على رغم ان وزير الخارجية الاميركي كولن باول رأى، متأخراً، انه من المناسب ان يرتب اجتماعاً مع مسؤولين فلسطينيين كبار في واشنطن الشهر المقبل، لكنه من المستبعد ان تؤدي هذه الخطوة الى تهدئة منتقدي السياسة الشرق اوسطية لادارة جورج بوش داخل البلاد وخارجها. هكذا هو الحال خصوصاً في اعقاب رد الفعل الاميركي الخافت بشكل مخزٍ على ما وُصف بأنه "قتل مستهدف" لمتطرف فلسطيني، ما أدى الى مقتل 15 آخرين، من ضمنهم 11 طفلاً، باستخدام أسلحة اميركية متطورة. كل ما قاله الناطق باسم الرئيس بوش هو ان هذا العمل الاسرائيلي اتسم "بقوة مفرطة ولا ينسجم مع تكريس الجهود من اجل السلام في الشرق الاوسط". وعلى رغم ان الرئىس عبر عن أسفه لسقوط ضحايا ابرياء، فان شيئاً لم يذكر حول اساءة استعمال اسلحة اميركية من جانب اسرائيل، كما جرى في هذه العملية التي اُستخدمت فيها طائرات "إف 16"، علماً أنه تُفرض على جميع متلقي المساعدات العسكرية الاميركية قيود تقصر استخدام الاسلحة على حالات "الدفاع عن النفس". ومن المثير للاهتمام، ان الناطق باسم البيت الابيض رفض مقارنة اجراها أحد المراسلين بين الضربة الاسرائيلية والهجمات الاميركية في افغانستان التي أدت الى قتل مدنيين. وفي تحدٍ وقح للانتقادات الدولية، وصف رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون القصف المستهتر لحي سكني بقنبلة زنتها 2000 باوند بأنه "واحد من اكبر نجاحاتنا". كما كشف حاييم رامون رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست ان الحكومة الاسرائيلية كانت على اطلاع على خطط فلسطينية لاعلان وقف نار من طرف واحد. وأعلن الفلسطينيون ان الهجوم الاسرائيلي جاء "بعد بضع ساعات فقط من التوصل الى ترتيب" بين قادة اسلاميين ووطنيين لوضع حد للهجمات على المدنيين الاسرائيليين. ولمح الدكتور مصطفى البرغوثي، وهو ناشط بارز ورئيس لجان الاغاثة الطبية، الى ان الاعتداء الاسرائيلي كان اكثر خبثاً. وقال: "هذه ليست المرة الاولى التي ينفذ فيها شارون اعمالاً عسكرية كي يستفز الفلسطينيين ويحبط أي محاولة تهدف الى حل وسط سلمي لاعمال العنف الحالية". واشار الى حادثتين سابقتين، احداهما في كانون الاول ديسمبر الماضي والثانية في آذار مارس الماضي، وهما فترتان تميزتا بهدوء نسبي. وفي اليوم الذي وقع فيه الهجوم الاسرائيلي، تلقى الرئيس بوش رسالة لاذعة من شخصيات بروتستانتية بارزة تتحدى فيها وجهة النظر السائدة بأن طائفتها تؤيد بقوة سياسة ادارة بوش في الشرق الاوسط. وحضّت هذه الشخصيات الرئيس الاميركي "على التحرك بجرأة الى امام كي يمكن تحقيق الطموحات المشروعة للشعب الفلسطيني في اقامة دولته". وعبّرت الرسالة، حسب صحيفة "واشنطن بوست"، عن تحدٍ غير مألوف من جانب بروتستانتيين بارزين لموقف اليمين الديني الذي جاهر بتأييده إسرائيل. وقال ريتشارد جاي ماو رئىس معهد فوللر اللاهوتي في بسادينا في ولاية كاليفورنيا، وهو احد الموقعين، ان الرسالة تقول بوضوح ان "بعضنا لا يشعر بارتياح بسبب الانحياز القوي الى الجانب الاسرائيلي في هذا الصراع كله". وتابعت الرسالة ان "سرقة اراضي الفلسطينيين وتدمير منازل الفلسطينيين وحقولهم يمثلان بالتأكيد احد الاسباب الرئيسية للنزاع الذي ادى الى الارهاب". واُرسلت الى وزير الخارجية كولن باول نسخة من الرسالة التي دانت ايضاً عمليات التفجير الانتحارية الفلسطينية "واعمال العنف ضد المواطنين الاسرائيليين" بالاضافة الى الاحتلال العسكري الاسرائيلي و "حركة الاستيطان الاسرائيلية اللاشرعية والمهينة المتواصلة". ولاحظ ماو انه "اذا تعامل المرء بجدية مع "العهد القديم"، فان الانبياء الذين كانوا موالين لاسرائيل ادركوا ان الله لن يبارك اسرائيل ابداً إن لم تنشد العدل وتحب الرأفة وتسير بتواضع امام الله. ان القيام بقصف اطفال فلسطينيين صغار بهدف قتل احد القادة ... ثم الادعاء بأنها كانت عملية عسكرية ناجحة لا يحقق العدل ولا يظهر الرأفة". وضمت صحيفة "نيويورك تايمز" صوتها الى المعبرين عن عدم الرضا ازاء ادارة بوش. ولفتت الى ان وزير الخارجية باول "هُزم على صعيد عدد من القضايا المهمة في الشهور الاخيرة من جانب شخصيات ذات نزعات محافظة ومؤدلجة اكثر تشدداً" في الادارة. ومن بين "الصقور"، حسب تعبير الصحيفة، نائب الرئيس ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد ونائبه بول وولفوفيتز والمدير السياسي للبيت الابيض كارل روف. وقالت الصحيفة في مقالة افتتاحية الاسبوع الماضي ان "الوقت حان لأن يكف باول عن المهادنة. وربما يحتاج الى ان يثور في نوبة غضب". واكدت الصحيفة ما يتمتع به باول من نفوذ في العاصمة واشنطن، "فالرئيس يحتاج اليه اكثر مما يحتاج هو الى الرئيس. فباول شخصية من الوزن الثقيل في واشنطن، فهو مستشار سابق للامن القومي وجنرال كبير في الجيش ورئىس الاركان المشتركة، وأحد مهندسي النصر في حرب الخليج. وستتضاءل مكانة بوش، الذي كان من الوزن الخفيف في السياسة الخارجية عندما تولى الرئاسة، في الداخل والخارج فوراً اذا لم يعد باول يقف الى جانبه". وبعدما اشارت الصحيفة الى ان البيت الابيض عكس السياسة التي كان باول تبناها علناً على صعيد قضايا تراوح من كوريا الشمالية الى ايران الى استراتيجيات لمعاودة مفاوضات السلام في الشرق الاوسط، قالت ان "معيار النجاح بالنسبة الى وزراء الخارجية ليس ما اذا كانوا يتبعون الرئيس باخلاص بل ما اذا كانوا يوجهون السياسة الخارجية في اتجاهات تخدم المصالح الاميركية في الخارج. ويملك باول قناعات وتجربة تؤهله لأن يكون وزير خارجية عظيم، لكنه لن يحرز هذه المكانة اذا اخفق في التمسك برأيه". هل سيصمد باول ويعزز مكانته؟ وهل سيتحدى اسطورة اللوبي الاسرائيلي؟ الارجح انه سيُفاجأ بالتداعيات البعيدة الأثر التي ستنجم عن موقف كهذا. * كاتب فلسطيني، واشنطن.