جمعية أسر التوحد تطلق أعمال الملتقى الأول للخدمات المقدمة لذوي التوحد على مستوى الحدود الشمالية    سلمان بن سلطان: نشهد حراكاً يعكس رؤية السعودية لتعزيز القطاعات الواعدة    شركة المياه في ردها على «عكاظ»: تنفيذ المشاريع بناء على خطط إستراتيجية وزمنية    تحت رعاية خادم الحرمين.. «سلمان للإغاثة» ينظم منتدى الرياض الدولي الإنساني الرابع    "موسم الرياض" يعلن عن النزالات الكبرى ضمن "UFC"    رينارد يواجه الإعلام.. والدوسري يقود الأخضر أمام اليمن    وزير داخلية الكويت يطلع على أحدث تقنيات مركز عمليات 911 بالرياض    عمان تواجه قطر.. والإمارات تصطدم بالكويت    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان    الجيلي يحتفي بقدوم محمد    جسر النعمان في خميس مشيط بلا وسائل سلامة    تيسير النجار تروي حكاية نجع في «بثينة»    الصقارة.. من الهواية إلى التجارة    زينة.. أول ممثلة مصرية تشارك في إنتاج تركي !    "الصحي السعودي" يعتمد حوكمة البيانات الصحية    مستشفى إيراني يصيب 9 أشخاص بالعمى في يوم واحد    5 طرق لحماية أجسامنا من غزو البلاستيك    الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يلتقي بابا الفاتيكان    26 مستوطنة إسرائيلية جديدة في عام 2024    استدامة الحياة الفطرية    قدرات عالية وخدمات إنسانية ناصعة.. "الداخلية".. أمن وارف وأعلى مؤشر ثقة    إعداد خريجي الثانوية للمرحلة الجامعية    "فُلك البحرية " تبني 5600 حاوية بحرية مزود بتقنية GPS    محمد بن سلمان... القائد الملهم    البرازيلي «فونسيكا» يتوج بلقب بطولة الجيل القادم للتنس 2024    برنامج الابتعاث يطور (صقور المستقبل).. 7 مواهب سعودية تبدأ رحلة الاحتراف الخارجي    العقيدي: فقدنا التركيز أمام البحرين    قطار الرياض.. قصة نجاح لا تزال تُروى    تعاون بين الصناعة وجامعة طيبة لتأسيس مصانع    5.5% تناقص عدد المسجلين بنظام الخدمة المدنية    وتقاعدت قائدة التعليم في أملج.. نوال سنيور    «بعثرة النفايات» تهدد طفلة بريطانية بالسجن    رشا مسعود.. طموح وصل القمة    فريق علمي لدراسة مشكلة البسر بالتمور    "الداخلية" تواصل تعزيز الأمن والثقة بالخدمات الأمنية وخفض معدلات الجريمة    غارات الاحتلال تقتل وتصيب العشرات بقطاع غزة    تنمية مهارات الكتابه الابداعية لدى الطلاب    منصة لاستكشاف الرؤى الإبداعية.. «فنون العلا».. إبداعات محلية وعالمية    محافظ جدة يطلع على برامج "قمم الشبابية"    تشريعات وغرامات حمايةً وانتصاراً للغة العربية    سيكلوجية السماح    عبد المطلب    زاروا معرض ومتحف السيرة النبوية.. ضيوف «برنامج خادم الحرمين» يشكرون القيادة    آبل تطور جرس باب بتقنية تعرف الوجه    هجوم ألمانيا.. مشهد بشع وسقوط أبشع!    استراتيجية الردع الوقائي    التشريعات المناسبة توفر للجميع خيارات أفضل في الحياة    تجويد خدمات "المنافذ الحدودية" في الشرقية    خادم الحرمين يرعى منتدى الرياض الدولي الإنساني    سعود بن بندر يلتقي مجلس «خيرية عنك»    ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة يصلون مكة ويؤدون مناسك العمرة    القبض على شخص بمنطقة الحدود الشمالية لترويجه «الأمفيتامين»    كافي مخمل الشريك الأدبي يستضيف الإعلامي المهاب في الأمسية الأدبية بعنوان 'دور الإعلام بين المهنية والهواية    الأمير سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف.    تجمع القصيم الصحي يعلن تمديد عمل عيادات الأسنان في الفترة المسائية    "مستشفى دلّه النخيل" يفوز بجائزة أفضل مركز للرعاية الصحية لأمراض القلب في السعودية 2024    نائب أمير مكة يفتتح غدًا الملتقى العلمي الأول "مآثر الشيخ عبدالله بن حميد -رحمه الله- وجهوده في الشؤون الدينية بالمسجد الحرام"    ولادة المها العربي ال15 في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جمال عبدالناصر أيد فؤاد شهاب عام 1958 وعارضه عام 1970 وانتهى عهداهما في شهر واحد . انقضى شهر العسل الأميركي - الناصري فتداعت التجربة الشهابية في لبنان 2 من 2
نشر في الحياة يوم 27 - 09 - 2002

نختم اليوم ما بدأنا نشره أمس عن اللعبة السياسية المحلية في لبنان والمؤثرات العربية والأميركية والسوفياتية ايضاً في انتخابات الرئاسة الأولى، مركزين على عهد الرئيس فؤاد شهاب وتيار الشهابية السياسي الذي انكسر جزئياً مع تعذر التجديد لشهاب وانتخاب شارل حلو رئيساً للجمهورية، وانكسر كلياً مع انتخاب سليمان فرنجية لمنصب الرئاسة، وما رافق هذا الانتخاب من ظروف اقليمية ودولية انتهت معها الناصرية ايضاً من حكم مصر.
