فيما تصرّ الاوساط الرسمية الفرنسية على تهدئة الامور بالنسبة الى الخلاف الاميركي الفرنسي في شأن العراق، تقرّ واشنطن واوساطها بأن هناك توتراً في العلاقات، بعد تصريحات الرئيس الفرنسي جاك شيراك والمستشار الالماني غيرهارد شرودر، وبعد زيارة وزير الخارجية الفرنسي دومينيك دوفيلبان الى نيويورك ولقائه نظيره الاميركي كولن باول. فدوفيلبان اكد باستمرار ان علاقته بباول جيدة وانه يتحاور معه بصراحة "الصديق القديم"، وان لا مشكلة في علاقاتهما على رغم تباين الموقف ازاء العراق. لكن الجانب الاميركي يعطي صورة اخرى عن هذه العلاقات ويشير الى ان باول اتصل هاتفياً الثلثاء الماضي بدوفيلبان وشرح له استياء الادارة الاميركية من الموقف الفرنسي. اما باريس فقالت من جهتها ان الاتصال الهاتفي بين باول ودوفيلبان كان ودياً كالعادة. فواشنطن مستاءة جداً من الموقف الفرنسي الالماني، ووصف رامسفيلد لفرنساوالمانيا بأنهما "اوروبا القديمة" يظهر ان واشنطن ارادت توجيه لوم رسمي مفاده ان اوروبا القديمة هي اوروبا الضعيفة. وتقول اوساط اميركية مطلعة، انه على رغم التوتر الاميركي الفرنسي الحالي، هناك ملفات ذات اهتمام مشترك مثل افريقيا ومسيرة السلام في الشرق الاوسط ومكافحة الارهاب، التي تبقى مواضيع حوار بين البلدين. ولدى سؤالها عن اتصال محتمل بين الرئيس الاميركي جورج بوش وشيراك، تجيب الاوساط ان مثل هذا الاتصال ينبغي ان يبادر اليه الرئيس الفرنسي، لأن بوش لن يقدم على مثل هذه المبادرة الآن. اما الجانب الفرنسي فيقول ان مثل هذا الاتصال وارد لكن موعده غير محدد بعد. وعلى صعيد آخر، فإن واشنطن المنزعجة من الموقف الفرنسي الالماني كونها على ابواب حرب ونقاش شديد الاهمية في مجلس الامن الاثنين المقبل، تعتبر ان استخدام فرنسا للفيتو سيؤدي الى نتائج سلبية على العلاقات الاميركية - الفرنسية طيلة رئاسة بوش. وتسعى باريس في المقابل الى تهدئة الامور، وترى ان الضغط الكلامي والتصعيد الاميركي مرتبط بجلسة مجلس الامن المقبلة حيث يسعى كل جانب للتضييق على الآخر قبل النقاش. فالادارة الاميركية تبدي قدراً من التوتر، لانها ترى ان غالبية العالم غير مقتنع بإلحاح التدخل العسكري في العراق، وان بوش لم ينجح حتى في اقناع الرأي العام الاميركي بذلك. وترى المصادر الفرنسية المطلعة ان الادارة الاميركية تريد اعطاء الانطباع بأن المشكلة بينها وبين "اوروبا القديمة" في حين ان هذه المشكلة اوسع نطاقاً، اذ ان هناك غالبية دولية معارضة للحرب. وتقول المصادر ان انزعاج الادارة الاميركية من فرنسا تقليدي، لانها البلد الوحيد الذي يقول بصراحة للحليف الاميركي ما ينبغي قوله، والجديد الآن هو ان المانيا انضمت الى موقف مشابه للموقف الفرنسي. وتشير الى ان التهديد الاميركي بتأثير سلبي على العلاقات الثنائية في حال رفض فرنسا تأييد الضربة العسكرية يندرج في سياق مسار عادي من التخويف، ولكن فرنسا تأخذه على محمل الجد، وترى في الوقت نفسه النتائج الخطرة المترتبة على حرب تقودها الولاياتالمتحدة ضد رأي الغالبية في العالم. وتضيف انه حتى في حال نجاح الولاياتالمتحدة في ضرب العراق، نظراً الى تفوقها العسكري، فإن المشكلة تبقى قائمة على صعيد النتائج على المديين المتوسط والطويل في العراق والمنطقة وايضاً في العالم الثالث. فباريس تقر بضرورة الأخذ بالعلاقات الثنائية الجيدة مع الولاياتالمتحدة لكنها ترى ايضاً ضرورة ان تأخذ الولاياتالمتحدة بتأثير قرارها على مصالحها وصورتها في العالم. وتعرب المصادر الفرنسية عن استغرابها لتصريح عضو مؤثر في مجلس الشيوخ الاميركي طلب فيه حرمان فرنسا من النفط العراقي اذا لم تؤيد الولاياتالمتحدة. وترى ان مثل هذا الكلام يثير الصدمة في الاوساط الفرنسية اذ ان الجانب الاميركي اعتبر في الفترة السابقة ان سياسة فرنسا ازاء العراق محكومة بمصالحها الاقتصادية وعندما ابدت فرنسا تمسكها بالدفاع عن الشرعية الدولية، اصبحت مهددة بمصالحها الاقتصادية! وتؤكد المصادر انه على رغم الكلفة الاقتصادية والمالية التي قد تترتب على الموقف الفرنسي، لن تعطي باريس شيكاً على بياض لسياسة تخرق مبدأ الشرعية الدولية.