قبل ساعات من موعد خطابه السنوي الى الكونغرس والشعب الأميركي مساء اليوم الثلثاء يبدو أن الرئيس جورج بوش وبسبب تصاعد حدة الأصوات الدولية المناهضة للحرب ورغبته المؤكدة في الحفاظ على فرص اعادة انتخابه لفترة ثانية في البيت الأبيض ناهيك عن الوضع الدقيق للاقتصاد الأميركي وأسواق المال لن يجد هذه المرة من خيار سوى أن يكون حاسماً ازاء المسألة العراقية، وان لم يذهب أحد الى حد توقع صدور اعلان صريح ببدء العمليات العسكرية. أكد استطلاع أجرته مجلة "بيزنس ويك" في عددها الأخير أن مطلب الحسم بات يشكل في نظر قادة الشركات الأميركية الرئيسية الفارق بين بقاء الاقتصاد الأميركي في تعثره الراهن واستمرار أزمة أسواق المال وربما تفاقمها، وبين اعطاء الاقتصاد ما يحتاجه من الاستقرار واليقين لاستعادة زخم الانتعاش الذي يبدو في شبه المؤكد أنه فقده في الشهور الثلاثة الأخيرة من العام الماضي والأسابيع الأولى من السنة الجديدة. وكشف الاستطلاع، الذي جاءت نتائجه متطابقة مع آراء كثيرين من المراقبين والمحللين الأميركيين، أن قلة من المديرين التنفيذيين تشعر بالقلق ازاء الحريق الذي يمكن أن تشعله حرب طويلة على العراق في الشرق الأوسط، لكنها تجمع على أن استمرار الغموض في شأن موعد انطلاق المواجهة مع بغداد وطبيعة هذه المواجهة وطول مدتها الزمنية أصبحت بمثابة عبء ثقيل يضطر الشركات لتأخير المشاريع الاستثمارية وخطط التوظيف ويرفع أسعار النفط ويهبط بأسواق المال. وترافق مع اجماع قادة الشركات ازاء مسألة غياب الحسم في موقف البيت الأبيض الاحساس بالقلق من أن تمديد عمل المفتشين الدوليين فترة طويلة لن يفعل أكثر من زيادة الغيوم المخيمة على الاقتصاد الأميركي كثافة. ولفت معدو الاستطلاع الى أن مشاعر قطاع الأعمال انما تعمق محنة الرئيس بوش الذي تضطره المناشدات الدولية الى تأخير موعد المواجهة العسكرية بينما يخلق هذا التأخير حالة من الغموض الذي يترجم الى مزيد من المتاعب الاقتصادية. وأضاف المراقبون أسبابا أخرى يعتقدون أنها ستعزز مطلب الحسم في خطاب بوش لا سيما التراجع الحاد الذي سجلته شعبيته في استطلاعات الرأي أخيراً، ولكن ذلك لن يقلل من أهمية أزمة أسواق المال في نيويورك التي خسرت في اسبوعين فقط كل ما كسبته في الشهور الثلاثة الماضية وكذلك متاعب الاقتصاد التي حرمت الرئيس جورج بوش الأب فرصة الفوز بفترة ثانية على رغم الانتصار الكبير لحرب تحرير الكويت. الصدمة وكانت أسواق المال أصيبت بصدمة ليس بسبب فقدان مؤشراتها الرئيسية "داو جونز" و"ناسداك" و"ستاندرد آند بورز 500" زهاء 8 في المئة من نقاطها في أقل من اسبوعين فحسب، بل لأن هذه الخسارة الكبيرة جاءت على رغم اعلان البيت الأبيض 670 بليون دولار من الخفوضات الضريبية ومن ضمنها حوافز غير مسبوقة لحملة الأسهم وحدثت في كانون الثاني، الذي يُعتبر أحد المواسم الأكثر نشاطا لحي المال. وانعكست الخسائر المفاجئة سلباً على معنويات المستثمرين المنهكة أصلاً من النتائج المحبطة للأعوام الثلاثة الماضية ولاحظ كبير المحللين في مصرف "بنك أوف أميركا" توماس ماكمانوس "أن الصناديق الاستثمارية الأميركية سجلت في كانون الثاني يناير الجاري وللمرة الأولى منذ 1990 عمليات سحب بلغت محصلتها للأسابيع الثلاثة الأولى 800 مليون دولار وبلغت قيمتها في الاسبوع الثالث فقط 1.9 بليون دولار. وأجمعت التوقعات على حدوث المزيد من الخسائر أو التقلب الحاد في أسواق المال الاسبوع الجاري الذي ستتضمن أحداثه المثيرة اصدار وزارة التجارة الخميس المقبل بياناً أولياً عن أداء الاقتصاد في الفصل الأخير. ويعتقد كثيرون في أوساط المحللين أن اجمالي الناتج المحلي حقق في الفترة المذكورة نمواً هزيلاً وربما لم تتعد نسبته واحد في المئة ما سيعزز واقع التأرجح الحاد الذي يعيشه الاقتصاد منذ بداية العام الماضي. وبالمقارنة لا يبدو الوضع الاقتصادي أفضل حالاً في الوقت الراهن وذلك استنتاجاً مما أكده المصرف المركزي مجلس الاحتياط الفيديرالي في تقريره الدوري عن النشاط الاقتصادي في الولايات الأميركية في وقت سابق من الشهر وما توقع المحللون اعادة تأكيده في البيان الذي سيصدره المجلس في ختام اجتماع لجنة السوق المعنية بتقرير مستويات أسعار الفائدة على القروض القصيرة الأجل للمصارف غداً.