أسر صبري حمادة ورشيد كرامي في اذن رئيس الحكومة الحاج حسين العويني ان الجبهة الديموقراطية البرلمانية الشهابية صاحبة الأكثرية النيابية ستنزع الثقة عن حكومته إذا عجزت عن تحقيق التجديد، ووفق معلومات ثقة فإن دعاة التجديد فكروا فعلاً في إسقاط الحكومة وإيصال البلاد الى المأزق الدستوري لاعتقادهم ان الرئيس شهاب المتمسك الدائم بالكتاب "الدستور" سيتحاشى هذا المأزق بالرضوخ والموافقة على التجديد.
اما الحاج حسين الذي أدرك خطورة هذه اللعبة وهلع منها لأنه وهو العليم ببواطن "المعلم" يعلم ان احداً لن يقنعه بالموافقة على مشروع القانون التجديدي، لذلك اعد على طريقته خطة مواجهة جرى تنفيذها على مرحلتين، الأولى تمثلت بعقد مجلس الوزراء في القصر الجمهوري في صربا في جلسة خصصت لبحث مشروع تعديل الدستور المحال من مجلس النواب طالت ست ساعات وأطال فيها الحاج دفاعه عن هذا المشروع داعياً الرئيس شهاب للموافقة عليه، وعندما كان الرئيس يوالي الرفض وسط ابتسامة كبيرة - ابتسامة العارف - كان الحاج يزداد حدة وانفعالاً، وانتهت الساعات الطوال بالفصل الأخير عندما خرج الحاج حسين من الجلسة وهو يكاد يغمى عليه طالباً كأس ماء صارخاً "يا منير اللواء منير السردوك يا ميشال العميد ميشال اسعد صاحبكم اهلكني وإذا لم يجدد فإن البلاد سيصيبها الخراب"، وأخذ يردد "إذا انا انتحرت أو أصبت بالسكتة القلبية فلا يتعجب احد".
وفي ما بعد تسربت بعض التفاصيل السرية عن الأجواء الدراماتيكية التي سادت ذلك الاجتماع التاريخي، افتتح الحاج حسين الاجتماع بعرض اقتراح تعديل الدستور بخطاب رنان مرصوص بالعبارات المنمقة، وناشد في نهايته الرئيس بالقبول حفاظاً على مصلحة البلد! فلم يهتز الرئيس شهاب لبلاغة الحاج حسين وكرر جوابه التقليدي بالرفض، فقال الحاج: "الحكومة تستقيل" فأجابة: "وأنا ايضاً أستقيل، هاتوا ورقة لأكتب استقالتي؟!" فقال الحاج: "ان الحكومة لا توقع إعادة اقتراح التعديل"، فأجاب الرئيس: "سأوقعه انا وحدي".
هدأ الحاج حسين بعد شربه الماء، وعندما كانت سيارة الكاديلاك تطير به عائداً الى بيروت... خرج الى الصحافيين وزير الأنباء في حينه الإعلام جورج نقاش، والياس سركيس مدير عام القصر الجمهوري ايامها، فقرأ سركيس الرسالة الموجهة الى رئيس مجلس النواب برد مشروع القانون المقترح من المجلس بتعديل الدستور لإتاحة المجال بولاية ثانية للرئيس شهاب.
لقد التأم مجلس الوزراء في 3 حزيران يونيو من العام 1964 وكانت المفاجأة او البند الثاني من خطة الحاج هي حجزه مقعداً على الطائرة المسافرة الى باريس يوم 7 منه وكان يوم احد، وبالفعل سافر الحاج بحجة إجراء فحوصات طبية هرباً من التجديديين قبل ان يفيقوا من الصدمة ويشهروا الحساب بوجه الحكومة... وأذكر ان الحاج المشهور بخفة الظل خلع وهو على باب الطائرة طربوشه التقليدي وألبسه وسط ضحكة عريضة لنائب رئيس الوزراء جبران النحاس!
وأدى الحسم الرسمي للرئيس شهاب برفض التجديد الى انفراط عقد ال79 نائباً تجديدياً بسرعة، فهو سهل للذين سايروا محاولة التجديد مكرهين او مرغمين او على سبيل المسايرة لا للتراجع والانصراف الى تقصي المسار الجديد لمعركة الرئاسة، وأدت هذه التراجعات الى فرز مجلس ال99 الى جبهتين: الجبهة الشهابية وبلغ عدد نوابها 59 نائباً وجبهة الوسط وضمت اربعين نائباً.
