وزارة التعليم تنظم ورشة عمل "المواءمة مع التغيير والتحول في قطاع الخدمات المشتركة" في جازان    لدراسة أجندة المرحلة الانتقالية.. سورية على موعد مع حوار وطني شامل    تعرف على قائمة المتوجين بلقب كأس الخليج    الأمير محمد بن ناصر يفتتح شاطئ الهيئة الملكية بمدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية    إمام الحرم المكي: الرسل بعثوا دعاة إلى الخير وهداة للبشر    آل بنونة وآل قاضي يتلقون التعازي في حورية    خطيب المسجد النبوي: أعظم وسام يناله المسلم أن يكون أحبّ الناس إلى الله    البدء بأعمال صيانة جسر تقاطع طريق الأمير نايف مع شارع الملك خالد بالدمام ... غدا السبت    الدفاع المدني السوري: «تماس كهربائي» أشعل نيران «ملعب حلب»    اليمن في كأس الخليج .. 2970 دقيقة بدون فوز    (عيد) أفضل حارس للبطولة الخليجية الأولى والثانية    تراجع أسعار الذهب 2596.89 دولارًا للأوقية    توقعات بتساقط الثلوج على تبوك    الخطوط السعودية ووزارة الإعلام ترفعان مستوى التنسيق والتعاون المشترك    5 إستراتيجيات لإنهاء حرب روسيا وأوكرانيا    كأس العالم 2034.. السعودية ترسم مستقبل الرياضة والشراكات العالمية    لسرعة الفصل في النزاعات الطبية.. وزير العدل يوجه بتدشين مقر دوائر دعاوى الأخطاء المهنية الصحية    الأندية السعودية.. تألق آسيوي في الملعب والمدرجات    خير جليس يودّع «عروس البحر» بتلويحة «جدّة تقرأ»    رئيسا «الشورى» والبرلمان الباكستاني يبحثان تعزيز التعاون المشترك    رغم المخاوف والشكوك.. «سورية الجديدة» تتحسس الخطى    دروس قيادية من الرجل الذي سقى الكلب    الحصبة.. فايروس الصغار والكبار    مدربون يصيبون اللاعبين    تقطير البول .. حقيقة أم وهم !    328 سعودية ينضممن إلى سوق العمل يومياً    التأمين يكسب .. والعميل يخسر    «سكن».. خيرٌ مستدام    الإخلاء الطبي يشترط التأمين التعاوني للممارسين الصحيين    الدفاع المدني يؤكد ضرورة إطفاء النار الناتجة عن الفحم والحطب قبل النوم    السعوديون في هيثرو!    مشاعل الشميمري: أول مهندسة في هندسة الصواريخ والمركبات الفضائية في الخليج العربي    تمارا أبو خضرا: إنجاز جديد في عالم ريادة الأعمال والأزياء    إبراهيم فودة.. الحضور والتأثير    رسائل    تفسير المؤامرة    بحضور تركي آل الشيخ ... فيوري وأوسيك يرفعان التحدي قبل النزال التاريخي    النصر ومعسكر الاتحاد!    "رينارد" يعلن قائمة الأخضر المشاركة في خليجي 26    استغلال الأطفال على منصات التواصل الاجتماعي يهدد صحتهم النفسية والاجتماعية    واقع جديد    25 ألف سعودية يثرين الأسواق الناشئة    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالفيحاء ينقذ مراجعاً عانى من انسداد الشرايين التاجية    أدوية إنقاص الوزن قد تساعد في القضاء على السمنة لكن مخاطرها لا تزال قائمة    انفراد العربيّة عن غيرها من لغاتٍ حيّة    أدبي جازان يحتفل بفوز المملكة بتنظيم كأس العالم ٢٠٣٤ بندوة رياضية أدبية    كاسبرسكي تتوقع نمواً سنوياً متوسطاً بنسبة 23% في السعودية بفضل خبرتها المحلية على مدى 17 عاماً    السيسي: الاعتداءات تهدد وحدة وسيادة سورية    أمير القصيم يرعى ورشة عمل إطلاق التقرير الطوعي لأهداف التنمية المستدامة في بريدة    وزير العدل يُوجه بتدشين مقر دوائر دعاوى الأخطاء المهنية الصحية بالمحكمة العامة    التجارة تضبط 6 أطنان مواد غذائية منتهية الصلاحية بمستودع في جدة    صحة الحديث وحدها لا تكفي!    