أغنية "عربي أنا" ليوري مرقدي، برزت فجأة وصارت شائعة وتُعرض على معظم الشاشات الصغيرة وفي الإذاعات، وانتقل صاحب الأغنية من الهامش الى الأضواء فوراً، وفي كل ليلة تقريباً يطل علينا هنا وهناك وهنالك وعلى الهواء مباشرة ويسترسل في كلامه عن حداثة الأغنية وقدرته على تطوير الغناء والموسيقى، ناهيك بالشكل "الجديد" الذي يطل من خلاله مرقدي، إذ صبغ شعر رأسه باللون الأشقر وجعله منفوشاً وارتدى نظارتين حمراوين وترك بعض الشعيرات تحت فمه وأنفه مثل خيط مستدير لا تمكن رؤيته إلا من قرب. واعتَقَدَ مرقدي ان هذا الشكل هو كبقية تتمّم "مشروعه" الغنائي، وظنّ ان هذا الشكل يكمل المضمون. من حق يوري مرقدي ان يعيش هذا الظن وإن كان في غير محله، ولكن ليس من حقه ان يأخذ هذا الظن على انه حقيقة ثابتة لا تتغير، وخصوصاً أن اغنيته لا تشكل اي معنى مؤثر في ذوق المستمع، كما ان الشكل، شكله الذي ابتكره لا يجعل من يشاهده يقتنع بحقيقة ما يرى بقدر ما ينتقل المشاهد الى حقيقة تتبادر فوراً الى ذهنه وتقول ان هذا الشكل محاولة فاشلة لجذب المشاهد، محاولة تعتمد على المثل الشائع "خالف تُعرف". لا يتميز صوت يوري مرقدي عن بقية الأصوات الدارجة في هذه الأيام، وتالياً، هو صوت من ضمن مجموعة اصوات تكاد تكون صوتاً واحداً في كل حفلة وفي كل سهرة وفي كل "كاسيت" يولد على الساحة الغنائية اليوم. ثم ان الموسيقى التي يستعملها وترافق اغنيته لا جديد فيها اطلاقاً ولا تجذب انتباه المستمع. اما ال"فيديو كليب" الذي يحاول اظهار الأغنية على نحوٍ تمثيلي يستدرج المشاهد لتلقّف الكلمات والموسيقى، فبدا ضعيفاً وغلب عليه طابع التمثيل والتصنّع خصوصاً في ذلك المشهد الذي "يعصر" فيه مرقدي نفسه ويبدو جسمه في حال توتر شديد وهو يؤدي كلمات الأغنية، محاولاً الإيحاء بحال من الطرب. في حين ان هذا الشعور يبدو مصطنعاً ومحضّراً وغير مكتمل. هل راقب يوري مرقدي نفسه جيداً أثناء أو بعد تصوير ال"فيديو كليب" لأغنيته؟ وإذا حصل ذلك، أي ان يكون راقب حضوره جيداً في تقديم الأغنية، فهذا يعني انه ممعن بل مصرّ على ظنونه التي تبقى ملكه الشخصي ولكنها لا تقنع المستمع. ولا أُغالي إذا قلت ان الأسلوب التمثيلي الذي يمارسه مرقدي في اغنيته لا يقنع المشاهد ولا يجذبه ابداً. في اغنية "عربي انا" يأتي صوت يوري مرقدي غير مقنع. فلا ميزة فيه ولا طاقة تُذكر وهذا ليس رأياً شخصياً فحسب بل هو رأي خبراء الموسيقى والأصوات، ولا موسيقى جديدة أو ميزة نغمية تُذكر في الأغنية. وال"فيديو كليب" الذي حاول تقديم الأغنية في شكل معقول، لم يكن في المستوى المطلوب وخصوصاً اداء المغني الذي بقي بعيداً من الهدف المنشود. اما كلمات الأغنية، فحاول يوري مرقدي تحميلها اكثر من طاقتها فاصطدم بعضها ببعض وضيّعت المعنى، إذ حاول وصف العاطفة او الحب بمصطلحات تداولت كثيراً في ايام الحروب وباتت غير مألوفة اليوم لكثرة ما استُعملت في خطابات وتظاهرات وغيرها... امام انتفاء العناصر الضرورية لولادتها، كيف يمكن هذه الأغنية ان تعيش؟ قد يعتقد البعض انني أتهجّم على يوري مرقدي، لكن ما ذكرته ليس سوى ترجمة لآراء كثيرة سمعتها وأسمعها من مثقفين وموسيقيين وفنانين ومطربين وكتّاب وأدباء وشعراء ونقاد، إضافة الى آراء شعبية اصادفها في أكثر من مكان أو مناسبة.