اشتعلت معركة الرئاسة بين الجبهتين، وكان بعض فصولها يتم في لقاءات الغداء والعشاء او الاجتماعات السرية، اما مشهدها العلني فكان بين فندقي "الكارلتون" و"الفينيسيا" الأول خصصه الشهابيون لاجتماعاتهم، فقابلهم "الوسطيون"، بعقد اجتماعاتهم في الفينيسيا.
وأذكر انه خلال احتدام تلك المعركة كان النائب عبداللطيف الزين يقيم مأدبة عشاء سياسية كبرى في مصيفه في ظهور العبادية، ازدحمت الدارة بحشد كبير من رجال السياسة، وكان بينهم جميع الشخصيات التي كانت اسماؤهم تتردد بين مرشحي الرئاسة، ومن جملة الحضور كان ايضاً شارل حلو، لكنني لم أسمع اسمه في اي من الحلقات التي انحصر حديثها جميعاً حول المعركة الرئاسية.
وفجأة "نزل" على مجمع "الكارلتون" الشهابي اسم شارل حلو، واتخذ المجمع قرار ترشيح شارل حلو ليل الأحد في 16 آب اغسطس من العام 1964، صدم الاسم سائر المرشحين الشهابيين لكن "القرار - الوحي" جاء من "المعلم" فالتزم به الشهابيون، وفي نفس الليلة وافق الوسطيون في الفينيسيا على ترشيحه. وانتخب شارل حلو رئيساً للجمهورية اللبنانية يوم 18 آب من العام نفسه بأكثرية 92 صوتاً وخمسة اصوات لبيار الجميل، الذي كان ترشيحه شكلياً، وامتناع نائبين.
يبقى الجواب على السؤال - اللغز الأهم وهو لماذا رفض الرئيس شهاب رفضاً قاطعاً التجديد الذي كان محمولاً إليه على طبق نيابي ذهبي طلبه 79 من اصل 99 نائباً. أذكر قبل كل شيء انني شخصياً كنت على قناعة وربما معرفة بأن رفض الرئيس شهاب للتجديد هو جدي جداً ولا دخل فيه لاستئناسات الرئيس كامل الأسعد الشهيرة.
عند اشتداد حملات التجديد مع مطلع العام 1964 سمعت من فيليب تقلا تأكيداً جازماً بأن الرئيس شهاب ليس في وارد تجديد ولايته وأنه لو كانت لديه هذه النية لما اعد منذ ذلك الوقت لنقله حاكماً للبنك المركزي. إن معنى هذا الكلام ان الرئيس شهاب لو كان يريد البقاء لأبقى الرجل الذي يثق بقيادته لسياسة لبنان الخارجية على رأس وزارة الخارجية بقي فيليب تقلا على رأس وزارة الخارجية طوال العهد الشهابي وانتقل بعده الى حاكمية البنك المركزي ومن ثم الى منصب سفير لبنان في الأمم المتحدة، ثم سفيره في باريس حتى عام 1970.
في العالم العربي كله لا يوجد تناوب على السلطة إذ يبقى الحاكم حاكماً طوال حياته ولا يتغير إلا بفعل الانقلابات أو الاغتيالات، وكذلك في النظم الجمهورية العربية، يدوم الحاكم عبر الاستفتاءات الشعبية الصورية التي تكون نتائجها جاهزة سلفاً ولا يسمح بخوضها سوى لمرشح واحد يفوز عادة بنسبة اصبحت ذات شهرة عالمية وهي دائماً تزيد عن 99 في المئة.
لبنان هو الاستثناء العربي الوحيد الذي ينظم دستوره التناوب على السلطة بمختلف مستوياتها: رئاسة الجمهورية رئاسة مجلس النواب، رئاسة الحكومة، ويمنع الدستور اللبناني على رئيس الجمهورية خاصة تجديد ولايته المحددة بست سنوات بعد انقضائها.
والحاكم اللبناني - رئيس الجمهورية - كسائر أنداده العرب يصاب خلال سنوات حكمة بلوثة التعلق بالسلطة، وقد اهتدى الشيخ بشارة الخوري اول رئيس استقلالي الى وصفة سحرية للبقاء في السلطة وذلك من طريق تعديل الدستور ولمرة واحدة تسمح بالتجديد لرئيس الجمهورية لست سنوات جديدة، ولما كان تعديل الدستور يحتاج لثلثي اصوات النواب غير المتوافر دائماً للرؤساء، فقد عمد الشيخ بشارة الى اجراء انتخابات نيابية عام 1947 شابها التزوير، وأصبح تاريخ اجرائها 25 ايار مايو يضرب مثلاً على الانتخابات المزورة، وتمكن الشيخ الرئيس عبر ذلك المجلس المصطنع المطواع من تعديل الدستور وتجديد ولايته عند نهايتها عام 1949 لست سنوات مفترضة كان عدد النواب يومها 77 نائباً لكن هذه الولاية المجددة لم تدم سوى ثلاث سنوات بسبب اضطراره للاستقالة السلمية عام 1952 بعد ان فجر نفر من السياسيين بوجه عهده انتفاضة عارمة كان احد وقودها حكاية التجديد بالانتخابات المزورة، وبقية مضاعفات ذلك التجديد الأول في لبنان والأسباب الأخرى للانقلاب الأبيض على رئيس العهد الاستقلالي معروفة.