وصول طلائع الدفعة الثانية من ضيوف الملك للمدينة    وزير الدفاع يستقبل نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع الأسترالي    د. هلا التويجري خلال الحوار السعودي- الأوروبي: المملكة عززت حقوق الإنسان تجسيداً لرؤيتها 2030    رئيس الوزراء العراقي يغادر العُلا    الأمير تركي الفيصل يفتتح مبنى كلية الطب بجامعة الفيصل بتكلفة 160 مليون ريال    أمير تبوك يستقبل مدير فرع وزارة الرياضة بالمنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ألف وجه لألف عام - "وصيفات الشرف" لفيلا سكويز : أدوار متبادلة بين المشهد والمشاهد
نشر في الحياة يوم 20 - 08 - 2002

بعد سنوات من رحيل دييغو فيلا سكويز، لم يكن رسام البلاط الاسباني، خليفته، لوكا دجوردانو، مخطئاً حين أطلق على واحدة من أشهر وأعظم لوحات سلفه الكبير صفة "لاهوت الرسم". اللوحة المعنية هي "وصيفات الشرف" لاس مينيناس، وكانت واحدة من آخر الأعمال الكبيرة التي حققها رسام اسبانيا الكبير قبل رحيله. وهي حتى يومنا هذا، اذ يزورها مئات الألوف سنوياً ويتأملونها في متحف "البرادو" في مدريد في اسبانيا، لا تزال محط اعجاب الجميع ناهيك بكونها مدار تساؤلاتهم كما لو كانت لغزاً من الألغاز. والحال ان الانصاف يقتضي القول بأن غموض هذه اللوحة واسرارها، تفوق الف مرة ذلك الغموض المفترض وجوده مثلاً في لوحة ك"الموناليزا" لليوناردو دافنشي. ذلك ان فيلا سكويز عرف كيف يقدم في هذه اللوحة الضخمة 318X276سم الفن وسر الفن، الفنان وموضوعه، في لعبة تشتغل على وجهة النظر، بحيث يتحوّل المتفرج الى مُتفرَّجٍ عليه، في شكل أخاذ كما سوف نرى.
واذ نقول هذا، لا بد من الاشارة فوراً الى ان اطلاق اسم "وصيفات الشرف" على اللوحة يبدو مخطئاً تماماً. ومهما يكن من الأمر فإن هذا الاسم لم يكن لها منذ البداية، بل كانت تعرف باسم "عائلة فيليب الرابع"، لكن القرن التاسع عشر، اذ أعاد اكتشافها منحها الاسم الآخر الذي تعرف به الآن. فهل علينا ان نقول ان ذلك الاسم القديم يبدو غير منطقي بدوره. وان جو اللوحة وموضوعها وشخصياتها تبدو كلها متضافرة لكي ترفض أي اسم من هذا النوع يطلق عليها، ما يجعل الاسم الذي اختاره لها الرسام دجوردانو، أقرب الى المنطق؟
من ناحية مبدئية، تصور "وصيفات الشرف" حقاً، مشهداً من "الحياة الطبيعية" كما عايشها فيلا سكويز في قصر فيليب الرابع، حين صار، وفي آخر سنواته، رسام البلاط الاسباني، وصار له محترف فخم ضخم في القصر، وطفق يرسم اللوحات واحدة إثر أخرى، يصور فيها الملك والملكة والامراء، وغير ذلك من مواضيع بلاطية حقيقية. غير ان في هذه اللوحة التي نحن في صددها هنا، أموراً تجعل منها خارجة عن السياق الاعتيادي للوحات القصور، اموراً تربط اللوحة بفيلا سكويز نفسه، برؤيته للفن، بثقافته الفنية الواسعة، وربما ايضاً برغبته في ان يجعل من هذه اللوحة أشبه بوصية فنية جمالية، تقول الفن وجوهر الفن، في علاقة مدهشة تقيمها اللوحة بين من يصوِّر ومن يصوَّر. وحسبنا هنا ان نلفت الى ان المشهد الذي، يفترض مبدئياً، ان يكون في أساس هذه اللوحة، هو مشهد الثنائي الملكي فيليب الرابع وزوجته، الذي يقف في المكان نفسه الذي يقف فيه مشاهد اللوحة لينظر اليها. وهذا الأمر ليس تخميناً، ذلك ان فيلا سكويز، وعلى غرار الرسام الهولندي فان آيك، في لوحته "عرس آل ارنولفيني" 1434، التي كانت معروضة في مدريد في ذلك الحين، صور في المرآة الموجودة في عمق اللوحة، الملك والملكة، كذلك نراه ثبت حضورهما وأهميته، من خلال نظرته هو المباشرة