"حبّذا لو أهجر حبس النساء/ حبذا لو أتعلّم من بعض الأخطاء/ أنا تائه مثلك في بحر الأحياء/ ولو كنت أعود إلى حبس النساء...". ها هو يوري مرقّدي... يخبط من جديد! ولعلّ وراء تلك الكلمات ذات النبرة التسطيحيّة التي تريد أن تلامس مناخات نزار قبّاني، ما يختصر كلّ التجربة الهجينة لهذا المغنّي اللبناني الذي ملأت أغنيته "عربيّ أنا" الدنيا، وستبقى "كليباته" تشغل الناس، أي مشاهدي الفضائيّات العربيّة. وقد يخيّل للمرء، حين يصغي إلى أغنيات أسطوانته الجديدة "حبس النساء" التي أطلقها قبل أيّام، أنّه من الفنانين الطليعيين الذين يتنطّحون لأداء قصيدة النثر، والكلام المرسل، واقفاً في مكان ما بين فوزي العائدي في الثمانينات وأحمد قعبور ومارسيل خليفة. لكن يوري مرقّدي، في الحقيقة، "بلفة" خدعة لبنانيّة لطيفة، من النوع الذي لا يمكن أن نقع عليه في أي مكان آخر. وكل ظاهرته قائمة على "الشطارة" في بيع ما لا يملكه، والانتماء إلى ما لا يعرفه ولا يعنيه خارج المصلحة التجاريّة. فهو متطفّل على الفنّ، ومتطفّل على الغناء، ومتطفّل على الحب، ومتطفّل حتّى على... العروبة. في متجر "فيرجين ميغاستور" البيروتي، حيث قدّم للصحافة خبطته الجديدة، بدا أن الاضافة النوعيّة الفعليّة التي تحملها الأسطوانة، هي نظارتا يوري الحمراوان اللتان تعكسان تصميماً مبتكراً من تصميم EYE DC... وستكونان مركز استقطاب الجمهور واهتمامه، على الأرجح، في الأشهر الطويلة؟ المقبلة. ولمَ لا ؟ فالفضائيات العربيّة وحش نهم، يلتهم يومياً كمية كبيرة من "الكليبات". ويوري "شيء" لبناني غريب gadget، يثير الفضول وشهقات الاعجاب، بدءاً من اسمه الذي درج الناس والمذيعون والمذيعات على تسكين رائه والاستغناء عن تشديد قافه، في دنيا العرب الواسعة التي اتخذها يوري سوقاً مثمراً. وقد كشف الفنان للجمهور وللاعلام في "فيرجين" أن اختياره اللون الأحمر لنظارتيه، تحيّة للفينيقيين الذين "اخترعوا اللون الأحمر" يقصد: اكتشفوا الارجوان، وأنّه صبغ شعره باللون الأشقر "لأن العرب يستعملون الحنّاء". أما هذا الوشم على رقبته، فيعود إلى أن الفراعنة "كانوا أوّل من استعمل الوشم"! هل بقي عندكم أيّة تساؤلات؟ وإذا كان الحب السطحي الذي يغنيه يوري مرقّدي هو من سمات هذا الزمان، فإن الأكثر طرافة في أعماله، هو نظرته الاستشراقيّة، الفوقيّة، إلى العرب، وإلى الحبّ عند العرب. في "عربيّ أنا"، الأغنية التي صنعت شهرته، يحذّر المرأة منه، ويدعوها إلى أن تخشاه: "ويلٌ إذا أحببتني". وأسطوانته الجديدة بالفصحى أيضاً، عنوانها "حبس النساء"، ونسغها "المرأة العربيّة" التي هو مغرم بها وكنّا نظنّه يغرم بالسويديات. وللتشديد على العروبة يحلل نسل الحبيبة، فإذا ب "أمّها عربيّة"، و"أم أبيها عربيّة". ترى ما سرّ هذا الحبّ المدهش لكلّ ما هو عربي؟ بل لنسأل: ما مشكلة يوري مع العروبة؟ وما مشكلته مع النساء؟ يظنّ أن كلمة امرأة عربية لا يمكن أن ترد من دون كلمة حبس، ويكثر من استعمال نعت عربيّة، والتأكيد على أصالته وعروبته... في حين أنّه ليس مطالباً بكل ذلك. إنّه فقط مطالب بالتمرّن على لفظ القاف كما يجب لا بالكاف، وبدراسة القواعد كي يفهم لماذا عليه أن يكتب عنوان أغنيته على غلاف الأسطوانة "يا ليتك معي" بدلاً من "يا ليتكي معي"! وحبذا لو تمكّن من أصول الغناء قليلاً، وبحث عن ملحّنين وشعراء جيدين لأسطوانته المقبلة. لكنّه لن يفعل كلّ ذلك. فهو ضامن للنجاح والرواج هكذا، كما هو. إننا - نحن "العرب" طبعاً ! - نعيش زمن يوري مرقّدي.