ذلك الانقلاب الأبيض حمل احد قادة المعارضة كميل شمعون الى رئاسة الجمهورية، ولم تختلف عقلية الحاكم الجديد عن سلفه في محاولته السيطرة على الأكثرية النيابية والأجهزة الإدارية بشكل عام فتمكن بواسطة حكومة موظفين وبمراسيم اشتراعية من فرض قوانين ملائمة لحكمه، وكان اهمها قانون انتخابي جديد قلص بموجبه عدد النواب الى 44 نائباً، ونجح بواسطة انتخابات جديدة اجراها بموجبه في تأمين اكثرية نيابية مطواعة له، وعندما راودته آمال التجديد عام 1957 عاد فرفع عدد النواب الى 66 نائباً وأجرى ذلك العام انتخابات نيابية شابها ايضاً التزوير والضغوطات الأمنية الشديدة، وتمكن خلالها من اسقاط معظم الزعامات السياسية القوية التي كانت تناوئ محاولته للتجديد، وبالنتيجة لم تنجح كل محاولات الرئيس كميل شمعون للبقاء، اضافة الى مساهمتها في تسعير احداث 1958.
الرئيس فؤاد شهاب عاش مرحلتي التجديد للرئيسين الخوري وشمعون وخبر نارهما وخلفياتهما ليس كمتفرج وإنما كأحد اللاعبين الأساسيين، فقد ترأس الحكومة التي أشرفت على الانتخابات الرئاسية عام 1952، ورفض حينذاك عرضاً ملحاً قوياً من كمال جنبلاط لتأييده للرئاسة الأولى، بينما أسفرت احداث 1958 عن توافق اقليمي خارجي بين عبدالناصر والأميركيين مدعوماً من الجبهة السياسية المعارضة للرئيس شمعون على انتخابه الرئيس شهاب لرئاسة الجمهورية.
إذاً كان الرئيس شهاب يدرك جيداً المخاطر المحلية لتجديد ولايته، كما يعلم ان التوافق الخارجي الذي وافق على رئاسته عام 1958 لم يعد موجوداً وبخاصة بالنسبة للأميركيين الذين كانوا يتهمونه، بانتهاج سياسة عبدالناصر. صحيح ان هذا الاتهام غير دقيق، فالواقع ان الرئيس شهاب لم ينتهج سوى سياسة عربية معتدلة سبقه إليها الشيخ بشارة، وكان من شأنها ان حافظت طوال عهده على الاستقرار الداخلي في لبنان، ولكن ما ضخم ذلك الوهم عند الأميركيين هو ان علاقتهم بعبدالناصر، كانت في ذلك العام - 1964 - قد بلغت ادنى درجات التأزم.
يبقى امر الجواب على السؤال - اللغز المحير الذي لا تزال تحوطه الأسرار، وهو لماذا رفض الرئيس شهاب رفضاً مبدئياً قاطعاً الترشح للعودة مجدداً لرئاسة الجمهورية عام 1970 مع ان الدستور - الكتاب المشهور عن الرئيس شهاب تقديسه له يبيح هذه العودة.
صيف عام 1971 كنت أزور مدريد تمهيداً لجولة سياحية قمت بها في ربوع الأندلس، واغتنمت الفرصة للقاء الصديق حسين الجسر الذي كان يومها سفيراً للبنان في اسبانيا فزرته في دار السفارة، وبينما كنت مستغرقاً في حديثي معه في مكتبه، دخل فجأة المقدم غابي لحود رئيس المكتب الثاني معظم مرحلة الستينات وهو اشهر من ان يعرّف، وكان في ذلك الوقت يشغل منصب الملحق العسكري في سفارة لبنان في إسبانيا بعد ان قام عهد الرئيس سليمان فرنجية بإبعاده مع سائر ضباط المكتب الثاني الى وظائف بعيدة عن لبنان، ولما لم تكن لي معرفة شخصية به فوجئت عندما عانقني وسلم علي بحرارة وانضم الى جلستنا وبعدها عندما خرجت مع السفير الجسر لتناول الغداء في احد مطاعم مدريد، طلب مني عنوان الفندق الذي اقيم فيه ورقم الهاتف، ثم فوجئت ثانية بعد الظهر عندما تلفن لي ودعاني الى العشاء.
