يزدهر في أوساط الشباب السوري إقبال لافت على تعلم اللغات الأجنبية وبالأخص الإنكليزية والفرنسية منها تماشياً مع حاجة سوق العمل الذي بات يتعامل مع شركات أجنبية ومحلية تتطلب عاملين وموظفين بكفاءات مهنية عالية في مقابل إغراءات مالية كبيرة نسبياً، أو انسجاماً مع التطورات المتسارعة في المجتمع خصوصاً مع اتساع انتشار الإنترنت وتقنيات الاتصال الحديثة وما تتيحه من آفاق للتوسع في المعارف والعلوم يتطلب الوصول إليها إجادة اللغات. وعموماً يبدو من الواضح أن ضعف مناهج اللغات في مراحل التعليم المختلفة أدت إلى ذلك الضعف لدى الدارسين في المراحل الثانوية أو خريجي الجامعات لا فرق باستثناء حالات خاصة لأولئك الذين طوروا لغتهم عبر دورات ودروس خارج المنهاج الرسمي، وتلك السمة العامة لمستوى إتقان اللغات زادت في الواقع من أعداد الشباب المقبلين على تحسين لغتهم وتطويرها وأحياناً البدء فيها من الصفر أملاً بإنعاش أحوالهم المالية أو زيادة معارفهم والاطلاع على الجديد دوماً. وظيفة أفضل الحالة الأولى تبدو الأكثر انتشاراً كسبب لإقبال الشباب على تعلم اللغات، ويمكن تتبع ذلك من خلال الإعلانات المتزايدة التي تزخر بها الصحف المحلية طلباً لموظفين لا بد من إجادتهم للغة الأجنبية وغالباً الإنكليزية كشرط أساسي من ضمن مهارات أخرى أبرزها إجادة العمل على الكومبيوتر أيضاً، واللافت أن بعض الوزارات والمؤسسات أخذت بدورها تطلب هذه المزايا من المتقدمين لشغل وظائف لديها الأمر الذي زاد من الضغوط على الشباب في البحث عن تطوير مستوياتهم في اللغات... لذلك فاللغة الإنكليزية لا بد منها للحصول على فرصة عمل مرضية كما يقول علي العامل لدى إحدى شركات النفط الأجنبية في البلاد، ويضيف الشاب الذي ما زال يخضع لدورات تطوير لغته في أحد معاهد دمشق إن الشهادة الجامعية لم تعد كافية إطلاقاً للحصول على عمل جيد، هناك الآن مهارات يجب إتقانها في عصر المعلومات خصوصاً أن الآلاف من الجامعيين باتوا يتقدمون لإعلان الوظيفة الواحدة. ويقول علي 31 عاماً حصلت على الإجازة الجامعية عام 1992 لكنني لم أتمكن من الانخراط في العمل إلا عام 1996 بعدما مللت من التقدم إلى مسابقات التوظيف الرسمية، عندها فقط قررت الاهتمام بالإنكليزية والكومبيوتر لعلي أحصل على فرصة لدى إحدى الشركات الخاصة التي تقدم رواتب مجزية مستفيداً من نصائح أصدقائي وزملائي في الدراسة ممن حالفهم الحظ في أعمالهم. بدوره محمد 27 عاماً التحق بمركز اللغات التابع لجامعة دمشق أخيراً للسبب ذاته، ويضيف الشاب الذي تخرج في كلية الاقتصاد عام 1996 إنني أعمل في إحدى الشركات الكبرى من القطاع الخاص موظفاً في المستودعات وهو عمل يقل طبعاً عن مستوى تأهيلي الجامعي لكنه يتناسب مع مستوى اطلاعي على اللغة الإنكليزية، ويوضح محمد أن الإدارة وعدته بالنقل إلى مكان أفضل إذا أجاد تلك اللغة، "لذلك قررت الالتزام بمجموعة من الدورات من المفترض أن تؤهلني لإجادة اللغة