هذه الرحلة برأيك؟ قلت له كلها. كان يعتبر ذلك مبالغة مني وانتصاراً لمخاوفي. لكنه بدأ يسأل عن كل محطة فكان تأكيدي وتحذيري له من مالطا لأني سافرت معه قبل ذلك الى طرابلس عبر مالطا. متى كان ذلك؟ - في صيف 1994. ذهبت معه لحضور ندوة لما يسمى "ملتقى الحوار العربي الديموقراطي" في طرابلس. لكنك كنت في أميركا يومها؟ - نعم، كنت في أميركا لكني جئت في زيارة لحضور ندوة. هل جئت الى دمشق أولاً؟ - لا. ذهبت الى مالطا وكان الترتيب ان انتظر الدكتور فتحي في مطارها وهو يأتي من دمشق على الطائرة الآتية من روما. وعندما وصل وبعض المشاركين في الندوة القادمين من دمشق كان هناك شخص ليبي تابع اجراءات سفرنا عبر الباخرة. وأذكر أننا مكثنا في مطار مالطا من حوالى الاولى ظهراً الى السابعة مساء موعد تحرك الباخرة. وانضم إلينا اخوة آخرون قادمون من مصر لحضور الندوة. تصور أن ينتظر شخص مثل الدكتور فتحي في مطار مالطا حوالى 6 ساعات في كافيتريا أو صالة المطار. وهذه ليست أول مرة لأني سمعت من بعض قادة الفصائل الفلسطينية انهم في إحدى المرات تجمع حوالى عشرين من قادة الفصائل وكان معهم الدكتور فتحي وآخرون مطلوبون للعدو الصهيوني بالطريقة نفسها. من يتحمل مسؤولية ذلك بنظرك، الليبيون؟ - الطرفان. الليبيون ثم الفصائل وقادتها الذين يقبلون بذلك. بما في ذلك "الجهاد الاسلامي"؟ - الجهاد الاسلامي أولهم، لأن الدكتور فتحي كان في طليعة المستهدفين. هل التقيت القذافي في هذه الرحلة؟ - لا لم ألتقه. ولم يسبق لك أن التقيته؟ - بلى، التقيته مرة واحدة. متى كان ذلك وكيف؟ - كان ذلك في أواخر عام 1990، عندما دعا القذافي الى اجتماع لما يسمى "القيادة الاسلامية العالمية"، وهو اطار أو تجمع كان يضم معظم قادة الحركات الاسلامية والقومية وزعمائها في العالم العربي والاسلامي. وكان الاجتماع على خلفية الاجتياح العراقي للكويت. يومها حضرت هذا الاجتماع مع وفد من الحركة برئاسة الدكتور فتحي. وبعد انتهاء أعمال الاجتماع أو المؤتمر التقينا العقيد القذافي، الدكتور فتحي، واخوان آخران وأنا. استقبلنا في خيمة في مزرعة وكان يرتدي بدلة رياضية. ماذا دار في هذا اللقاء وماذا كان انطباعك عن القذافي؟ - اللقاء تركز حول موقف ليبيا وضرورة دعمها للشعب الفلسطيني، وكانت المنطقة تعيش نذر الحرب الاميركية في الخليج. انطباعي الشخصي في هذا اللقاء كان ايجابياً وخفف من آثار انطباعات سلبية حدثت في المؤتمر. القذافي و"الزنادقة" انطباعات سلبية مثل ماذا؟ - في المؤتمر كرر العقيد القذافي هجومه العنيف على الحركات الاسلامية واتهمها "بالزندقة". كلمته المشهورة. وهاجم سيد قطب واتهمه بالعمالة للأميركان... كان هذا في حضور كبار قادة الحركات الاسلامية في العالم. مثلاً أشخاص مثل الدكتور حسن الترابي والشيخ راشد الغنوشي كانوا هناك وكانوا يجلسون في الصف الأول. أظن ان الحاضرين بمعظمهم كانوا مستائين مما سمعوا، ومن المواقف المؤثرة التي تحسب للشيخ راشد الغنوشي انه رد في كلمته على اتهامات القذافي بكل جرأة وشجاعة ولكن بأدب وذكاء أيضاً. في رحلته الاخيرة الى ليبيا هل سافر الشقاقي باسمه الحقيقي وما نوع جواز سفره؟ - لا لم يسافر باسمه الحقيقي. سافر بجواز سفر ليبي باسم ابراهيم الشاوش. هل كان الاسم معروفاً لأحد في الحركة؟ - الاسم لم يكن معروفاً حتى لزوجته وبصعوبة استطعنا معرفة الاسم للاستفسار عنه عندما لم يأت. متى كان موعد وصوله؟ - كان من المقرر ان يصل الساعة الخامسة بعد ظهر يوم الجمعة 27/10/1995. لكنه استشهد يوم 26/10. - نعم كان ذلك يوم الخميس الذي سبق الجمعة لكننا لم نعلم بذلك. عندما لم يصل الى المطار ماذا فعلت؟ - عدت الى المكتب في مخيم اليرموك. ماذا دار بخلدك في طريق عودتك من المطار، هل عادت اليك مخاوفك التي راودتك قبل سفره. - في الحقيقة كانت الرحلة من المطار الى المخيم اطول رحلة في حياتي. لقد دارت في مخيلتي سيناريوات واحتمالات عدة، لكن مشهداً سوداوياً اجتاحني تخيلت فيه كل ما حدث بعد ذلك. ولا ادري لماذا كانت فكرة الاغتيال هي الاحتمال الاقوى لدرجة انني فور وصولي الى المكتب طلبت من الأخ الذي كان بمثابة سكرتير في مكتبه ان يحضر لي جهاز الراديو ويغلق الباب وان لا يدخل احداً. ومكثت لفترة أقلب في المحطات علّي التقط طرف خبر فلم اسمع شيئاً. وبعدها سألت عن اسمه في الجواز واتصلنا بالمكتب الليبي في مالطا وعندما سمع الشخص الذي سألناه الاسم قال بكل سهولة وبرود اعصاب: هذا مات بالأمس! هل قال لك انت؟ - لا، قال لشخص آخر طلبت منه ان يتصل ويسأله وكنت انا موجوداً بجانبه. اين ذهبت شكوكك في تلك اللحظات ومن كنت تتهم؟ - الموساد الاسرائيلي. الإلحاح الليبي اقصد مخاوفك التي كانت موجودة قبل سفره، هل سببها فقط انه كان ذاهباً عبر مالطا؟ - في الحقيقة المخاوف كانت لها علاقة ايضاً بالإلحاح الليبي على ضرورة سفره هو شخصياً. ماذا قرأت في هذا الالحاح؟ - أنا لا اريد أن أتهم احداً، ولكن لدينا تساؤلات لم يجب عنها الاخوة في ليبيا للأسف. مثل ماذا؟ - يعني دعني أقول لك بصراحة التأخير لمدة اسبوع آخر من دون الآخرين كان لافتاً. ومن خلال ما توافر لدينا من معلومات وتحريات بعد ذلك عرفنا مثلاً ان الاسرائيليين ارسلوا شخصاً لشراء الدراجة النارية التي استخدمت في عملية الاغتيال بتاريخ 7/8/95 من اثينا باليونان. وطلبوا من محل بيع الدراجات ان يشتري لهم الدراجة من اليابان ويشحنها الى مالطا عبر اكثر من محطة لكن خلال اقصر مدة زمنية، نحو اسبوعين، واكدوا استعدادهم لدفع الثمن الذي يريده التاجر. هل كان هذا الشخص اسرائيلياً؟ - لا أعرف أصله، لكنه كان يحمل جواز سفر فرنسياً مزوراً باسم فيليب رينيه وكان يتحدث الألمانية فعندما لم يفهموا عليه تحدث الفرنسية فلم يفهموا ايضاً فتحدث بانكليزية ركيكة. وعندما أراد ان يدفع ثمن الدراجة عرض عملة ألمانية، لكن المحل دله الى البنك وذهب وحول نقوداً وعاد ودفع بالعملة اليونانية. المهم في هذا الموضوع هو التاريخ، كانوا مستعجلين جداً لأنهم كانوا يتوقعون سفر الدكتور فتحي لحضور احتفالات الفاتح من ايلول سبتمبر في ليبيا. لكن الدكتور لم يسافر ولم يحضر المناسبة فجاءت بعدها مباشرة فكرة السفر من أجل عودة اللاجئين والإلحاح الليبي على السفر. ثم ان اجراءات سفره من طرابلس الى مالطا ونزوله في الفندق كانت كلها تحت مسؤوليتهم وهم الذين يعرفونها. ألم تطرحوا هذه المسائل مع الليبيين؟ - طرحناها، ولكن للأسف لم نسمع منهم سوى الاعتذار والاعتراف بالتقصير والخطأ في عدم تقدير الخطر على حياة الدكتور فتحي. تقصير من الأمن الليبي؟ اللجان الثورية؟ من في ليبيا المسؤول؟ - الجميع. الأمن واللجان وغيرهم، هي مسؤوليتهم وهو ضيفهم وكانوا متكفلين بكل الاجراءات. هل الاختراق وارد هنا؟ - ربما، ليبيا بلد كبير والاسرائيليون لا يتركون شيئاً. إذن هل بقي اغتيال الشقاقي لغزاً من دون حل؟ - لا ليس لغزاً، لكن الوقت غير مناسب لكشف كل التفاصيل. هل استطاع جهاز الموساد الاقتراب من الشقاقي؟ - ليس عن طريق حركة "الجهاد" أو ليس بواسطة أعضاء في "الجهاد". هل تعتقد بأن الذي اغتال الشقاقي عربي أم اسرائيلي؟ - ما أعرفه انه عميل للموساد، لكنني لا أعرف ما هي جنسيته. وحسب تشخيص الشرطة المالطية للمشبوهين قالوا ان ملامحهم شرق أوسطية. والاسرائيليون ملامح الكثيرين منهم شرق أوسطية. وبعد ذلك نشرت الصحف الاسرائيلية خبراً يقول ان ضابط الموساد الذي كان مسؤولاً عن عملية اغتيال الشقاقي أكله سمك القرش في ايطاليا. هل تأكد هذا الخبر؟ - لم نهتم به. ويكفي ان الله انتقم لمقتل الشقاقي باغتيال رابين بعد أقل من اسبوعين من اغتيال الشقاقي. وأنتم كيف انتقمتم؟ - كيف؟ بعد أقل من اسبوعين فجر استشهاديان نفسيهما في باص صهيوني في غزة وفي 4 آذار مارس 1996 فجر الاستشهادي رامز عبيد نفسه في شارع ديزنغوف وقتل 14 صهيونياً وجرح 46 آخرين. هل الدراجة التي اشتريت من اليونان هي التي استخدمت في الاغتيال؟ - هذا ما توافر لدينا من معلومات، الموساد أدخلها مالطا واستخدم لها رقم دراجة نارية كانت مسروقة قبل عام من الحدث وأعلن عنها في الصحف المالطية، وكان الموساد قد التقطها من الصحف. فالرقم صحيح لكن اللوحة المعدنية للرقم مزيفة. كيف تأكدتم وانتم في دمشق ان الشخص الذي اغتيل في مالطا هو فتحي الشقاقي بعينه؟ - أولاً حاولنا الاتصال بالليبيين في طرابلس، ولكن للأسف لم نستطع الوصول الى أي شخص من المعنيين بالأمر. اتصلنا يوم السبت 28/10 بشخص مالطي اسمه اليكس كان يعمل مع الليبيين في خدمات السفر والضيافة في مالطا فأكد لنا النبأ... ومساء ذلك اليوم اتصلت أنا شخصياً بالفندق وتحدثت مع المديرة فحولتني الى البوليس المالطي والضابط المسؤول عن الملف. وعندما سألته عن الأمر في البداية تحفظ عن الإدلاء بمعلومات على الهاتف، ورفض ذكر أوصاف الشهيد، وقال لي: "أنت صفه لي، وعندما وصفته قال لي: هو بعينه. وكان العدو قد سرب الخبر وذكر ان الشخص تاجر ليبي ولكن يعتقد انه فتحي الشقاقي... في اليوم التالي اصدرنا بياناً رسمياً ينعى الشهيد ويوم الاثنين 30/10 الساعة 11.5 ليلاً وصل جثمانه الى مطار دمشق وشيع الأربعاء في جنازة ضخمة في مخيم اليرموك في دمشق سار فيها اكثر من ربع مليون نسمة. هل كان هناك اتصال بينكم وبين القيادة السورية حول استقبال الجثمان ودفنه في دمشق؟ - نعم، ولا ننسى الموقف التاريخي الذي وقفه الرئيس حافظ الأسد، رحمه الله، بتسهيل عودة جثمان الشهيد ودفنه في دمشق في جنازة مهيبة. هل كنتم تخشون رفضاً سورياً؟ - لا، لم نكن نتوقع الرفض، لكنه موقف شجاع بكل المقاييس يليق بسورية وبالشهيد الشقاقي الذي لم يخب ظنه في الرئيس الأسد حياً وميتاً. ماذا تقصد بذلك؟ - أذكر أنني قبل استشهاد الدكتور فتحي بشهور صعدت معه مساء يوم الى جبل قاسيون وكنا ننظر الى دمشق رابضة عند سفح الجبل بمنظرها الساحر وأضوائها الخلابة، لا سيما الأضواء الخضراء التي تنبعث من مآذن المساجد، فالتفت الى الدكتور فتحي، رحمه الله، وسألته هل تعتقد بأن علم اسرائيل سيرتفع يوماً في سماء دمشق وأين سيكون مكانه في عاصمة الأمويين؟ التفت اليّ، رحمه الله، وقال بكل ثقة وبالحرف "ليس وحافظ الأسد على قيد الحياة"! وأنت ماذا تعتقد الآن لو سئلت السؤال نفسه؟ - أنا اعتقد بأن حافظ الأسد ما زال حياً. الاسرائيليون راهنوا على وفاته ليرتاحوا من عناده وصلابة موقفه، لكنهم فوجئوا بأن من جاء بعد حافظ الأسد هو حافظ الأسد شاباً ممثلاً بالرئيس الدكتور بشار. غداً حلقة ثالثة