وكانت سهرة طويلة دامت حتى الفجر تقريباً! تخللتها احاديث معظمها ساخن تناولت بشكل اساسي ما يشبه المراجعة للدور الذي لعبه المكتب الثاني منذ مجيء الرئيس شهاب الى الرئاسة وطوال 12 عاماً وخصوصاً فترة الرئيس شارل حلو الذي تميز بالدور البارز للمقدم لحود سواء من خلف الستار او في العلن، وكانت خاتمة ذلك الدور قيادته حملة العودة للرئيس شهاب التي فشلت كما هو معروف.
والحقيقة أنني كنت خلال الحديث قاسياً في انتقاد الكثير من تصرفات المكتب الثاني خلال 12 عاماً، اي منذ بداية ظهوره وممارسته النفوذ السياسي والتي أعتقدها أخطاء اساءت الى الرئيس شهاب وإلى مسيرته الإصلاحية التي كان يؤمل منها المساهمة اكثر في الخروج بلبنان من مفهوم الدولة العشائرية، وإرساء البناء المتين لدولة القانون والمؤسسات، وقد لمست انني امام شخص يتمتع بذكاء ملفت إنما مع حدة في الطباع، فقد سمعت منه ما يشبه النقد الذاتي للكثير من تلك التصرفات، إنما مع تبرير الظروف التي ربما املتها. لكن عندما وصل الحديث الى حادث محاولة خطف طائرة الميراج والتصرفات التي رافقته والتي هي بنظري شخصياً اكثر من خطأ بل خطيئة، احتد محدثي وذكر انه كان يقوم بواجبه لمنع خطف تلك الطائرة، وليس صحيحاً اتهام السفير السوفياتي للأميركيين بتدبير ذلك الحادث.
وأكد ان الرئيس حلو اعطى الموافقة المسبقة على تلك التدابير كما ان الرئيس شهاب تدخل بعد الحادث مع السفير عظيموف مؤكداً له عدم علاقة الأميركيين به، كما أرسل مبعوثاً الى الرئيس عبدالناصر ليبلغه نفس التأكيد، لكن كل ذلك، ذهب من دون جدوى، وأصر السوفيات على موقفهم. وانتقل لحود الى الاعتراف بأن حادث الميراج لعب دوراً مصيرياً في هزيمة الشهابيين في معركة رئاسة الجمهورية عام 1970. هنا صارحته برأيي الشخصي بهذا الموضوع فقلت: "إنها غطلة الشاطر"، وتساءلت: "اي منطق يقول باقتحام مقر ديبلوماسيين لدولة عظمى مثل الاتحاد السوفياتي وإطلاق الرصاص عليهم بالشكل الذي جرى، بينما كان يمكن تسوية مثل هذه القضية ووقف عملية الاستيلاء على الميراج بواسطة القنوات الديبلوماسية والمخابراتية". ويظهر انه لم يتحمل صراحتي فنرفز وخبط بيده على الطاولة قائلاً: "وهل تظن انني كنت أسهر معك الآن لولا حادث طائرة الميراج؟".
ويظهر ان صراحتي اصابت في الصميم الجرح الذي كان لا يزال نازفاً عنده، وهذه الصراحة في مصدرها انني كنت املك معلومات - كانت لا شك متوافرة عند لحود - تؤكد ان مضاعفات حادث الميراج كانت بمثابة "القشة" التي جعلت الرئيس شهاب يحسم موقفه ويرفض مجرد الترشح ثانية للرئاسة، وهي كانت ايضاً السبب المباشر في إفشال المرشح الشهابي الياس سركيس للرئاسة ذلك العام، وفوز سليمان فرنجية عليه بأكثرية الصوت الواحد.
مسلسل قضية الميراج معروف وشهير، ويتلخص بمحاولة جهاز المخابرات السوفياتي اغراء ضابط طيران لبناني بخطف احدى طائرات الميراج التي يملكها لبنان والتي لعبت مثيلاتها الإسرائيليات دوراً في قصف الطيران المصري عام 1967، فبادر ذلك الضابط العميد المتقاعد محمود مطر بإبلاغ المراجع المختصة في الجيش عن الموضوع، فطلب منه المتابعة ودبرت الشعبة الثانية خطة لضبط العملاء السوفيات اثناء محاولتهم دفع الرشوة للضابط، وجرى إطلاق رصاص وإصابات لديبلوماسيين سوفيات خلال المداهمة، الأمر الذي أثار الاتحاد السوفياتي، وحمله على التدخل ضد الشهابيين في انتخابات الرئاسة عام 1970.
اوائل عام 1975 وقبل انفجار مسلسل الحرب اللبنانية ببضعة اشهر كنت أزور الرئيس صبري حمادة في دارته في الغبيري، الزيارة طالت ساعات والحديث كان شيقاً تناول احداثاً آنية، وذكريات عن احداث جد مهمة كان تسارع التوتر الأمني في لبنان يكاد يطوي ذكرها ويدفن اسرارها التي كانت لا تزال مجهولة للرأي العام، باح لي الرئيس حمادة ببعض تلك الأسرار ولم أنشرها في حينه بسبب ان احداث التدهور في الوضع اللبناني كانت هي الطاغية!