خلال العام الحالي وبالتالي استلام الوظيفة الموعودة في قسم العلاقات العامة مما يحسن وضعي مادياً ومعنوياً!!". ولا تختلف الصورة لدى فراس 25 عاماً الذي يتبع الآن دورات مكثفة في الإنكليزية لعله يستطيع إيجاد موطئ قدم له في دبي حيث سبقته خطيبته العام الماضي، فالشاب الذي تخرج في قسم علم الاجتماع أخيراً وصل إلى قناعة أن لا أمل في إيجاد العمل من دون اللغة، ويضيف فقدت خلال الأشهر الماضية كثيراً من عروض العمل التي نقلتها لي خطيبتي والعائق الوحيد كان ضعفي الشديد في اللغة لذلك كان لا بد لي من معالجة المشكلة على رغم تكاليفها المادية الباهظة بالنسبة إلي، وبالفعل تقدمت كثيراً من خلال الدورات والجهد في المنزل ومساعدة الأصدقاء، والآن انتظر فرصة السفر وفق عقد وعدت به خلال الربيع المقبل. ياسر 29 عاماً الذي لم يكمل تعليمه في كلية الزراعة بجامعة دمشق يشكل نموذجاً استثنائياً للشاب الذي استثمر اتقانه للغة في العمل، ويقول: "اضطرتني ظروفي الاقتصادية للإفادة من الإنكليزية مبكراً، وحققت بالفعل نجاحات معقولة على الصعيد المالي أو من خلال العلاقات الواسعة مع رجال الأعمال". ويضيف الشاب الذي عاد للتو من إيطاليا حيث رافق أحد الصناعيين كمترجم له في زيارة عمل أبرم خلالها صفقة لاستيراد بعض الآلات، تعلمت الإنكليزية في فترة مبكرة بفضل إشراف والدتي مدرسة اللغة الإنكليزية وعبر عدة دورات "بزنس" إحداها في لندن، مضيفاً إن اللغة الأجنبية رسمت لي مستقبلي كله وكثيراً ما يقصدني التجار ورجال الأعمال لترجمة إرسالياتهم ومرافقتهم في سفراتهم التجارية بل وأحياناً كثيرة يرسلوني وحدي لإتمام بعض الأعمال. للمعرفة و"البرستيج" وبعيداً من فرصة العمل المرموقة التي يمني كثير من الشباب النفس بالحصول عليها عبر اللغة الأجنبية، يقبل آخرون على مهارات الإنكليزية والفرنسية وبدرجة أقل الألمانية والإسبانية لأسباب أخرى تتباين بتباين عمل واهتمامات أصحابها فهناك رغبة الاطلاع على الجديد في مختلف الاختصاصات كما هي الحال مع هيثم 30 عاماً الطبيب المتخرج حديثاً والذي يجهد، كما يقول، للحصول على المطبوعات والإصدارات الأجنبية المتخصصة ومعظمها بالإنكليزية حول جراحة الأذن والأنف، مضيفاً لم تكن لغتي الإنكليزية سيئة عندما تخرجت من الجامعة، لكنها في الوقت ذاته ليست كافية للتواصل مع الجديد في العلوم الطبية لذلك كان لابد لي من الالتحاق بدورات رفيعة المستوى في المجلس الثقافي البريطاني. ويتشابه دافع بسام 32 عاماً الذي أصبح متمكناً من اللغة الإنكليزية إثر جهد شخصي قام به على مدى عامين ولا يزال بمساعدة زوجته خريجة الأدب الإنكليزي، مع دافع هيثم، فهذا الشاب خريج قسم الصحافة يدمن بحسب وصفه على مطالعة ما تنشره الصحف والدوريات الأجنبية مباشرة من دون الاعتماد على ما يترجم ويقتبس منها، والأهم من ذلك أصبح يتواصل مع الإنترنت في شكل جيد من دون الحاجة إلى مساعدة أحد أو اقتصار المتابعة على المواقع