اليهما. ففيلا سكويز موجود في اللوحة. صحيح انه لا يتصدر مركز الوسط فيها، لا تركيباً ولا اضاءة، لكنه هنا الى اليمين خلف اللوحة التي يرسمها ممسكاً بفرشاته ولوحة ألوانه، يمارس عمله كرسام، وينظر الى الموضوع المفترض للوحته، هذا الموضوع الذي تصوره لوحة داخل اللوحة هي عبارة عن المرآة. والحقيقة ان نظرة فيلا سكويز تضعنا في مواجهة أول الغاز اللوحة، فهل تراه ينظر حقاً الى موضوعه الذي ينقله الى اللوحة التي تشغل الجانب الأيمن من "وصيفات الشرف"، أم ان موضوعه هو في الحقيقة الأميرة الطفلة مرغريتا التي انما يشاء رسمها مع وصيفات الشرف، لكنه فوجئ بوصول الثنائي الملكي وهو منهمك في عمله نصوّر هذا المشهد الجديد؟
اللغز الآخر يتعلق بالمصدر الذي استقى منه فيلا سكويز تلك النظرة الجديدة على عالم الرسم في زمنه، والتي تجعل من الستديو الخاص في القصر الملكي، أشبه بمسرح يتحوّل فيه كل شخص وفي شكل فجائي، من ممثل في المشهد الى متفرّج عليه، في لعبة تبادل، تأتي صورة الثنائي الملكي في المرآة لتعززها. وانطلاقاً من هذا البعد كانوا على حق اولئك الباحثون الذين تساءلوا دائماً عن الدور الذي شاء فيلا سكويز، هنا، اسناده الى متفرّج اللوحة نفسه. فالمتفرج لا يبدو واثقاً تماماً هنا، بحسب واحد من الباحثين، بصدد موقفه من المشهد الذي يراه أمام عينيه. فهل وجوده هنا يبدو مستقلاً عن المشهد، ويمكنه بالتالي ان ينظر اليه بقدر كبير من الحياد، أم ان وجوده هو جزء من اللوحة نفسها، وانه - أي هذا الوجود - هو ما يعطي اللوحة قيمتها كلها؟ والحال ان هذا التساؤل الأخير ينبع تحديداً من ان فيلا سكويز كان في تلك المرحلة الأخيرة من حياته منهمكاً في دراسة المنظور، ودور المتفرج في صياغة اللوحة واعادة صياغتها، وكان قد قرأ بامكان، ومرات عديدة، كتاب سلفه الرسام الألماني البريخت دورر حول المنظور والنسب البشرية في اللوحات، وهو ربما أراد تطبيق هذا كله في لوحة كان يمتلك هو وحده، سر تركيبها والغاية منها.
وهذا السر، حاول كثر من الباحثين والرسامين، سبره انطلاقاً من لوحة فيلا سكويز هذه. ومنهم بيكاسو، الذي كان يدين الى سلفه الاسباني الكبير، بالكثير. ولئن كان بيكاسو، قد تحرى في أكثر من أربعين لوحة من لوحاته، انطلاقاً من فيلا سكويز نفسه، تلك العلاقة التي اقترحها هذا الأخير بين المشاهد واللوحة، فإنه - أي بيكاسو - لم يتوان عن رسم لوحة بالعنوان نفسه وبالموضوع نفسه، حاول فيها ان يعيد تفسير لوحته "وصيفات الشرف" على طريقته. وبدورها لوحة بيكاسو هذه تعتبر عادة من أهم وأجمل أعمال هذا الأخير.
حقق دييغو فيلا سكويز لوحته "وصيفات الشرف" بين العامين 1656 و1657، أي قبل وفاته بأربعة أعوام، وكان حينها قد أضحى رسام القصر بامتياز بعدما حاز على شهرة كبيرة في اسبانيا كما في أوروبا. وهو حين مات كان في الحادية والسبعين من عمره، وكان وراءه عدد لا يستهان به من لوحات حققها خلال فترات متتالية من حياته وجعلت منه واحداً من كبار فناني عصره وكل العصور. ولا بد من ان نشير هنا، الى تعليق أخير حول لوحة "وصيفات الشرف" يتعلق بالوشاح الذي يبدو معلقاً من حول رقبة الرسام في اللوحة وهو وسام "سان جيمس" الذي منح له في آخر حياته: اذ من المعروف هنا ان فيلا سكويز لم يرسم الوشاح حول صدره، بل ان الملك فيليب الرابع هو الذي أمر بإضافته الى اللوحة بعد رحيل الفنان، ما أضفى سحراً زائداً على لوحة أتت أصلاً مليئة بالسحر والدروس والغموض في آن معاً.
ابراهيم العريس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.