أحد تلك الأسرار كانت كشف خلفيات لم تكن معروفة عن معركة عام 1970 لرئاسة الجمهورية وعن الهزيمة التي حلت بالشهابية والشهابيين جرائها. روى الرئيس حمادة انه كان قد استوعب مدى الانقلاب السوفياتي على الشهابيين نتيجة حادثة الميراج لكنه امل في ان يساعد الرئيس عبدالناصر على تهدئة الغضب السوفياتي، فسارع الى زيارته في موسكو عندما كان الرئيس المصري يزورها بداية صيف 1970، لكنه فوجئ ان الرئيس عبدالناصر كان اشد ثورة من السوفيات على تصرف الأجهزة اللبنانية في موضوع محاولة خطف تلك الطائرة.
فعندما حاولت، قال حمادة، إقناع عبدالناصر بدعم ترشيح شهاب للرئاسة كما فعل عام 1958، رفض ذلك بقوة وحمل بعنف على الأجهزة الشهابية التي تحاول السير بركاب اميركا. وأضاف بغضب: "عندما يحاول السوفيات امتلاك طائرة ميراج من اجل تحسين القدرة القتالية لطائراتهم إنما يفعلون ذلك لأجل مصلحتنا، المصلحة العربية في الصراع مع إسرائيل". وأضاف: "لم تعد لي بعد حادث الميراج اية ثقة باستمرار النهج الوطني الشهابي القديم". ويقول الرئيس حمادة: "لقد شرحت مطولاً للرئيس عبدالناصر ان هذا الحادث كان تصرفاً فردياً طائشاً من بعض الضباط وليس تحريضاً اميركياً، كما لم يكن لا الرئيس شهاب ولا اي من السياسيين الشهابيين على معرفة به او يوافقون عليه، لكن عبدالناصر لم يلن وبقي مصراً على موقفه السلبي من انتخاب اي شهابي مجدداً لرئاسة الجمهورية".
في 30 تموز يوليو من العام 1970 زار الرئيس كرامي الرئيس شهاب في مصيفه في عجلتون، فوجد بانتظاره مفاجأة لم يكن يتوقعها فقد أبلغه الرئيس الأسبق بصوت غاضب انه حسم موقفه وأقلع نهائياً عن خوض معركة الرئاسة. وروت مصادر شهابية ان جو تلك المقابلة كان دراماتيكياً وأن الرئيس شهاب كان ثائر الأعصاب على غير عادته، وأن غضبه كان منصباً على المناورات اللاأخلاقية التي كانت تسود المعركة وعلى الانتهازية الصريحة لبعض النواب، معتبراً ان ما يجري فيه حط من كرامته، وأن أفضل له ألف مرة الابتعاد من ان تستجدى باسمه الأصوات. وقيل ايضاً انه لمح الى عدم وضوح موقف القاهرة من المعركة.
وفي تلك المقابلة لم تنجح محاولات كرامي في ثني شهاب عن قرار العزوف... لكنه بينه وبين نفسه بقي مقتنعاً بإمكان إبقائه في المعركة، ونوى في سبيل ذلك بذل المحاولة الأخيرة. وهنا أعود الى ذاكرتي: في تمام الساعة الثالثة والنصف من بعد ظهر يوم السبت في الأول من آب من العام نفسه اتصلت هاتفياً بالرئيس كرامي في منزله لأسأله عما اذا كان صحيحاً نبأ سفره هذا اليوم الى القاهرة، ففوجئ بالسؤال وردّ بأن الخبر غير صحيح، وسأل عن مصدر النبأ، فألححت في السؤال عن مدى صحة موضوع السفر، فنفى مجدداً وأردف إنه الآن في طريقه الى طرابلس.
انما بعد 45 دقيقة من انتهاء حديثي الهاتفي معه، كان الرئيس كرامي يصعد سلم الطائرة الى القاهرة. والطريف ان كرامي حاول جاهداً المحافظة على سرية هذه الرحلة، فأبلغ عنها فقط الرئيس حلو لكنه لم يبلغه عن غايتها الحقيقية.
وعندما علم رئيس الجمهورية بسر هذه الزيارة لاحقاً ثار وردد في احد مجالسه: "ولو ما بيخبّرني، شو أنا بعيد عن الجماعة". يقصد بالجماعة الشهابيين الذين كانوا حينها يتهمونه بالتواطؤ مع الحلف الثلاثي والإخلال برد الأمانة. وعلم يومها ان كرامي قام بإبلاغ عبدالناصر نبأ عزوف شهاب عن ترشيح نفسه وأسباب هذا العزوف وامكان ضغطه، اي عبدالناصر، على كمال جنبلاط لاتخاذ موقف صريح بتأييد شهاب لعل ذلك يجعله يقلع عن العزوف، او ان تتبنى القاهرة ترشيح شهابي آخر. وفوجئ كرامي بحدة عبدالناصر في هجومه على الشهابيين ونفضه اليد منهم جميعاً بسبب حادثة "الميراج". وكرر له الكلام نفسه الذي سبق لصبري حماده ان سمعه منه في موسكو.