العربية. فتحي أقدم على تعلم الإسبانية تلبية لعشقه للأدب والشعر الإسباني كما يقول هذا الشاب الذي يجيد أيضاً الفرنسية بطلاقة ويلم بالإنكليزية، ويقول: "اتبعت الدورات المقررة في معهد سرفانتس في مقابل رسوم رمزية مما مكنني من إجادة هذه اللغة الجميلة وبالتالي مطالعة كتب وإصدارات بهذه اللغة بالاعتماد على المعهد المذكور أو بالاستعانة بالإنترنت أحياناً". ولا يستبعد فتحي 35 عاماً أن يستثمر معرفته بهذه اللغة في العمل إن من خلال الترجمة أو التدريس أو ربما السفر إلى إسبانيا إن أتاحت له الظروف. وتقدم رولا صورة مختلفة للغاية من تعلم الإنكليزية، اللغة لديها جزء من البرستيج والمظهر العام لإنسان العصر، وتضيف الفتاة التي بلغت 25 عاماً "أجيد الفرنسية منذ الصغر بفضل دراستي في معاهد خاصة، كما زرت فرنسا مع أهلي أكثر من مرة خلال العطل الصيفية". وتقول الفتاة التي لم تكمل تعليمها الجامعي أتعلم الإنكليزية لحاجتي إليها في قراءة المجلات وتصحف مواقع الإنترنت الهائلة التي تستخدم هذه اللغة، وربما لسفرات مقبلة !!. الإقبال على تطوير اللغة، ليس بهذه السهولة، دائماً هناك نفقات ومصاريف مرتفعة مقارنة بمستوى الدخل، لذلك يتجه بعض الشباب إلى طرق أخرى للحل كالاعتماد على دورات متقطعة من حين لآخر بحيث يداوم الواحد منهم صفاً أو اثنين من الدورة ويتجه بعدها للاعتماد على نفسه عبر كتب ومجلات وتسجيلات صوتية أو CD أحياناً لمواصلة تعليمه. الأسلوب المذكور أقدم عليه جاد الله 26 عاماً العامل في أحد المصانع ويقول: "اتبعت دورة في أحد المراكز الثقافية مدة شهرين في مقابل 9 آلاف ليرة سورية عن الصف الواحد 180 دولاراً وذلك على أمل السفر إلى أوروبا". ويضيف جاد الله "لم أستطع في الواقع الالتزام بمواصلة الدورات بسبب التكاليف الضخمة مع العلم أن راتبي كله لا يصل إلى قيمة قسط الدورة الواحدة، فاتجهت بعدها إلى تسجيلات ال CD المتوافرة بغزارة في السوق وحتى الآن أواظب على التعلم وإنما بدرجة أقل فائدة كما أعتقد". بدورها وجدت باسمة 24 عاماً حلاً آخر يتوافق مع قدراتها المالية، اتبعت في البدء دورة في أحد المعاهد الخاصة مدتها ثلاثة أشهر في مقابل أربعة آلاف ليرة سورية إلا أنها لم تواصل تلك الدورات مباشرة بل اتجهت إلى ما يشبه التدريب الذاتي في المنزل بواسطة تسجيلات البرامج الإذاعية خصوصاً برامج الBBC، ثم ألحقتها بعد نحو ستة أشهر بدورة اختصرت عليها مستويين متاليين، وكما تقول: "حتى الآن ماشي الحال". ليلى 26 عاماً الموظفة في إحدى الدوائر الحكومية وجدت حلاً آخر من خلال تسجيلها في دورات تقيمها هيئة تخطيط الدولة ولمدد طويلة بحيث تصل الدورة الواحدة إلى 6 أشهر، وتقول ليلى: "اعتبر نفسي محظوظة بسبب قبولي في هذا المعهد"، مضيفةً "خضعت في البدء لاختبار تحديد مستوى والآن انتظر دوري للالتحاق بالصف المحدد لي". وفي كل الأحوال لم تتكلف ليلى أي عبء مالي كما أن حضورها يحسب لها كدوام في الوظيفة.