في 17 آب من العام نفسه 1970، وخلال جلسة لم يشهد مجلس النواب اللبناني طوال تاريخه مثل التوتر الذي سادها، وتلك قصة اخرى، فاز سليمان فرنجية برئاسة الجمهورية بأكثرية صوت واحد وحتى الآن ما زال السؤال مطروحاً في الاوساط السياسية عمن كان صاحب الصوت الذي رجّح كفة الميزان؟!
والحقيقة انه لا يوجد لغز في الاجابة عن هذا السؤال فقد ثبت يومها ان كمال جنبلاط قسم اصوات نواب كتلته بالتساوي بين المرشحين الاثنين سليمان فرنجية والياس سركيس، وأي مطلع على مدى العلاقة المتينة التي كانت تربط جنبلاط بالقاهرة وبموسكو ايضاً مع العلم انه هو الآخر زار القاهرة وقابل عبدالناصر بمجرد علمه باجتماع رشيد كرامي بعبدالناصر، يدرك ان موقفه في جلسة الانتخاب كان متأثراً بسلبية عبدالناصر من عودة الشهابيين، وان كان اتخذه بطريقة الارضاء اللبنانية للجانبين، وهذا معناه ان حادثة "الميراج" كانت بيضة القبان في خسران الشهابيين تلك المعركة!...
طبعاً لا يمكن الجزم بأن حادثة "الميراج" هي وحدها التي آلت بدولة الشهابيين الى نهايتها في الشكل الذي جرى لأن هناك عوامل كثيرة خارجية وداخلية ساعدت ايضاً على تضعضعها...
اولى تلك العوامل كانت هزيمة عبدالناصر في حربه مع اسرائىل عام 1967 فقد انعشت تلك الهزيمة جميع خصوم عبدالناصر من العرب واللبنانيين وحملتهم على التكتل من جديد لمحاربته وكان اول افرازاتها في لبنان ولادة ما سمي بالحلف الثلاثي من كميل شمعون، ريمون اده، بيار الجميل، وخوضه انتخابات عام 1968 في جبل لبنان وخصوصاً كسروان ومناطق لبنانية اخرى، تحت شعار محاربة الشهابيين لتبعيتهم لعبد الناصر. ورسمت انتصارات الحلف اول معالم التغيير في التوازنات الداخلية وربما بداية النهاية للمرحلة الشهابية. وفي الوقت نفسه كان الرئىس شارل حلو المتضايق من الهيمنة الشهابية يمارس لعبة شخصية باطنية تقوم على المسايرة الظاهرة للشهابيين والتأييد والمساعدة الخفية لخصومهم وخصوصاً للحلف الثلاثي.
كان شهر العسل الاميركي - الناصري الذي توافق على رئاسة فؤاد شهاب عام 1958 قد بدأ بالذبول تدريجاً مع تراجع المراهنة الاميركية على سياسات عبدالناصر العربية والشرق الاوسطية، وأصاب الشهابيون في لبنان الكثير من تداعيات التوتر في العلاقات المصرية - الاميركية، لأن الاميركيين كانوا يتهمونهم صواباً او خطأ بالتبعية لعبدالناصر، وقد بدا مدى التخلي في المراهنة الاميركية على الشهابية اللبنانية منذ انتخابات رئاسة الجمهورية عام 1964، ثم تحول هذا التخلي الى عداء خفي ظهر في مدى التأييد الاميركي للخصوم المحليين للشهابيين وخصوصاً عند انكشاف رعايتهم غير المعلنة لقيام ذلك الحلف الثلاثي الذي استعمل كل الاسلحة بما فيها السلاح الطائفي لانهاء المرحلة الشهابية في لبنان، والغريب تلك المصادفة في تزامن انتهاء الشهابية اللبنانية في وقت واحد بل وفي شهر واحد مع انتهاء الناصرية في مصر والعالم العربي اي في ايلول سبتمبر من العام 1970 عند قيام عهد رئاسي جديد في لبنان، ورحيل عبدالناصر في مصر وقيام خليفته بمحاربة انصاره، كقيام حكومات ما بعد 1970 بملاحقة الشهابيين انما بطريقة لبنانية تختلف عن الطريقة المصرية ذات القبضة البوليسية.
وفي الرابع من آب من ذلك العام 1970 وفي اليوم نفسه والتاريخ الذي كان مقرراً فيه الاعلان عن ترشيح فؤاد شهاب للرئاسة فاجأ الرئىس شهاب الوسطين السياسي والصحافي ببيانه الشهير في العزوف عن الترشيح والابتعاد عن عالم السياسة - المفاجأة لم تكن في ذلك الانسحاب، وانما كانت في لهجة البيان ومضمونه - كان البيان عاصفاً صيغة ومضموناً -!
قال الرئىس شهاب ما ملخصه: انه درس الوضع بجدية فوجد انه لن يستطيع تحقيق اهدافه السياسية والاصلاحية والاجتماعية ضمن اطار الشرعية التي يؤمن بها فآثر الابتعاد. وأضاف: ان الجو في لبنان غير معد لتقبل الاصلاحات التي يؤمن ويفكر بها، وبما انه وجد انه لا يمكن تنفيذها في اطار الشرعية فضل العزوف. وحاكم البيان بقسوة الذهنية التي تسود المؤسسات في لبنان مؤكداً: ان هذه الذهنية تحول دون قيام حكم ديموقراطي برلماني هو وحده الصالح الشرعي لقيام الدولة المتقدمة في لبنان. ولفت البيان الى العصب الحساس في التركيبة اللبنانية اي النظام الاقتصادي، مشيراً الى ان سوء تطبيقه في لبنان يسهل قيام الاحتكارات مضيفاً: ان المطلوب تركيز ديموقراطية برلمانية صحيحة وإلغاء الاحتكارات لتتوافر الحياة الفضلى للبنانيين في اطار نظام اقتصادي حر سليم يتيح سبل العمل وتكافؤ الفرص للبنانيين حيث تتأمن للجميع سبل الافادة من عطاءات الديموقراطية الاقتصادية. ويختم البيان: بأنه لما كانت البلاد غير مهيئة لمثل هذه التحولات التي لا يمكنني تصور اعتمادها الا في اطار احترام الشرعية، واستناداً الى هذه المعطيات قررت الا اكون مرشحاً لرئاسة الجمهورية!؟
وحال اليأس من مدى استعداد اللبنانيين لتقبل الاصلاحات الجذرية والحقيقية التي يفيض بها البيان ليست جديدة في تفكير الرئيس اللواء فقد طفح بحديث المصارحة مع مجموعة الصحافيين في الستينات الوارد في مطلع هذه الصفحات!
اما الملاحظة الاخرى على البيان التاريخي فهي تلك المرارة في الاسلوب، وتلك المرارة كما بات معلوماً قرف من ألاعيب الكثير من النواب الشهابيين او غير الشهابيين. ولا شك في ان بعض تلك المرارة كان سببه التصرفات المسيئة للأجهزة التي كانت تتم من دون علمه ولم يكن حادث "الميراج" الا احدها، وكان قبلاً اشهرها تلك الصفعة على وجه فيليب خير العضو القيادي في الكتلة الوطنية والتي ادت الى استقالة عميد الكتلة ريمون اده من حكومة الاربعة عام 1959، والى الطلاق النهائي بينه وبين الشهابيين!
انما المرارة الاكثر ايلاماً التي كانت تعتمل يومها في داخل الرئيس شهاب نتجت كما علم لاحقاً، من موقف عبدالناصر الرافض بقسوة وعنف لإعادة انتخابه فالرئىس اللبناني الراحل كان يعلم جيداً ان الانقلاب الاميركي على عهده، مصدره في شكل اساسي التنسيق الذي اعتمده مع سياسات عبدالناصر العربية، وهذا التنسيق نفسه جلب عليه نقمة المسيحيين الذين اتهموه بالناصرية، مع العلم ان العهد الشهابي لم يكن يفعل سوى متابعة خط العهد الاستقلالي الاول في عدم توريط لبنان في المشاريع الغربية سياسة لا شرق ولا غرب ومما كان يزيد ألمه ان عبدالناصر لم يعبأ بالرسالة التي ارسلها له مع الرئىس رشيد كرامي والتي حوت التأكيد بأن الخط الشهابي لم ولن يخرج عن السياسة العربية التقليدية التي اتبعها منذ عام 1958 وان حادث "الميراج" لم يكن بعلمه اطلاقاً!
ويظهر ان هناك من كان اقنع عبدالناصر والسوفيات بأن الاجهزة الشهابية افتعلت حادث "الميراج" على حساب السوفيات من اجل استرضاء الاميركيين وكسب تأييدهم في معركة رئاسة الجمهورية، وفي وقت كان الصراع الدولي في اشد حالات التهابه، فكان عنف رد فعل عبدالناصر وليد حساسية سوفياتية فائقة من الاميركيين، إضافة الى شعور السوفيات بمس كرامتهم كدولة عظمى. اما اذا كان صحيحاً وجود هذا الهدف وراء حادث "الميراج"، فإن نتيجة ذلك التذاكي كانت عدم كسب الاميركيين وخسران السوفيات ومعهم عبدالناصر.
كاتب وصحافي لبناني، والنص فصل من كتابه "سنوات الجمر" الذي يصدر قريباً كجزء ثان من كتابه "ذكريات من الصحافة والسياسة".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.